تزخر المدن في عصرنا هذا بالمدارس الخاصة التي تتنافس في جلب أولياء الأمور ممن لديهم من الأموال ما يسمح بإلحاق أبنائهم بمدارس على مستوى عالٍ في التعليم، والترفيه، والخدمة المقدمة بعناية تلك الخدمة التي يجب أن تكون لكل طالب دفع والده عشرات الآلاف لكي يكون حرًا طليقًا يتعلم كما يشاء، يضحك كما يشاء، يتجاذب أطراف الحديث مع رفاقه كما يشاء، حتى أثناء شرح المعلم معتقدًا في نفسه أن المدرسة ومن عليها هي من ممتلكات والده الخاصة!، وأن المعلم ليس إلا موظف وموجود لخدمته فقط وهو شعور ينتقل لبعض الطلاب بفضل سلوك ولي الأمر وحسب نظرته للتعليم الخاص. وبنظرة سريعة لأوضاع المعلم في هذه المدارس تجد أن ما أقوله على جانب كبير من الواقعية، فعلى هذا المعلم واجبات والتزامات، من الواجب أن يؤديها دون تذمر، هذا إذا لم يكلف بتدريس مواد أخرى إلى جانب تخصصه وأنشطة إضافية وكل ذلك بمقابل لا يكاد يكفيه ويوفر له سبل الحياة الكريمة، هذا غير طريقة صياغة عقد المعلم، والتي تبدو وكأنها عقود مستخدمين وليست عقود معلمين، فتجد في بعض من المدارس الخاصة يكتب في عقد المعلم شرط غريب يؤكد نظرتي التي لا أبالغ بها أبدًا وهو (على الطرف الثاني) (المعلم) أن ينفذ كل ما تطلبه منه إدارة المدرسة وفي حالة الرفض للمدرسة الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة)!! وليس لذلك إلا دلالة واحدة وهي استعباد المعلم واستغلال حاجته للخبرة والعمل من قبل أصحاب هذه المدارس. والأدهى والأمر أن يزدان عمله بتطاول الطلاب عليه دون أن يكون له الحق في الرد على الإهانة أو طلب تأديب الطالب!! وكل ذلك لماذا؟؟ لأن والد الطالب قد دفع مسبقًا ما يحفظ لابنه كرامته أما كرامة المعلم فهي محفوظة لدى مكتب شؤون الطلبة في الدرج الذي وضع فيه ملف الطالب!! وهنا السؤال يفرض نفسه... إلى أين تنحدر العملية التربوية في هذه المدارس؟! نعم من واجب المعلم أن يكون موجهًا ومرشدًا وقبل كل ذلك مربيًا فاضلًا، دون غياب دور الأسرة في ذلك ومن واجب الأسرة توعية أبنائهم بقيمة المعلم وأهمية دوره في حياتهم كطلبة علم، بل والحث على احترامه وعدم التعرض له بالإهانة اللفظية أو الفعلية. تبصّروا معي كيف كانت وصية هارون الرشيد الخليفة العباسي لمعلم ولديه (قال هارون الرشيد للأحمر النحوي: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، وكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرّفه الأخبار وروّه الأشعار وعلّمه السنن وبصّره مواقع الكلام، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة).حقًا لقد كانت من أعظم الوصايا التي أُديرت بها العملية التربوية التعليمية، ففيها الكثير من المفاتيح التربوية التي تساهم في بناء العلاقة القوية بين المعلم، والطالب، وولي الأمر، والتي ستكون نتائجها مثمرة بتقديم أجيال للوطن تقدر مكانة العلم والعلماء، وتعي معاني الاحترام، والأدب، وحفظ الجميل، والانتماء، والولاء. كم أتمنى أن يكون أبناؤنا وبناتنا كذلك! هبة العبّادي - جدة