في اليوم التالي لاجتماع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية المنعقد الاثنين الماضي، وبعد استماعه لعرض مقدم من رئيس هيئة السوق المالية، أيقنت أن السوق المالية تجد الاهتمام الرفيع في خضم هذه الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة التي زلزلت أسواق المال في العالم. الحقيقة لم أخف تفاؤلي وارتياحي، بأن يكون لهذا الاجتماع نتائج بعيدة المدى على السوق المالية؛ حتى ولو لم تظهر نتائجه أمام الملأ، لأنه يعني أن هناك حرصاً حكومياً على إيجاد الاستقرار لسوق المال وبالتالي نمو الثقة فيها دون تدخل حكومي مباشر قد تكون آثاره سلبية وذات أثر خطير؛ كما يحدث بأسواق المال في الصين واليابان في الفترة الحالية؛ حيث لم تنفع معها حُقَن التحفيز. فالأصل أن الحكومات لا تتدخل مباشرة في أسواقها المالية، لكن كان تدخل تلك الدول في أسواقها بطريق غير مباشر عن طريق اقتصاداتها بما يعرف بالتيسير الكمي، وهو تيسير بغرض تنشيط اقتصاداتها وتحفيزها بما ينعكس مباشرة على أسواقها المالية، ورأى الجميع أن مثل ذلك قد حدث في عدة دول ومنها الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في فترة مضت، واليابان والصين في الوقت الراهن. استماع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للعرض المقدم من رئيس هيئة السوق المالية ليس تدخلا حكوميا في السوق المالية بقدر ما يكون اهتماما واطمئنانا لما يجب أن تصل إليه حال السوق من استقرار، وذلك في خضم هذه الأوضاع الصعبة التي تهز أسواق المال العالمية والاضطرابات التي تعصف فيها بسبب ركود الاقتصاد العالمي وتهاوي أسعار النفط. القراءة الصحيحة التي من الممكن لمستثمري السوق المالية الخروج بها وتستفيد فيه من ذلك العرض المقدم لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، هي أن الاستماع لعرض رئيس الهيئة يعني أن هناك اهتماما من قبل حكومة خادم الحرمين بإبقاء سوق المال بعيدة عن الاضطرابات، ولكي لا تنزلق في انخفاضات شديدة أكثر مما انزلقت فيه بسبب المخاوف الاتية من الأسواق العالمية سواء من دول الولاياتالمتحدة أو أوروبا أو آسيا، فتلك الدول كما ذكرت منذ أسابيع ماضية تعيش أسواقها المالية في فترة تصحيحات قسرية، وستستمر عليها حتى تصل إلى القاع الذي يرى فيه إستراتيجية وتلك الأسواق أنه القاع المناسب. أظن أن هذه هي المرة الأولى؛ التي يستمع فيها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لعرض من هيئة السوق المالية السعودية، فقد استدعت شدة الأوضاع الاقتصادية والتقلبات العنيفة للأسواق المالية العالمية لأن يكون المجلس قريباً من السوق المالية ومطلعا عن كثب لما يقوله رئيس الهيئة، وهو بالتأكيد لن يعرض سوى الحقائق التي أمامه لأنه مؤتمن على ذلك، فالتطلعات كبيرة بأن يُظهِر رئيس هيئة السوق المالية الكثير من الخطوات المتقدمة التي تكفل رفع كفاءة سوق المال، وما خطوة تغيير أوقات التداول للسوق المالية سوى خطوة في الاتجاه الصحيح، وما زال الأمل قائماً بأنه سيتبعها بسلسلة أخرى من الخطوات تتعلق برفع الشفافية وإيجاد الخطة المتعلقة بصانع السوق. بكل تأكيد فإن الاهتمام بالسوق المالية كواجهة للاقتصاد الوطني ومستودعا للثروات من مجلس الاقتصاد والتنمية سيكون له أثره في هذه الأوقات الحساسة والشديدة، ويجب أن لا ننسى أن السوق المالية متعطشة لكل ما يحفزها معنوياً من تصريحات لوزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد ورئيس هيئة السوق المالية وذلك لأهداف نشر التفاؤل وتقوية الثقة فيها، وإبعاد التشاؤم عنها من هَول انهيار أسعار النفط وحدة انخفاضات أسواق المال العالمية.