من المألوف في القراءات الشعرية الانطباعية أن تُقابلك عبارات تبجيلية عديدة ذات دلالات فضفاضة من نوع: "يُعد الشاعر فلان مدرسة شعرية" أو "يمتلك الشاعر أسلوباً خاصاً في كتابة القصيدة"، مثل هذه العبارات وغيرها توزع بالمجان غالباً وقد ترد عند الحديث أو الكتابة عن شاعر ناشئ ما زال في بداية تجربته ويكاد عدد قصائده لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. العبارة الأولى قد يُفهم منها أن الشاعر صاحب تجربة مؤثرة استطاعت كسب إعجاب المتلقين والنقاد، ودفعت الشعراء الآخرين لتقليد الشاعر ومحاولة السير على نهجه، أمّا العبارة الثانية فتُشير إلى أن الشاعر ابتكر شيئاً جديداً امتاز به عن الشعراء السابقين، لكننا –دائماً- لا نتمكّن من معرفة مكمن الخصوصية في أسلوب الشاعر لأن كاتب العبارة نفسه لا يوضحه لنا، لأنه وبكل اختصار عاجزٌ عن تحديده! الشاعر بدر شاكر السيّاب (ت 1964م) أحد الشعراء الذين سُئلوا عن خصوصية أسلوبهم في نظم الشعر، فأجاب بإجابة مُتردّدة لا تُثبت وجود هذه الخصوصية ولا تنفيها، إذ قال: "لا أستطيع القول جازماً إن لي أسلوباً خاصاً في الشعر. فأنا ما زلتُ في تطور وتجربة ولم أبلغ دور النضج بعد، ولكني أظن أني لديّ ما يمكن تسميته أسلوباً شعرياً خاصاً. وقد أكد هذا الظن في نفسي كثيرون من أصدقائي الأدباء، فهم يقولون إن في وسعهم معرفتي من أسلوبي في أية قصيدة أكتبها حتى لو لم تكن منسوبة إليَّ. ولكن مثل هذا القول لا يخلو من مبالغة، بيد أنّي أحاول أن أطور لنفسي أسلوباً خاصاً". يتبيّن لنا من تأمُّل إجابة السيّاب رغبته في أن يكون له "أسلوب خاص" به، وقد أكّد هذه الرغبة في نفسه تصريح أصدقائه بأن في استطاعتهم تمييز قصائده "حتى لو لم تكن منسوبة" إليه، لكنه غير واثق تمام الثقة من صحة هذا الادعاء، فهو يصف كلامهم بأنه "لا يخلو من مُبالغة". ونحن أيضًا لا ينبغي لنا التسليم بصحة مثل هذه المزاعم، فكثير من النقاد والمتلقين يزعمون القدرة على معرفة مبدع القصيدة قبل التصريح باسمه بناءً على خصوصية أسلوبه، لكن الواقع يُثبت خلاف ذلك، فعلى سبيل المثال نُقابل من يزعم بأنه يستطيع تمييز قصائد شاعر مُبدع مثل سعد بن جدلان من بين عشرات أو مئات القصائد، لكنه في الوقت ذاته يُخطئ في نسبة قصائد لشعراء آخرين إليه، كذلك نجد القصيدة الواحدة في الشعر العربي القديم تُنسب لعشرات الشعراء، وفي هذا دلالة على عدم صحة مزاعم "أسلوب الشاعر الخاص"، وأستثني من ذلك حالات نادرة يقوم فيها المتلقي بنفي صحة نسبة قصيدة معينة لشاعر تربطه بشعره علاقة وثيقة وطويلة نظراً لتباين مستواها عن سائر قصائده، ومن ذلك ما فعله الفرزدق حين سمع قصيدةً لذي الرمة ساعده جرير بنظم بعض أبياتها، فما كان من الفرزدق حين سمع تلك الأبيات من ذي الرمة إلا أن قال: "لقد علكهن أشد لحيين منك"! أخيراً يقول مبارك بن رادعة: لا يحزنك هاجس الفرقا وكبت الشعور وظروفنا اللي شتاها أحرّ من صيفها أهم حاجة محبتنا، وباقي الأمور إن زانت تْزين وإن ما زانت بكيفها