تحت رعاية وزير الداخلية.. اللواء القرني يشهد حفل تكريم المتقاعدين من منسوبي"مكافحة المخدرات"    7.1 مليار ريال صادرات كيماوية    2.1 % نسبة التضخم    انطلق في الرياض وجوائز مليونية.. 10 آلاف مشروع في كأس العالم لريادة الأعمال    ترمب: نحتاج معاهدة سلام.. وبوتين: المحادثات بناءة.. واشنطن وموسكو.. مباحثات مثمرة لحل الأزمة الأوكرانية    تحذيرات من تهديد للأمن الإقليمي وتصفية القضية الفلسطينية.. رفض دولي قاطع لخطة إسرائيل الكبرى    عشرات القتلى ومخاوف من انهيار المنظومة الإنسانية.. سلسلة غارات إسرائيلية على غزة    نائب وزير الرياضة يتوّج الأسترالي نيل روبرتسون بلقب بطولة الماسترز للسنوكر 2025    التحول في التعليم    محمد بن عبدالرحمن يدشن 314 مشروعاً تعليمياً في الرياض    وزارتا الإعلام والتعليم تطلقان برنامج الابتعاث إلى 15 دولةً    ابتعاث الإعلام.. شراكة استراتيجية لتأهيل جيل إعلامي منافس عالمياً    بيع 3 صقور ب 214 ألف ريال في الليلة الثانية من المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    مذكرة تعاون بين وزارتي الإعلام والتعليم لإطلاق مبادرة "ابتعاث الإعلام"    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    الاتفاق يتعادل إيجابياً مع الرفاع البحريني ودّياً    "الفتح"يتغلّب على أوردينو الأندوري برباعية ودية    خلال معسكره الخارجي في إسبانيا .. "نيوم"يتعادل مع روما الإيطالي    الفريق الفتحاوي يختتم معسكر إسبانيا بالفوز في مباراتين وديتين    بايرن ميونيخ يهزم شتوتجارت بثنائية ويتوج بكأس السوبر الألماني    غوارديولا: فوز واحد لا يعني أن سيتي عاد لمستواه    كومان يشارك في تدريبات النصر    الذهب يسجل خسائر أسبوعية مع تقلص توقعات خفض أسعار الفائدة    45% من النمو الاقتصادي للقطاع الخاص    الاستدامة تهدد وظائف الاستثمار الاجتماعي    الإنسانية في فلسفة الإنسانيين آل لوتاه أنموذجا    كيف سقطت ورقة " معاداة السامية "    صندوق الاستثمارات العامة.. من إدارة الثروة إلى صناعة القوة الاقتصادية    مشاهد إيمانية يعيشها المشاركون في رحاب المسجد الحرام    "هجرس".. أصغر صقار خطف الأنظار وعزّز الموروث    النفط يستقر على انخفاض وسط آمال تخفيف العقوبات على الخام الروسي    الشؤون الدينية تنفذ خطتها التشغيلية لموسم العمرة    خطيب المسجد الحرام: شِدَّةَ الحَر آية يرسلها الله مَوعِظَةً وعِبْرَة    إمام المسجد النبوي: العِلْم أفضل الطاعات وأزكى القُربات    ترمب يستعد للقاء زيلينسكي في واشنطن ويطرح رؤية لاتفاق سلام شامل    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري" برعاية كريمة من خادم الحرمين الشَّريفين    التعليم تشدد على ضوابط الزي المدرسي    انتشال جثث بعد مقتل 320 شخصاً خلال 48 ساعة جراء الأمطار الموسمية في باكستان    نتنياهو يفتح الباب أمام مقترح صفقة جزئية مع حماس لإطلاق الأسرى    اللاونجات تحت عين الرقيب    «متحف طارق عبدالحكيم» يختتم المخيم الصيفي    دراسة: احتساء القهوة صباحا يزيد الشعور بالسعادة    خفض الكوليسترول خلال 10 أيام    السجائر الإلكترونية مستعمرة بالفطريات    "الشؤون الإسلامية" بجازان تنفذ أكثر من 460 جولة ميدانية لصيانة عدد من الجوامع والمساجد بالمنطقة    أميركا: وقف إصدار جميع تأشيرات الزيارة للقادمين من غزة    العدل تطلق خدمات مركز الترجمة الموحد عبر منصة تقاضي    فريق قوة عطاء التطوعي ينفذ مبادرة "احتواء 1″ بجازان    «التعليم» تنشر ضوابط الزي المدرسي والرياضي للطلاب والطالبات    المعلمون يعودون غدًا استعدادًا للعام الدراسي الجديد 1447ه    تجمع تبوك الصحي يطلق مشروعات تطويرية لطب الأسنان    أمير عسير يستقبل سفير بلجيكا    المملكة تعزي وتواسي باكستان في ضحايا الفيضانات والسيول    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة في ديوان الشافعي
نشر في المدينة يوم 29 - 09 - 2010

الإمام الشافعي أحد أئمة الفقه الأربعة، وصاحب المذهب الفقهي “مذهب الإمام الشافعي” المسمى باسمه، فهو الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف. ولد في غزة سنة مائة وخمسين للهجرة، في نفس العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة.
