هل تعلم أخي المريض أنك عندما تدخل لأي مستشفى حكومي وخصوصاً المستشفيات الجامعية فإنك توقع على عدم ممانعة من أن تسمح لكافة متدربي الكليات الصحية بالتدرب على حالتك واستخدامك حالة يستذكرون من خلالها ما تعلموه على مقاعد الدراسة. وأنت عزيزي القارىء تقبل في البداية من مبدأ خدمة الإنسانية ولأن هؤلاء سيكونون أطباء وممرضي وتقنيي المستقبل الذين سيكون لهم دور أساسي في تقديم خدمة طبية قد تحتاجها أنت أو أحد أفراد أسرتك أو أحد أفراد الأمة والإنسانية، وكما أنك تتطلع الى أن يقوموا على تحسين الخدمات الطبية والارتقاء بها مستقبلاً. ولكن ما أن تبدأ للسماح لهم بالتدرب على حالتك إلا ويبدأ عندك الضجر وعدم الارتياح من كثرة الزوار المرحب بهم في البداية وغير المرغوب بهم لاحقاً خاصة عندما تكون الأعداد غير محتملة. عندما كنا في كلية الطب قبل عشرين عاماً كنا نتدرب على مرضى حقيقيين وكنا نأسف ونتعس عندما يرفض مريض منهك الجسد أن نقوم بفحص جسده وأخذ تاريخه المرضي منه، ولم نكن نعلم أن رفض أكثر هؤلاء المرضى لا ينبع عن كره فينا بقدر ما هو إحساس المريض بالإجهاد والإعياء من كثرة تكرار نفس القصة، ومن كثرة الأيادي التى تلمس جسده في كل يوم من الثامنة صباحا وحتى الرابعة عصراً. يالله كل هذا الوقت الطويل يمر على ذلك الخلوق المسكين (المريض) وهو يقول ويعيد ويكرر نفس الشيء... ولعلك أنت الآن عزيزي القارئ تصرخ ما هذا الملل الذي يزيد المرض سقماً؟!!. ولكن لا تخف فكل هذا ملاحظ و بشكل جيد عند كل العاملين في مجال التعليم الصحي في الداخل والخارج. ولهذا السبب ولأن كثيراً منا بما فيهم العاملون في المجال الصحي يرغبون في أن يكونوا بعيدين عن طلاب الكليات الصحية، كما أنهم يرون في المستشفى مكانا يخلدون فيه لراحة ولعلاج أسقامهم التى نخرت أجسادهم المنهكة، فقد قام فريق منهم باختراع علم المحاكاة الطبية. فما هو هذا العلم وكيف بدأ والى أين وصل؟! تعتبر المحاكاة الطبية فرع من علم وتكنولوجيا المحاكاة المتعلقة بالتعليم والتدريب الطبي المستمر. والتي تقوم على محكاة الحالات بني البشر المرضية المختلفة، إما من خلال الرسوم الكرتونية المتحركة أو الصور الكهرومغناطيسية لكامل الجسد كالتي تستخدم الآن في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء خلال سنوات ما قبل التدريب السريري في كثير من كليات الطب حول العالم، أو من خلال الدمى المصنعة (المانيكان) والتي بها جهاز كمبيوتر ببرمجة مصممة لمحاكاة الكثير من الحالات المرضية الطارئة (كحوادث السيارات و الذبحات الصدرية) وغير الطارئة مثل إلتهاب الركب والمفاصل وغيرها. فالغرض الرئيسي هو تدريب المهنيين الطبيين للحد من الحوادث أثناء الجراحة، وعند كتابة الوصفات الطبية، وأثناء الممارسة العامة لمهنة الطب، كما تشمل مهن التمريض، وتقنيي الموجات فوق الصوتية والأشعة بمختلف أنواعها، ومساعدي الصيدلة والعلاج الطبيعي. ومع أن التدريب من خلال المحاكاة الطبية مطبق في كثير من الكليات الطبية عالمياً