تطرح الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم خلال الشهور الأخيرة ومنها حرائق الغابات في روسيا وفيضانات باكستان ومن قبلهما بركان أيسلندا أسئلة عديدة تتمحور حول هل هذه الكوارث تعتبر من علامات الساعة؟ وهل هي علامة على غضب الله على عباده بسبب المعاصي التي يرتكبها البشر؟ أم أنها سنن إلهية في الكون لا علاقة لها بعلامات الساعة أو بارتكاب البشر للذنوب والمعاصي؟ وفي الوقت الذي يصر فيه بعض الأكاديميين على أن هذا الحوادث عبارة عن ظواهر كونية لها تفسيراتها العلمية، وأنه لا يجوز تناولها بهذه الصورة المخلة، ولهم في تبرير وجهة نظرهم أسانيد وحجج قد تبدو وجيهة وفي مقدمتها أن هناك أماكن في العالم أكثر فساداً فلماذا لم تحدث فيها هذه الكوارث إن كانت عقاباً من الله؟ وبالمقابل يؤكد عددٌ من المختصين في الدراسات الشرعية والإعجاز العلمي أن ما يحدث في هذا الكون من مظاهر طبيعية وكوارث كونية إنما كان لدلالات شرعية أرادها الله سبحانه وتعالى تخويفاً وإنذاراً منه لعباده بعد أن حادوا عن النهج الذي ارتضاه لهم خالقهم بظهور فسادهم وعبثهم في البر والبحر والجو. ولإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية استشرفت الرسالة آراء بعض العلماء والفقهاء فأفادوا بما تجدونه بين السطور التالية: يبتدر رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مؤكداً أن الإسلام دعا إلى المحافظة على المقدرات الكونية وعدم الإفساد فيها بمخالفة أوامر الله وعصيانه فيما أمر سواء الفساد الخلقي أو الفساد في اضطراب أمور المرء واختلال نظام الحياة سواء في البر أو في البحر أو في الماء أو في الهواء فبأعمال الإنسان فسدت البيئية وفسد البر وفسد البحر وكذلك الجو ومفهوم الفساد والإفساد لا ينحصر فقط في القضايا القيمية أو المعنوية وإنما أيضا بقضايا مثل قضايا البيئة والكونية، فما هي تحقيق لقوله تعالى: “ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”. انتفاء العلاقة وبدوره ينفي الداعية الإسلامي الدكتور سعود الفنيسان وجود علاقة بين الكوارث الطبيعية وعلامات الساعة قائلاً: لا تعتبر الكوارث الطبيعية من علامات الساعة وليس بها علاقة، لأن علامات الساعة تشمل علامات كبرى وصغرى، فإذا قيل أنها من العلامات الصغرى فإن كثيرا من الأمور وقعت من العلامات الصغرى التي تظهر يوماً بعد يوم، لكن حينما نطلق لفظ علامات الساعة فإنه يُراد بها العلامات الكبرى التي ليس منها هذه الكوارث ونحوها، إنما هذه الأمور ابتلاء وامتحان من الله عز وجل على عباده فإن كانوا مؤمنين يعظم لهم الأجر وإن كانوا كافرين فهي عقوبة معجلة لهم. علم الغيب أكد الشيخ صالح السدلان أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن هذه الكوارث الطبيعية من عند الله عز وجل وهو أعلم بها، وهي دليل قوته وعظمته ولا يمكن القول إنها عقوبة لشعوب محددة، ولكن ورد في صحيح البخاري حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل. من جانبه يقول الخبير في المجمع الفقهي الإسلامي الدولي الدكتور محمد بن يحيى النجيمي أن الزلازل والبراكين والفيضانات قد تكون نوع من الابتلاء يبتلي به المولى عز وجل المسلم، فيصبر ويحتسب ويتفرغ إلى الله عز وجل أن يحفظه وأن ينال أجر ذلك وأن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يتدبر في قوته وعظمته وقد تكون عقوبة للكافر وقد تجعله يفكر في الله عز وجل ويتدبر أن للكون خالق. ورفض النجيمي الأصوات التي ترتفع عند حلول الزلازل في بلد غير مسلم وتقول