أمه من الأزد، مات أبوه وهو صغير فانتقلت به إلى مكة، فحفظ القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمع بإمام المدينة المنورة “مالك”، فهاجر إليها، ومع ملازمته لمالك كان يقوم برحلات إلى البلاد الإسلامية.
ومما قاله في الأسفار والرحلات:
سَأَضرِبٌ في طُولٍُِِ الْبِلادِ وَعَرْضِهَا
أَنَالُ مُرَادِي أَوْ أَمُوتُ غَرِيبا
فَإنْ تلِفَتْ نفسيْ فللّه دَرُهَا
وَإِنْ سَلمت كانَ الُّرجُّوعُ قرْيبًا
***
تغرَّْبْ عَن الأوطانِْ في طلِب اْلعُلى
وسَافِرْ ففََي الأسفار خمسُ فَوَائدِ
تفُرجُ هََّم، واكتسَابُ معيشةٍِ
وَعِلمٌ، وَآدَابُ، َوصحْبةٌ مَاجِدِ
لما مات “مالك”، اصطحبه والي اليمن من الحجاز ودبر له عملًا في نجران، ورأى مكانة عليُ رضي الله عنه فرمي بالرفض، وفضل أبا بكر رضي الله عنه فرمي أنه ناصبي، ولأن الشافعي يحب أولاد عليُ عليه السلام فأخذ الوالي يكيد له متهمًا إياه بالعلوية مع تسعة غيره، فاستدعاهم الرشيد سنة 184ه، وقد قتل الرشيد التسعة ونجا الشافعي.
ومما روي عنه في حب آل البيت وأصحابه قوله:
آلً النًْبي ذرَيعتِيِّ وَهَّمُو إليْهِ وسَيلتيٍ
أرجٌو بِهم أعَطْى غدًا بيدِي اليَمِينَ صَحْيفتِي
************
يَا آلَ بيَتُ رسُولَ الله حبُكم
فَرْضٌ مِنَ الله فِيْ اَلقََرآنِ أنَْزلَهُ
يَكفيكُمُ مْن عَظَيمِ الفَخْرِِ أنكُمُ
مَنْ لم يُصِلِّ علْيكُمْ لا صَلاةَ لهُ
************
إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُ آَلَ مُحْمَدٍ
فَليشَهًد الثَقلانِ أنيْ رافضِّي
************
إذا نَحْنُ فضَّلنا عليّا فإنِِنا
رََوافَّضَ بالتفًَّضَيل عِنّد ذوي الجَهْلِ
وفّضَلَ أبيِ بكّرَ إذا مَا ذكرتُه
رميت بنصب عند ذكري للفضِلِ
فلاَ زِلْتُ ذَا رَفْضٍ ونَصْبٍ كِلاهُما
أدين به حتًى أوسًد في الرًملٍِِ
************
قَالوْا تَرفَضَت قلتُ: كلاَ
مَا لرَفضُ دِينِيْ ولاَ اعتقاَدِي
لَكًن توليُت غيَر شكٍ
خير إمام وخَيُر هَادي
إن كانَ حبُ الولْي رفضًا
فإْن رفضْي إلَى العبِادِ
************
إذََا فَْي مَجْلَِسَ نَذْكُرَ عَليًا َ
وسِبْطَيْهِ وفَاطَمَةَ الزَكْيَة
يُقَالُ تَجَاوزُوا يَا قَوُمُ هَذَا
فَهَذَا مِنْ حَدَيثَ اَلَراَفَضَية
برئُتُ إلى الُمهيمن مِنَ أنَاسٍ
يَروُنَ الَرفضُ حبُ الفاطَمْية
************
وأَنْ أباَ بكرٍ خَليفةَ رَبهِ وكَان
أبو حفْصٍَ عَلَى الخَيِر يحَرَُصُ
وأشُهد رَبَي أنَ عُثِمانَ فاضلٌ
وأنَ عليًا فضلُه متخصصُ
أئِمةُ قومٍ يُهْتدَي بهُداهُمُ
لَحَى الله مِنَ إيَِِِِّاهْم يَتنَقُّصًُ
************
وبعد نجاة الإمام الشافعي من هذه المحنة اتجه إلى بغداد، ثم عاد إلى مكة، والتقى به كبار العلماء في الحج ومنهم “أحمد بن حنبل” وأخذ فقه الشافعي يتبلور، فلم يعد فقه أهل المدينة وحدهم، ولا فقه أهل العراق وحدهم، بل أصبح مزيجًا منهما، لأنه خلاصة عقل أنضجه علم الكتاب والسنة والعربية وأخبار الناس والقياس والرأي.
