في العام الماضي أسدل الستار عن معرض الكتاب الدولي بالرياض، وقد حمل في طياته الكثير من الأحداث الثقافية وغير الثقافية، وكان محطة مهمة في مشوار وزارة الثقافة والإعلام، واليوم تتكرر تجربة إقامة معرض الكتاب الدولي الذي فتح أبوابه على مصراعيها مساء أمس، مستمرًا لمدة عشرة أيام قادمة تشهد المملكة خلالها حدثًا له دور ملموس في حراكنا الثقافي الوطني. في العام الماضي من عمر معرض الكتاب الدولي بالرياض دارت على هامش المعرض وتحديدًا في الصالة التي شهدت الفعاليات الثقافية نقاشات وأحاديث واختلافات عدة حول عدد من الموضوعات، وكل هذا يبدو بشكل حضاري ومشهد صحي يعكس ما وصل إليه حراكنا الثقافي في المملكة، ولكن حينما تتحول صالة الفعاليات هذه إلى مكان أشبه بالمحكمة تنطلق داخل أروقتها محاكمة لأفكار الآخرين ومصادرة لآرائهم، فهنا تتحول الصورة لهذا المشهد الثقافي الذي يحل في كل عام مرة ويستضيف نخبة من مثقفي العالم يتحوّل من مشهد مبهج في منظره إلى مشهد قاتم لونه، وهو ما لا نرجو أن يتكرر في هذا العام، وتصبح السمة الأبرز لمعرضنا الوحيد الذي ننتظره من عام إلى آخر هذه المشاهد الدرامية والأحداث الخارجة عن نطاق النقاش والحوار المعقول، وعند ذلك لا تؤتي هذه التجربة ثمارها وتتحوّل إلى وبال وخسران على مشهدنا الثقافي. وفي هذا العام تشارك في معرض الكتاب الدولي أكثر من ستمئة دار نشر من سبع وعشرين دولة. فيما وعدت وزارة الثقافة والإعلام بتقديم العديد من الندوات الفكرية والحوارات الثقافية من خلال البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب. حيث أشار المشرف العام إلى أن البرنامج الثقافي يتضمن فعاليات ومناشط متعددة، وسوف تقدم السنغال (ضيف شرف المعرض) مجموعة من الندوات والمحاضرات المعمقة، ومنها ندوة عن مساهمة السنغال في الحضارة العربية والإسلامية، والتنوع الثقافي في السنغال، والفنون الشعبية السنغالية، والأدب العربي السنغالي في السنغال وسوف يعرض في الجناح المخصص للسنغال كتب ومخطوطات مكتوبة باللغة العربية، وصور فوتوغرافية لمؤلفين سنغاليين، ووثائق ترويجية لناشرين سنغاليين. تنوّع البرنامج الثقافي كما روعي أن يكون البرنامج الثقافي لهذا العام متنوّعًا، ويتضمن ندوة عن المنتديات الثقافية في المملكة، وإسهاماتها المتميزة في دعم مسيرة التنمية الثقافية السعودية، وندوة الثقافة العلمية ودورها في التنمية الوطنية، وأخرى عن الأطباء الأدباء والأدب في حياتهم، وندوة عن الكتاب السعودي بين المؤلف والناشر والقارئ، وأخرى عن الكتاب المترجم وقضاياه. ويتضمن البرنامج الثقافي أمسية عن الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية ودوره في تعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح. ويخصص المعرض أمسية لحوار موسع بين معالي وزير الثقافة والإعلام والمثقفين والمثقفات في المملكة العربية السعودية. إن معارض الكتب في أي مكان في العالم تمثل دورًا ثقافيًّا، وتثقيفيًّا هامًّا في حياة الشعوب والأمم في العصر الحديث، وهي فكرة تستحق الإشادة والعناية، وخاصة عندما نشهد معارض كتب عالمية كمعرض فرانكفورت، وباريس، ولندن، والقاهرة، وموسكو، وطوكيو... كلها تمثل تظاهرات ثقافية هامة في كل عام، والأمل أن يكون معرض الرياض الدولي للكتاب واحدًا من أشهر المعارض العالمية بما يقدم من خلاله من فعاليات ثقافية لا تهم الشأن المحلي فقط، وإنما تهم الشأن العربي والعالمي، ولا يقتصر على ضيافة مثقفيه من السعودية وهو الواجب؛ بل أن يوسع نطاق دعواته لكل المثقفين العرب والعالميين. ويظل الكتاب الحدث الأبرز في معرض الكتاب بعيدًا عن الفعاليات الثقافية المصاحبة، أو الأحداث المفتعلة لتشويه هذه التظاهرة الثقافية، وعليه يدور الحديث وتفتح القضايا، ومن أهمها أن يقدم معرض الرياض هذا الكتاب كما هو الكتاب بعيدًا عن التصنيفات والتوصيات والعراقيل والخطوط الوهمية التي يروج لها البعض، وأن تحضر دور النشر المشاركة وليس لديها ما تبيعه من تحت الطاولة، أو خارج سور المعرض، بل تترك لها مساحة من الحرية تدفع من خلالها بمنتوجها الثقافي والفكري لهذا المثقف السعودي المتلهف لكل جديد، والقاطع لمئات الكيلومترات رغبة في أن يجد ما يبهج عقله، وأن تكون الأيام التي اقتطعها للحضور إلى أرض المعرض تستحق أن تكون علامة فارقة في تاريخه، وحياته. أمنيات المثقفين إن أمنيات جميع المثقفين في كل عام ربما تتكرر في بعضها وتتوافق أمنيات كثير من المثقفين حول عدد من الأمور حينما يحضر معرض الكتاب وتتمثل في السماح لأكبر كمية ممكنة من العناوين الموجودة في رفوف الدور والمكتبات المشاركة بالظهور، والابتعاد عن ممارسة الرقابة التي ربما تصل إلى حد الاستخفاف بعقول الزائرين للمعرض، والمبنية في الأساس على أهواء شخصية بأن يسمح لكتاب بأن يعرض بينما هذا لا يعرض وليس بينهما فرق إلاّ في العنوان، كما أنه لابد أن تكون أيام معرض الكتاب مثل المنطقة الحرة فهي محدودة في زمانها ومكانها ونسبة قليلة جدًّا هم مَن يتوجهون للمعرض إذا ما قورن بعدد السكان الكلي. وأمر آخر هو لابد من وجود الكتاب الأجنبي وأن توجّه دعوات لدور النشر الأجنبية المهمة لعرض كتبها ومنحها كافة التسهيلات. إيجاد جناح للكتاب المستعمل، فهذه الفكرة قد طبقت في بعض معارض الكتاب العالمية، وهي فرصة مواتية لبيع وتبادل الكتب المستعملة، سواء كانت كتبًا نادرة أو أرخص سعرًا. وقد وجد في معرض القاهرة الدولي في جهة الكتب المستعملة في إحدى السنوات، كتبًا وصحفًا قديمة تُباع بالكيلو!. وهناك الكثير والكثير من الأفكار والأمنيات التي ترافقنا كلّما أطل معرض للكتاب برأسه في بلادنا كالاهتمام بالنشر الإلكتروني، وتنظيم أفضل لأماكن دور النشر، ومحاولة تقليص الكتب المكررة بقدر المستطاع، ورصد فعاليات ثقافية منبرية على هامش المعرض يقدم فيها أفضل المنتج الثقافي.