إنه ابتلاء على كفرهم وقال: علم هذه الأمور عند الله، فهي قد تقع في بلاد المسلمين، بل في خير الأماكن لذلك لا نجزم بقول محدد، ولا نؤكد هذا القول. ولكن ما ورد بشأن هذه الكوارث الطبيعية وزلازل وفيضانات وسيول وبراكين قد تؤدي إلى هلاك مئات أو آلاف من البشر أن هذه الأمور من عند الله عز وجل وقد تكون ابتلاء وعقوبة، وعلى المسلم أن يرجع إلى الله ويدعو برفع هذا الكرب. عمومية الإنذار أما الشيخ حسان موسى رئيس الإفتاء في السويد فقد رفض من يقولون إن الزلازل والبراكين والكوارث تحل على غير المسلمين لأنهم كفار، وقال: لقد رأينا هذه الكوارث في العديد من البلدان الإسلامية ووقع القتلى والجرحى بل أزيلت قرى ومدن بالكامل، فهذه الكوارث إما أنها إنذار للناس جميعاً من رب العالمين أو أنها ابتلاء للمسلمين من الله عز وجل ودعوة إلى المراجعة والتوبة إلى الله أو أنها عقوبة منها سبحانه وتعالى وقد يكون ذلك للمسلم أو الكافر. سنن كونية يقول الشيخ علي عبد الباقي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إنه من المقرر شرعا أن الابتلاءات التي تحدث في كوكب الأرض من جدب وزلازل وبراكين وسيول وغيرها ليست انتقاماً من الله عز وجل بعباده، ولكن هي سنن كونية من آيات الله عز وجل، تجعل الناس يلجأون إليه ويتضرعون بالدعاء والاستغفار لكشف الضر الذي أصابهم, كما أن هذه الابتلاءات لم يخل منها عصر أو مكان, ففي عهد الرسل والأنبياء حدثت بعض الكوارث, وفي صدر الإسلام حدث زلزال هز جبل أحد, كما قل المطر في أحيان كثيرة, وفي الشام حدث وباء الطاعون وكانت تحدث شبه مجاعات وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يطلب من أصحابه الدعاء والتضرع إلي الله والاستغفار. ويضيف عبد الباقي أن كثرة الزلازل والكوارث الطبيعية يمكن اعتبارها من علامات الساعة الصغرى، وقال: يبقى الإنسان مهما تقدّمت به الدرجات العلمية عاجزاً عن دفع الكوارث الطبيعية، كما يبقى عاجزاً عن إدراك سر الفلك المشحون وائتلاف الكواكب وحروبها، كما أن الإسلام يدعونا لأخذ العبرة والعظة من تلك الحوادث، فالزلازل مثلاً علامة من علامات الساعة حتى يتذكر الناس قدرة الله عز وجل وأنه فعال لما يريد ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن تلك الآيات الكونية لتذكير الناس حتى يمتنعوا عن ارتكاب المعاصي والفواحش وهذا قول الله تعالي “وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً”. وبدوره يؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن كل ما يحدث في الكون مقدر منذ خلق الله السموات والأرض, وما يحدث من ظواهر طبيعية يحمل حكمة ويدل علي قدرة من قدرات الله عز وجل, وقال: يجب أن نتحلي بالصبر والتسليم لأمر الله عز وجل, فالسيول علي سبيل المثال تعد فضلاً ومنحة من الله لأن الماء من نعم الله علي الناس وهذا قول الله تعالي (وجعلنا من الماء كل شيء حي), والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كان يستقبل المطر بالدعاء وكان يشرب منه ويقول هذا ماء قريب عهد بالله, لكن علينا أن نستفيد من السيول وأن نستغلها الاستغلال السليم وأن نستعد لها الاستعداد الجيد, وعلينا أن ندرك أن تلك الابتلاءات قد تكون لرفع درجات المؤمنين وتكفيراً للذنوب, لكن لا يجوز الحكم علي هذه الكوارث بأنها نتيجة للذنوب والمعاصي أو علامة من علامات الساعة الصغرى, لأنها في الأساس سنة من سنن الله عز وجل في الكون الفسيح، وتحدث في الغالب بفعل التغيرات الطبيعية والجغرافية التي تحدث للكرة الأرضية من وقت