لم أسمع في حياتي شخصًا يسأل عن أقل ما لديه، لكن دائمًا أسمع مَن يتساءل عن أعظم النعم التي أُعطيها، لم تخطر ببالي هذه الفكرة قبل أن ألتقي بتلك الفتاة في العيادة، شابة غير عادية، رغم أنها لم تكمل عقدها الثاني بعد، ورغم كل ما حدث معها كانت تبتسم، وتضحك، وتحمد الله وكأنها أُعطيت من النعم ما لم ينله الكثير، حتى أن سعادتها -وهي بتلك الحالة- كانت مُربكة وغير مفهومة للجميع، هي فتاة مُقعدة أُصيبت بشلل رباعي، بالكاد تستطيع أن ترفع يدًا واحدة، لكن دون القدرة على أن تحرّك أيًّا من أصابعها نتيجة لحادث مرعب أفقدها الكثير، كانت تسأل الطبيب عن إمكانية زرع عصب في أصابعها حتى تستطيع أن تأكل دون مساعدة، ولما كانت الاختيارات محبطة ردّت: أنا مبسوطة، عندي كثير، وكمان كسبت شوفتكم، وخرجت بهدوء دون أن تزول ابتسامتها، تذكرت جملة قرأتها: نسيت اليوم أن أستمتع بإحساس البرودة الذي أحسست به حين لامست قدماي الأرض، رغم أني مازلت أملك القدرة على الإحساس، بكل ما حدث لها لم تفقد القدرة على رؤية أصغر النعم، فرأت أنها تملك الكثير، أمّا ما يحدث في العادة هو أن ننظر إلى أكبر ما نملك، وننتظر المزيد حتى ننسى أن نقدِّر ما لدينا كمّاً وحجمًا، وكأن القدرة على الامتنان لدينا مشلولة، وإن استطاعت هي أو أي شخص في مكانها أن يكون شاكرًا فهذا يسلب من أي أحد الحق في التذمر من حياته بعد ذلك، ويبدو أن ما ينقص التعيس ليكون سعيدًا البصيرة التي تمكنه من أن يرى ما في حياته ابتداءً من أقل الأمور لا أكبرها، لأن تلك البصيرة هي التي تؤدي أخيرًا إلى القناعة ثم الرضا، ومن ذلك اليوم وأنا أسأل نفسي ما هي أصغر النعم؟!