خَواطِر × ظَواهِر “8” ..!

حَدَّثني قَلمي عَن حِبري قَائلاً: لا يُحصي الحِبر كَم مَرَّة استوقَفته كَلِمَات مِثل: «تَغطية صَحفيّة»، ليَقف أمَامها مِثلَما تَقف الأبقَار الكَسولة أمَام سكة حَديد القِطَار..!
تَغطية..؟ إنَّها تَغطية تَقوم بحَجب الحَقائق وسَتر الوَقائع، لتَكون اسماً عَلى مُسمَّى..! والسُّؤال الذي يَتبادل إلى الذِّهن: أهو خَطأ مَقصود أم صَواب مَحدود..؟!
حَسناً.. مَاذا عَن مُفردة «استطلَاع»..؟! قَد تَكون أجمَل مِن مُفردة «تَغطية»، ولَكن سيَرفض الرَّاسخون في عِلْم الصَّحافة الخَلط بين العَملين، إذ الاستطلَاع استطلَاع، والتَّغطية تَغطية، وشَتَّان بين التَّغطية والاستطلَاع..!
******
حَدَّثني سَلامي عَن كَلامي قائلاً: إنَّ هُناك تَحريضاً يُسمَّى «التَّحريض الخَفي»، وخُذ عَليه هَذا الدَّليل: يَقول أحد كُتَّابنا الأفَاضل مَا نَصّه: (لا أدري، لماذا لَم يَشتعل العَالَم العَربي والإسلَامي غَضباً؛ مِن قَرار مَجلس الأمن الدّولي، بتَقديم المُتَّهمين بجَرائم حَرب في دَارفور -بالسّودان الشَّقيق- لمَحكمة جَرائم الحَرب المُشكَّلة حَديثاً)..؟! إلى أن يَقول -أصلحه الله-: (مَا حَدَث في دَارفور هو مُؤامرة دَوليّة لتَمزيق السّودان)..!
بَعد كُلّ هَذا -بقَطع النَّظر عَن استثنَاء العَسكريين التَّابعين لأمريكا مِن هَذا القَرار- كَيف يُفسِّر لَنا كَاتِبنا الجَليل مَا الغَضَب الذي يُريد..؟! وإلى مَتى يَتآمر عَلينا العَالَم..؟! وحَتَّى مَتَى سنَظل نَصِف كُلّ قَرار أو حُكم بأنَّه مُؤامرة..؟!
يا قَوم: أفِيقُوا، فقَد تَغيّر الزَّمان، واستدَار المَكان، وحَسبُنا الله مَمَّا يُقال وعَليه التّكلان..!
******
حَدَّثني قَلمي عَن حِبري طَارحاً سُؤالاً مَفاده: «مَن يَقرأ»..؟! خَاصَّة والكُلّ في عَصر الحَواسب والشَّبكات أخذ يَكتب.. وهَذا جَانب مُضيء، إذ العَالَم المُعاصر يَقوم عَلى «عُمَّال المَعرفة» و»شَغِّيلة الوَعي».. ولَكن مَا يُلاحظ أنَّ «عُمَّال المَعرفة» في الغَرب هُم قُرَّاء نهمون، يَقرأ أحدهم أضعَاف مَا يَكتب، مِن هُنا تَبدو الخطُورة جلية حِين «تَتكرَّس الأُميّة» بشَكلها الجَديد، إذ يَظل الإنسَان يَستنسخ ذَاته ظَنًّا مِنه أنَّه صَار وَاعياً، مِثل الفَقير الذي فَرَّق رياله إلى مَائة هللة، وظَنَّ بذَلك أنَّه أصبَح غنيًّا..!
يَا قَوم: إنَّ بين المُتعلِّم والجَاهِل شَعرة اليَقين..!
******
حَدَّثتني مُشاهداتي عَن مُتابعاتي؛ أنَّ أجمَل مَا في المَقالات التي تُنشر في الصُّحف العَربيّة؛ هي شَكل الصّور التي تَتصدَّر هَذه المَقالات، إذ يَظهر الكَاتِب –غَالباً- بصُورة تُوحي بالتَّأمُّل، خَاصَّة إذَا اتّكأ وَجه الكَاتِب عَلى يَده، في دَلالة عَلى العُمق والتَّفكير..!
يَا قَوم: العُمق والتَّأمُّل لَيس «صُورة»، إنَّه «فِعل» يصدق عَليه قَول سَلفنا الشّعري العِملاق «جميل صدقي الزهاوي» القَائل:
إِذَا رَأَيْتَ صُورَتِي
قَرَأْتَ فِيهَا سِيرَتِي
حَتَّى كَأَنَّ سِيرَتِي
مَكْتُوبَة فِي صُورَتِي!!

Arfaj555@yahoo.com