فَرّق رحمه الله بين التوكل والتواكل في الرزق فقال أجمل الأبيات والتسلسل والربط بين الضيق والصبر والفرج ومما قاله:
وَلاْ تْرَ لِلأَعَادِيْ قََطٌ ذلاًًّ
فَإِنَ شَمَاتَهُ اَلأعدَا بَلاءٌُ
ولاَ تَرْجُ السَمَاحَةَ مِنْ بَخَيل
فَما فِي النَّار للظَمآنُ ماءٌ
وَرِزَقَّكَ لَيْسَ يَنُقصُهُ التَّأنِيْ
وَليْسَ يَزِيَد فِي الرَزْقَ العناءٌ
وَلا حُزنٌُ يَدوُمُ ولاَ سُرورُ
وَلاَ بَؤسُ عَلَيَكَ ولا رخاءٌ
************
تَمْوتُ الأَسَدُ فِيْ الَغَابَاتِ جُوُعًا
وَلحَمُ الَضَأْنِ َتأْكُلُهُ الكِلاَبُ
وَعَبْدٌ قَْد يَنَامُ علَى حَريَرٍ
وذُوُ نًسَبٍ مَفَارَشُه التُرَابُ
************
ولَرُبَّ نَازِلةٍ يَضيقُ لهَا الْفَتى
ذَرعًا وَعِنْدَ الله مِنْهَا المَخرجُ
ضاقَتْ فلماَ استْحكَمَتْ حَلقاتُها
فُرِجَتْ، َوكُنْتُ أظُنُّها لا تفرَجُ
************
صَبرًا جَميلًا ما أقربَ الفَرَجَا
مَنْ رَاقََبَ اللهَ الأمُورِ نَجا
مَنْ صَدقَ اللهَ لمِ يَنَلْهُ أذى
ومَن رجَاهُ يكونُ حيثُ رَجَا
************
مِحَنُ الزَّمانِِ كثيرةٌ لاَ تَنْقضِي
وَسُرورُه يَأتيكَ كَالأعْيادِ
مَلكَ الأكابر فََاسْتَرقَ رِقَابهََُم
وتَراهُ رِقًًّا في يدِ الأَوْغادِِ
************
إذا أَصْبحَتُ عِنْدِي قُوت يَوْمي
فَخَل الهَمِّ عنََي يَا سَعيدُ
ولا تخطر هموم غد ببالي
فإن غدا له رزق جديدُ
أسلم إن أراد الله أمرًا
فاترك ما أريد لما يريد ُ
وما لإرادتي وجهُ إذا
ما أراد اللهُ لي ما لا أريدُ
************
توكّلتُ في رزقي على الله خالقي
وأيقَنْتُ أن الله لا شك رَازقي
ومَا يَكُ مِنْ رزْقي فليْس يفوتُنِي
ولوْ كانَ في قاِع البحَارِ الغَوامِقِ
سَيأتي به الله العظيمُ بفَضْلهِ
ولو لم يكُنْ مني اللسَانُ بنَاطِقِ
ففي أيٍ شيْء تَذْهبُ النَفسُ حَسْرَةً
وقَدْ قَسّمَ الرّحْمَنُ رزْقَ الخَلائِقِ؟!