لآخر، وقد تكون هذه الكوارث الطبيعية خيراً ومنحة للمؤمنين المتقين وقد تكون عقوبة للعاصين والمذنبين, والرسول صلي الله عليه وسلم قال: “ما يصيب المسلم من نصب ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه”, وعلينا أن نتذكر حصار المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وكان فيهم أشرف الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, كذلك في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حل القحط والجوع بأهل المدينة وهو ما سمي بعام الرمادة وقابلوا كل هذا بالصبر الجميل. ربط غير صحيح وعلى ذات السياق تسير الدكتورة آمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر حيث تؤكد إن الكوارث الطبيعية من سيول وزلازل وبراكين وأوبئة ليس بالضرورة أن تكون علامة على غضب الله، وقالت: بعض الناس يربطون هذه المظاهر بأنها إحدى علامات الساعة الصغرى أو أنها غضب من الله عز وجل ويتذكرون ما ورد في القرآن الكريم من عقاب لأقوام كذبوا الرسل والأنبياء وهذا ربط غير صحيح, لأن هذه المعجزات كانت منحاً مادية من الله عز وجل للرسل والأنبياء لشد أزرهم أمام عناد أقوامهم, كما أن هذا الربط غير صحيح لأن زمن المعجزات قد انتهي بالرسالة الخاتمة، أما العصر الحالي فهو عصر العلم والحكمة لأن العلماء ورثة الأنبياء، ولذلك لابد أن نطبق آراء العلماء والمتخصصين الذين يقدمون التحليلات العلمية للظواهر الطبيعية، وأن نقوم بتنفيذ ما يرونه من خطط واحتياطات لتفادي تلك الكوارث أو لتقليل أضرارها, كما يجب أن ننظر للتفسيرات العلمية الصحيحة بعيداً عن التفسيرات الخاطئة التي تنتشر بين العامة ولابد أن يتصدي العلماء لهذه الدعاوى الخاطئة. دلالات شرعية من جانبه أكد الأستاذ بجامعة أم القرى الدكتور أحمد محمد بناني أن هذه الظواهر الكونية بلا شك لها دلالات شرعية من العذاب أو العقوبة أو الرحمة ولكننا لا نجزم بشيء من ذلك، وقال: الله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون يفعل ما يشاء فيه ويختار ومن حكمته سبحانه أنه يحرك الأجرام والكواكب والرياح والفضاء والأرض والسماء بما يحقق خوف العباد وإشعارهم بحاجتهم إليه وضرورة اللجوء إليه عز وجل عز وجل، وأن الإنسان لا يعلم ما ينفعه ولا يضره مما يوجب عليه التوجه إليه بالخوف والخضوع بالعبادة التي خلقهم من اجلها حيث قال سبحانه: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. وحين توهم بعض الناس أن الشمس والقمر قد يخسفان لموت بعض العظماء أو ولادتهم أنكر عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك وقال لهم: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده فلا تخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة” أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومضى بناني قائلاً: لذلك فعلى العباد أن يتوجهوا حين وقوع الكوارث الطبيعية من فيضانات أو سيول أو ارتفاع في درجة الحرارة أو براكين أو زلازل إلى الله وحده وفي حال تلك الكوارث تكون الخشية والخوف أعظم مما كانت عليه من قبل لأن خالقهم عز وجل الذي بيده ملكوت كل شيء. ويعود بناني ثانية ليؤكد أن لتلك الكوارث دلالات شرعية لا يعلمها إلا خالقها الذي أراد وجودها، وقال: قد يكون في بعضها عذاب وعقاب وقد يكون فيها رحمة ولطف، وما حدث في القرون الغابرة مما أخبرنا به الله عز وجل من عذاب الأمم السابقة مما أخبرنا به الله من ظواهر كونية هي بلا شك عذاب لهم وعقوبة بما ارتكبوه وخالفوا فيه أمر الله وأما ما يحدث اليوم من هذا الكوارث مما ليس لدينا فيه علم ولا إخبار من الله تفيدنا فيه بعقوبة أو عذاب أو رحمة ولطف والله أعلم بذلك.
