مهما أردنا تطبيع مصطلح (القانون) في إطار مرجعيتنا الشرعية، فإنَّه يفتح أبوابًا من الجدل والخلاف، دون ضرورة أو حاجة عامّة القائلون بأنَّ مصطلح (النظام) في المملكة ليس مرادفًا لمصطلح (القانون)، أيّدوا رأيَهم بذكر فروق جوهرية بينهما؛ أُجمل أهمها فيما يلي: أولاً: تضمن مصطلح (النظام) تأكيدَ حاكميّة الشريعة الإسلامية على الأنظمة السعودية، على نحو ما سبق بيانه في المقالة الأولى؛ وعليه كيَّف علماءُ الشريعة دراسة الأنظمة في المملكة ضمن إطار السياسة الشرعية؛ وهذا من الآثار المهمّة لمصطلح النظام، التي أسهمت في مشاركة العلماء في مراجعة الأنظمة، بل وفي سنّها، إضافة إلى تعليق الفتاوى المرتبطة بها عليها؛ كما أسهمت في إبعاد وإبطال فتاوى التكفير -المستندة على أدلة نبذ القوانين الوضعية- عن بلادنا سلّمها الله. وهذا كلّه لا يتحقق عند استعمال مصطلح (القانون). ثانيًا: تأصيل الإلزام الشرعي للكافّة بامتثال الأنظمة المرعيّة، ومنع تجاوزها؛ إذ مصدر شرعيتها هو الشريعة الإسلامية، وعنه انبثقت فتاوى تجريم مخالفة الأنظمة المرعية شرعًا؛ بخلاف (القانون) الذي يستمد قوته من دستوريته الوضعية ولو خالف الشريعة؛ فالإلزام الشرعي لمقتضى (النظام)، ميزة لا يتمتع بها (القانون) في المجتمعات الإسلامية عامّة وفي مجتمعنا خاصة. ثالثًا: لزوم تفسير النظام داخل إطار الشريعة الإسلامية؛ فكل تفسير ل(النظام)، يخالف الكتاب والسنة يُعدّ تفسيرًا باطلاً مهما كانت جهة إصداره، وذلك خضوعًا لمبدأ سيادة الشريعة؛ بخلاف (القانون) فلا يشترط في تفسيره، ولا إنشائه عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، كما هو معلوم. رابعًا: وجوب التزام شرط التأهيل الشرعي للقضاء، المعبّر عنه نظامًا بالحصول على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة، أو شهادة معادلة لها، مع اشتراط النجاح في امتحان خاص يُعدّه المجلس الأعلى للقضاء، كما جاء في نصّ (المادة الحادية والثلاثون) من نظام القضاء الحالي الصادر عام 1428ه؛ ويعدّ هذا القدر أدنى حدود الشرط الشرعي المتفق عليه بين علماء الشريعة لتولي القضاء؛ وهذا بخلاف القانون، فلا يشترط في القضاء به شرط التخصص في الشريعة، مع أنَّه أهم شروط تولي القضاء في الإسلام، ولا يعدّ -شرعًا- مَن يتولّى القضاء بدونه قاضيًا شرعيًّا، حتى لو وافق الشريعة في أحكامه، ويكون من المتوعَّدين في الآخرة بالنّار، كما نصّ عليه أهل العلم؛ لتصديه للقضاء مع تخلف شرط الأهلية الشرعية لديه؛ ولا حجة في وجود درجات قضاء تصحح التجاوز؛ لفقد الشرط؛ ولأنَّ الحكم لا يرتقي للدرجة الأعلى على كل حال، كما لو لم يَعتَرِض الخصوم. خامسًا: خضوع (النظام) للرقابة الشرعية على دستورية الأنظمة، ويتضح عمليًّا في الرقابة القضائية الشرعية؛ بخلاف القانون فلا يشترط خضوعه للرقابة الشرعية؛ لأنَّه لا يخضع لسيادة الشريعة. سادسًا: لزوم التسبيب الشرعي للأحكام القضائية، التي يطبق فيها النظام المرعي؛ إذ النظام المرعي في المملكة، لا يخلو: إمَّا أن يكون حكمًا شرعيًّا أو تدبيرًا فقهيًّا أو مركبًا منهما؛ وعليه فلا بد من التسبيب الشرعي له؛ بخلاف القانون، فلا يلزم ذلك، بل قد يُرفض! سابعًا: أن استعمال مصطلح (قانون) مرادفًا لمصطلح (النظام) في المملكة -مع ما فيه من خطأ علمي وآثارٍ سلبية- هو أيضًا مخالف للنظام، وبمعنى آخر: لا يسوغ استعماله مطلقًا عن قيد في توصيف النظام السعودي، الذي تؤكّد أنظمته الأساسية أنَّ (النظام) هو المصطلح الرسمي في الدولة وأنظمتها؛ فأصول القانون هنا تقف مع مصطلح النظام، التزامًا بالاستعمال الرسمي السعودي. ومن ثمّ قالوا باستعمال مصطلح (النظام) دون لفظ (القانون)؛ لما لذلك من أبعاد وآثار متنوعة، قد تُستبعد في حال استعمال لفظ (القانون)، ولو مع مضي الزمن. وممّا ينبغي التنبيه إليه هنا: أنَّ جُلّ أصحاب الرأي القائل بالترادف، يرون الترادف في إطار الشريعة الإسلامية لا غير؛ وإن وُجد من يرى ذلك بوصفه خطوة نحو التفلّت من الشريعة، فهم قلّة قليلة بحمد الله. وأخيرًا فالملاحظ أنَّه مهما أردنا تطبيع مصطلح (القانون) في إطار مرجعيتنا الشرعية، فإنَّه يفتح أبوابًا من الجدل والخلاف، دون ضرورة أو حاجة عامّة؛ بل يساهم في تخلفنا في الثقافة النظامية التي نطمع في نشرها في ضوء سيادة شريعة خالقنا جلّ وعلا؛ فهل نعتز بمصطلحاتنا، وننشر إصلاحاتنا الإسلامية وتجربتنا التنظيمية باعتزاز، أم نبقى متأرجحين، فيسبقنا غيرنا في الاعتزاز بشريعتنا في ظل التطورات المعاصرة؟