************
ألعبدُ حرّ إن قَنَعْ
والحُرٌ عبدٌ إنْ طمعْ
فاقنعْ ولا تقنَعْ فلا
شيء يشينُ سوَى الطمعْ
************
إنّ المُلوكَ بَلاءٌ حيثما حَلّوا
فَلا يَكُنْ لَكَ في أبْوابهمْ ظِلٌ
مَاذا تُؤمّلُ مِنْ قَوْمٍ إذَا غَضِبُوا
جَارُوا عَليْكَ وَ إنْ أرْضيتَهُمْ مَلّوا
فاسْتَغْنِ باللهِ عَنْ أبْوَابهمْ كَرَمًا
إنّ الوقُوفَ عَلَى أبْوَابهِم ذُلّ
أتى الله الشافعي حظًا من المواهب فقد كان قوي المدارك، وكان فصيح اللسان بليغ البيان قوي الجنان، واضح التعبير بين الإلقاء، فسماه ابن راهويه خطيب العلماء، وكان نافذ البصيرة قوي الفراسة، وكان جريئًا، أدلى بآرائه في جرأة ودون غضب في الجدال.
ومما قاله في حب العلماء والصالحين:
************
فقيهًا وصوفيًا فكن ليس واحدًا
فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاس، لم يذق قلبه تقى
وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلح
************
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأشجع في الوغى من كل ليث
وآل مهلب وبني يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي
حسبت الناس كلهم عبيدي
************
إن الفقيه هو الفقيه بفعله
ليس الفقيه بنطقه ومقاله
وكذا الرئيس هو بخلقه
ليس الرئيس بقومه ورجاله
وكذا الغني هو الغني بحاله
ليس الغني بملكه وبماله
************
ومنزلة السفيه من الفقيه
كمنزلة الفقيه من السفيه
فهذا زاهد في قرب هذا
وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشقاء على سفيه
تقطع في مخالفة الفقيه
************
تغمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
************
تعصي الإله وأنت تظهر
حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
تلقى الإمام الشافعي الفقه والحديث على شيوخ من مكة والمدينة واليمن والعراق، فاجتمع للشافعي مزيج فقهي محكم تلاقت فيه كل النزعات في انسجام وتعادل: مدرسة الحديث في المدينة، ومدرسة الرأي في العراق، إضافة إلى مدرسة ثالثة أخذت تعنى بفقه القرآن وتفسيره، وهي مدرسة مكة. وفي رحلاته درس المذاهب سماعًا أو كتابة، فلقد درس مذهب الإمام عمر الأوزاعي إمام بلاد الشام، ومذهب الليث بن سعد الذي روي عنه أنه قال عنه أنه أفقه من مالك، وفقه أهل العراق، ولم يقتصر الشافعي في دراسته على فقهاء الخلفاء، بل درس آراء الشيعة وغيرهم.
