فيتامين "C" في حوار ال"BBC"

كُنَّا صغَارًا نَلتفّ حَول مَا يُسمَّى بالمذيَاع، أو الرَاديو، وكَانت إذَاعة لَندن في تِلك الزَّمانات هي نجمة المُستمعين، وذَلك لاختلافها في الطَّرح عَن غَيرها، إضافةً إلى سَقف الحرّية التي كَانت تَتمتَّع به، ولازلتُ أذكُر أنَّ أحَد مُذيعيها وهو "أيّوب صدِّيقي" دَاهمته كُحَّة وهو عَلى الهَواء مُباشرةً، فقَال عَلى الفَور: "قَاتل الله البَرد".. وهَذا يُعطي إشَارة للمهَارة التي يَتمتَّع بها مُذيعو تِلك الإذَاعة..!
هَذه الإذَاعة -التي كَانت تَستعمر أذَان جِيل كَامل مِن أمثَالي في الوَطن العَربي- كَان القَبض عَلى مُؤشِّر مَوجتها "حُلم"، لِمَا تَتعرَّض لَه مِن التَّشويش، فمَا بَالك إذَا تَجاوز الحُلم الأحلام؛ ليَكون مَن يَستمع لهَا بالأمس ضَيفها اليَوم..؟!
لقَد اتّصَلَتْ بِي المُذيعة القَديرة "كريمة كواح"، وقَالت لي: إنَّ كَثيرًا مِن مَنسوبي الإذَاعَة قَد رَشَّحوك لتَكون ضَيفنا لهَذا الأسبوع؛ ولمُدّة سَاعتين في برنَامج "بي بي سي أكسترا" الذي تُذاع حَلقته يَوم السَّبت، فوَافَقْتُ بَعد الاشترَاط أن تَكون الحَلقة خَالية مِن الهمُوم السياسيّة الحسَّاسة، ثم بَدأنَا العَمَل، وبُثّت الحَلقة وانتهينَا..!
لقَد كَانت الحَلقة ذَات أصدَاء وَاسعة، لأنَّ مُستمعي هَذه الإذَاعة بالمَلايين، كمَا أنَّ فَريق الإعدَاد يَبذل جُهدًا كَبيرًا في استقصَاء الضّيف وتَاريخه، حتَّى تَكون الأمور عَلى أحسَنِ حَال، لأنَّنا في كَثير مِن البَرامج والقنوَات فَقدنَا مِثل هَذا الإعدَاد، فنَجد الضّيف والمُذيع يَلتقيان قَبل الحَلَقَة بدَقَائق مَعدودة، لا تَستوعب إلَّا سَلق البيض..!
لقَد كَان مِن مَحاور الحَلَقة جَدلٌ -في المَغرب العَربي- حَول رَفع صَوت الأذَان، وتَفاجأتُ بالمُذيعة حِين أحضَرَت لِي مَقالاً كَتبته تَحت عنوَان: "الميكرفون بين زَمنين"، كَما أنَّها استَشْهَدَت بمَا قُلته عَن الميكرفون في كِتَابي "الغُثَاء الأحوَى"..!
في تِلك الحَلقة جَاءت الشّجون مَع الفنُون، وطَلبوا منِّي أن اختَار أُغنيّتين، الأُولى بالعَربي والأُخرى بالإنجليزي، فاخترتُ أُغنية الأستاذ "طلال مداح" -رحمه الله- "مَقادير"، لعِلْمِي أنَّها شَكَّلت جِيلاً كَاملاً مِن الفَن، كَما أنَّني اخترتُ بالإنجليزيّة أُغنيةThe Winner Takes All وتَعني "المُنتصر يَأخذ كُلّ شَيء".. لعِلْمِي أنَّ هَذه الأُغنية تَحكي جَانبًا مِن الخَلَل في المَسيرة الإنسانيّة..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: الحَلقة كَانت جَميلة بكُلِّ المَقاييس، وذلك للإعدَاد الجيّد والفَقرَات المُتميّزة؛ التي اختَارتها إدَارة البرنَامج.. ومَن أَحَبّ الاستمَاع إلى الحَلقة؛ فليَرجع لَها في مَوقع ال"بي بي سي"، وسيرى مَدَى جَودتها ونَزاهتها..!!!