-------------------------------
الزغيبي: السبب في هذا التخبط سوء الفهم وغياب الطرح الفقهي المتوازن ويرجع الباحث الشرعي منصور الزغيبي سبب الخلط بين علامات الساعة والظواهر الطبيعية إلى سوء الفهم، ويقول: العلامات الصغرى والكبرى التي يعرف بها قرب الساعة من المسائل الهامة بالنسبة للمسلم المعاصر, وهي من المسائل التي تحتاج إلى تفصيل وبيان, من أجل معالجة الخلط بين علامات الساعة والظواهر الطبيعة، ومن أسباب الخلط بينهما سوء الفهم, وغياب الطرح الفقهي المتوازن الذي يعري الآراء الهشة والضعيفة التي نبتت وتغذت على الحس والظن, والخلط الحاصل في المسألة أساسه عدم الفصل بين العلامات الثابتة شرعاً بطرق صحيحة, وبين الظواهر الطبيعية التي تحدث من الطبيعة نفسها أو من تأثير الإنسان, ومثال ذلك الاحتباس الحراري الذي نتج من سوء تعامل الإنسان مع البيئة وإهماله لها! وأضاف الزغيبي: على المسلم الالتزام والاقتصار على النصوص الصريحة الصحيحة وذلك يكون من خلال فهم العلماء الذين يملكون أدوات الاجتهاد المعاصرة, ولهم اطلاع على العلوم الأخرى المرتبطة بالظواهر الطبيعية، وعلى كبار الفقهاء المعاصرين المستنيرين وعلماء الفيزياء والجيولوجيا والجغرافيا عقد اجتماعات من أجل خلق رؤية موضوعية وآراء ناضجة, فالأمر أصبح يهم العالم أجمع وليس مقتصراً على المجتمعات المسلمة. النجار: ميكانيكية حدوثها لا تتعارض مع كونها علامة صغرى للساعة ومن جانبه يقول الدكتور زغلول النجار أستاذ الجيولوجيا وعلوم الأرض أن حدوث الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والسيول يجب أن يُفهم على أنه ليس بمعزل عن التوجيهات الإلهية في الكون، إذ أن هذه الكوارث تعد جنوداً لله، تذكر الغافلين والمقصرين في أداء واجباتهم تجاه خالقهم سبحانه وتعالى، أو قد تكون عقاباً لبعض العصاة منذ قديم الأزل، فما حدث لعاد وثمود كان عقاباً محدداً وفي أزمنة معينة لقوم كفروا بالله تعالى وتمادوا في غيهم وطغيانهم، فجاءهم عقاب الله سبحانه وتعالى على صورة كارثة من تلك الكوارث. وعندما أقسم القرآن ب “الأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ “ لم يعرف الناس في البداية ماهية هذا الصدع، ثم اكتشف العلماء أن تلك الصدوع هي التي تفصل الصفائح المكونة للقشرة الأرضية، وأنها مهولة في أحجامها وأطوالها، وأن باطن الأرض المشتعل والمكون من الصخور المنصهرة يتنفس من خلالها، ولولا وجود تلك الصدوع لانفجرت الطاقة المحبوسة في باطن الأرض على مر ألوف وملايين السنين ولدُمِّرَ كوكب الأرض وتحول إلى شظايا متناثرة تسبح في الفضاء، إن النشاط الزلزالي بصفة عامة في العالم هو من علامات الساعة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رد طبيعي لمبارزة الناس لله بالمعاصي، وهناك محاولات كثيرة من أجل تحقيق إمكانية التنبؤ بحدوث الزلزال، منها ملاحظة مستويات المياه في الآبار وفي البحيرات الداخلية، وملاحظة أسطح الطبقات الظاهرة على سطح الأرض لإدراك أي تحرّك في درجات ميولها، ورصد أي غازات غير عادية مثل غاز الراديوم الذي يمكن أن يشير تصاعده من المناجم والمحاجر إلى بدء حدوث زلزال، يمكن كذلك رصد حركة الحيوانات التي تستشعر مقدم الزلزال قبل أن يدركه الإنسان بساعات عديدة، وهذه بعض الوسائل التي تستخدم الآن في اليابان وغرب أمريكا وغيرها من المناطق المعرّضة لمثل هذه الكوارث الطبيعية.