ومما قاله في حب وآداب العلم:
************
شَكَوتُ إِلَىَ وَكَيعَ سُوُءَ حِفْظِي
فَأَرْشَدَنْي إَلى تَرِك الَمعَاصِي
وأخبرني بأن العلَم نُورَ
ونُور الله لا يَهَدْيِ لعَاصَي
************
حَسْبِي بِعَلمِْي إِنْ نِفَع
مًَا الَذُلَّ إِلاَّ فِِي الَطمَع
مَن رَاقبَ الله رَجَع ما طَار طيرَ
وارتفَع إلاَّ كَمَا طََارَ وَقْع
************
تَعْلمَ فَلَيسَ المَرْء ُيوُلدَ عَالمًا
وَليَّس أَخُوَ عِلَم كَمَن هَُو جَاهَلُ
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغيرُ إذا التفتَ عليهِ الجحَافلُ
وإن صغير القوم إن كان عالمًا
كبيرُ إذا ردت إليهِ المحًافلُ
************
لا يُدْرِكُ الحِكْمَة مِنْ عُمُْره
يَكْدَحُ فِيَ مَصْلحةُ الأهلِ
ولا ينَالُ العلم إلا فتى
خال مِنَ الأفكَارِ والشغلِ
لو أن لقمان الحَكيم الذي
سَارِتْ به الرُكْبَان بالفضلِ
بلى بفقر وعيِال لمّا
فَرق بين التبِنَ والبَقلِ
************
بِقدرَ الكَد تَكتْسِبْ المَعَالْي
وَمَنْ طَلَبَ العُلّا سَهٍرَ الَليالي
ومن رام العلا مِنَ غير كد
أضَاعَ العمرُ فِي طَلَب المحالِ
تروم العزَّ ثَّم تنام ليلًا
يَغُوصَ الَبحُْرُ مِنْ طَلب الآلي
************
كلما أدبني الدهر
أرانَي نَقُص عقَليِ
وإذا ما ازدْدَتُ علمًا
زادنْي علمًا بجهليِ
************
أخي لن تنال العلم إلا بستة
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء، وحرص، واجتهاد، وبلغة
وصحبة أستاذ، وطول زمان
************
لَنْ يبَلغُ العَلَم جَميعًا أَحد
لاَ ولَوْ حَاوله ألفَ سَنه
إنما العِلمَ عميق بحُره
فَخذوا مِنْ كُل شيء أحَسنه
************
تصبر على مر الجفا من معلم
فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة
تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه
فكبر عليه أربعًا لوفاته
وذات الفتى -والله- بالعلم
والتقى إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
ولم جاء دور الشافعي كان هو الوسط الذي التقى فيه أهل الرأي وأهل الحديث معًا، فلم يأخذ بمسلك أهل الحديث في قبولهم لكل الأخبار ما لم يتم دليل على كذبها، ولم يسلك مسلك أهل الرأي في توسيع نطاق الرأي، بل ضبط قواعده، ووضع للقياس ضوابط وموازين، وكان الرأي يشمل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والعرف.
وقد كتب في علم الرجال، ومما قاله في ذلك:
وَمنَ هَابَ الرجالَ تهَيبوه
ومَنْ حَقر الرِجال فلنَ يَهابا
ومن قضتْ الرجَال له حقوقا
ومَنْ يعصِ الرجِال فما أصَابا
************
أحَبُ مِنْ الإخوانِ كُل مواتي
وكل غضيضا لطرف عن عثراتيِ
يوافقني في كل أمر أريده
ويحفظني حيا وبعد مماتيِ
فمنْ لي بهذا؟ ليَت أني أصبته
لقاسمته مالَي من الحسناتِ
تصَفحُت إخواني فكان أقلهم
على كثرة الإخَوان – أهل ثقاتيِ
************
تمًَّنى رِجال أن أموُت و إنْ أمُت
فَتِلكَ سبيلُ لستُ فيهَا بأوحدٍ
وما موت من قد مات قبلي بضائري
ولا عيش من قد عاشَ بعدي بمخلدٍ
لعل الذي يرجُو فنِائي ويدعي به
قبلَ موْتي أن يكون هو الردي
************
إنَّي صحَبت النَاسَ مالهم عدُد
وَكنُت أحَسب أنِّي قد مَلأْتُ يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم
كالدهر في الغدرِ لم يبقوا علَى أحدِ
إن غبت عنهم فشر الناسَ يشْتمني
وإن مرضت فخيرُ الناس لم يعدِ
وإن رأونيَ بخير ساءهم فرحْي
وإن رأوني بشر سرّهم نكديِ
************
كلُ العَداوة قد ترجَى مودَتْها
إلا عَداوة مِنَ عَاداك عن حَسدٍ
************
وليَس كثيرًا ألفَ خلٍ لواحدِ
وإن عدوًا واحدا لكثيرٌ
************
صَديق ليس ينفع يوم بؤس
قَريب من عدو في القياسِ
وما يبقَى الصَديق بكل عصر
ولا الإخُوان إلا للتآسيِ
عبرت الدهر ملتَمسًا بجُهدْي
أخا ثقة فألهاني التماسيِ
تنكرتُ البِلاَد ومِنْ علَيها
كأن أناسها ليسُو بناسِ
************
إذا المًرْء أفشى سِرِه بلسِانُه
ولاًُم عليَه غيِره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصَدر الذي يستودع السر أضيقٌ
************
قَنعْت بالقوتَ مَن زماَني
وصُنْت نفسي عن الهوان
خوفًا من الناس أن يقولوا
فضَّل فِلان على فلانِ
من كنت عن ماله غنيًا
فَلا أبَالي إذا جِفاِنيِ
ومَن رآني بعين نقص
رأيته بالتي رآنِي
ومن رآنْي بعين تم
رأيته كامل المعانيِ
قال فيه أحمد بن حنبل: الشافعي فيلسوف في اللغة واختلاف الناس والمعاني والفقه،
وقال: (يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة رجلًا يقيم لها أمر دينها)، فكان عمر بن عبدالعزيز على رأس المائة الأولى، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الثانية.