ومحلياً، إلا أن الكثير من المهنيين الطبيين يشككون في جدارة الممارسة من خلال علم المحاكاة الطبية، حجتهم في ذلك أن علم الطب والجراحة، ومهارات المداواة والتشافي عامةً معقدة للغاية لا يستطيع علم لمحاكاة تقليدها بدقة. إلا أن التقدم التقني (التكنولوجي) الكبير جدا في العقدين الماضيين جعل من الممكن محاكاة غالب الممارسات الطبية من أبسطها كالزيارة السنوية لطبيب العائلة الى أعقدها كعمليات جراحة القلب السنوية بالغة التعقيد. فقد ساعدت زيادة حالات الطوارئ مؤخرا والمتزايدة علم المحاكاة على تطوير نماذج طبية (سيناريوهات) مختلفة ساعدت مقدمي الخدمات الطبية على التدرب وبالتالي المقدرة على تقديم خدمات طبية أفضل. فبفضل هذه التكنولوجيا أصبحت الاستجابة للكوارث أسهل والتى تتم من خلال كوادر بشرية ذات تدريب أفضل ونظرا لتوافر السريع للمحاكاة في الكليات الطبية المختلفة والمستشفيات والمنشآت العسكرية، ومختبرات البحوث. أول من قام بتطبيق علم المحاكاة في العلوم الطبية هم أطباء التخدير وذلك لحرجية التخصص اللحظية من أجل الحد من الحوادث والأخطاء التى قد تودي بحياة المريض. وذلك بعد أن تم تطبيق علم المحاكاة في الرحلات القوة العكسرية عام 1930 ميلادي. عندها قام وحاول العلماء في مختلف المجالات من داخل عالم الطب ومن خارجه في إدخال علم المحاكاة في مجال عملهم. ولأننا نحن المرضى قد ضجرنا بتدرب طلاب الطب على أجسادنا المريضة ولأنه من الصعب الإلمام بغالبية النماذج الطبية والعلامات المرضية أثناء سنوات التدريب السريري للطلبة فقد وجد هذا العلم قدماً في هذا المجال بل وقام بتوطيدها في شتى فروع الطب التجريبي والعملي، خاصة بعد الانفجار الإلكتروني الهائل في عالم البرمجيات الإلكتورونية وعلم صناعة الدمى المحاكية لجسم الإنسان وبعد أن أثبت هذا العلم أن تكلفته وأسعاره معقولة وأقل بكثير من التكلفة الهائلة والتدريب السريري على المريض. ومع حلول عام 1980 ميلادي أصبحت المحاكاة الطبية الجراحية أمراً واقعياً وبمساعدة من جامعة كاليفورنيا سان دييغو. فنجحت شركة أبل ماكنتوش عام 1986 ميلادي من تطوير لعبة يستطيع الجراح أن يجري عملية على مرض تمدد الشريان الأبهر التى قد تتكلل بالنجاح فينجو المريض أو قد تفشل ويموت المريض. وفي عام 2002، تم تشكيل جمعية المحاكاة في الرعاية الصحية (SSH) لتصبح رائدة في مجال التقدم الطبي في هذا المجال دولياً تطبيق المحاكاة الطبية في مجال الرعاية الصحية. واليوم تمتلك بلادنا الحبيبة مركزين للمحاكاة الطبية أحدهما في كلية الطب جامعة الملك سعود -الرياض-، تحت إشراف أخينا الدكتور سامي النصار، والثاني في كلية طب جامعة المؤسس (الملك عبدالعزيز) بإشراف الزميل العزيز عبدالعزيز بوكر والذي نفخر بحصوله على اعترافات دولية عديدة على رأسها اعتراف من قبل الكلية الملكية الكندية واعتراف لجمعية الدولية الأميركية للمحاكاة... وللحديث بقية. لعلم أمراض الأطفال نصيب في علم المحاكاة يمكن للمانيكان محاكاة أمراض القلب والتنفس