كتب في الأخلاق والمبادئ ومما قال:
************
يٌخاطبُني السفيهُ بكُل قٌبحِ
فأكرهُ أن أكُونَ لَهٌ مٌجِيبا
يَزِيدٌ سَفَاهةً فأزِيدُ حِلماَ
كَعُودِ زادهٌ الإحراقٌ طِيبًا
************
إذا نَطقَ السّفيهُ فلا تُجِبهُ
فخيرٌ من إجابته السكوُتُ
فإن كّلمتهُ فرّجْتَ عنهٌ
وإن خَلّيْتَهُ كمدًا يموتُ
************
إنّ للهِ عِبادًا فُطَنَا
تركُوا الدّنيا وخافُوا الفِتنَا
نظروا فيها فلمّا عَلِمُوا
أَنّها ليّست لحي وطنا
جعلُوها لجّةَ واتخذوا
صالح الأعمالَ فيها سُفُناَ
************
وعُين الرضا عن كل عيبِ كليلةٌ
ولكن عين السّخطِ تُبدِي المساويا
ولستُ بَهيّابً لمن لا يَهَابُني
ولستُ أرى للمرء ما لا يرى لِيا
فإن تدنُ مني، تدنُ منك مودّتي
وإن تنأ عني، تلقني عنك نائيًا
كلانا غنيّ عن أخيه حياته
ونحنُ إذا مُتنِا أشدّ تغانِيا
************
نعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنا عْيبٌ سِوَانَا
وَنهجُو ذَا الزَّمَانَ بغيرِ ذَنْبٍ
وَلوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانا
وَلَيْسَ الذِّئبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذئب
ويأكل بعضنا بعضًا عيانا
************
إذا رمت أن تحيا سليما من الأذى
ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطقن منك اللسان بسوأة
فكلك سوءات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايبًا فصنها
وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف، وسامح من اعتدى
وفارق ولكن بالتي هي أحسن
قدم الشافعي إلى بغداد ثانية سنة 195ه بعد أن ضؤل أمر المدينة إثر وفاة “مالك”، ورحل الشافعي إلى مصر عام 199ه، إلى أن توفاه الله في آخر رجب سنة 204ه عن عمر بلغ أربعة وخمسين عامًا.
كان رحمه الله عالمًا حكيمًا فقيها ويستنبط كثيرًا من الحِكَمْ والأحكام والقواعد الشرعية من أبياته الجميلة والتي كان يكتبها بسلاسة وسهولة.
ومما قال:
************
أَكْثرً النَاسٌ في النساءِ وقالوا
إن حبًُ النُساء جهدُ البَلاءِ
ليس حب النساء جهدًا ولكن
قٌربُ من لا تٌحبُ جهدُ البلاءِ
************
ثلاثٌ هُّن مُهلِكةُ الأنام
وداعيةُ الصّحيح إلى السّقامِ
دوامُ مُدامةٍ ودوامُ وطءٍ
وإدخالُ الطعامِ على الطعامِ
************
عِفّوا تعِفّ نِساؤكُم في المحرمِ
وتجنّبوا ما لا يليقُ بمسلمِ
إنّ الزنٌا دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهلِ بيتِك فاعلمِ
************
يا هاتِكا حُرَمَ الرّجالِ
وقاطعًا سُبُلَ المودّةِ عِشتَ غير مُكرّمِ
لو كُنت حُّرًًا من سُلالةِ مَاجدٍ
ما كنتَ هاتكًا لِحُرمةِ مسلِمِ
من يَزنِ يُزنَ به ولو بجِدارهِ
إن كنت ياهذا لبيبًا فافهمِ
---------------
dr.mahmoud @batterjee.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.