بعض الخلافات الأسرية لا يكون لها حل سوى الطلاق، وأحيانًا يكون في الانفصال خير لطرفي العلاقة حتى ولو كان فيه بعض الخسارة، لكن في الغالب يكون الأبناء هم الخاسر الأكبر، وتزيد أخطاء ما بعد الانفصال من معاناة الأبناء، إلا في حال تفهم الأبوين مسؤوليتهما وتعاملا وفقها مع الأبناء لتوفير الحماية والأمان العاطفي والنفسي الذي يحتاجه الأبناء في هذه المرحلة الحساسة. الأكاديمية الأمريكية للصحة النفسية للأطفال والمراهقين، أعدت دراسة حول آثار الطلاق على الأبناء، توصلت إلى أن "الطلاق قد يتسبب في معاناة الأبناء مع كثير من الأعراض العضوية والنفسية التي يرتبط حجمها وأثرها بشكل كبير بالطريقة التي يتم الانفصال بها، ومدى مصارحتهم بالعزم عليه قبل إتمامه بوقت كاف، والتأكيد على أنهم ليسوا السبب فيه ولا يتحملون مسؤوليته والتشديد على أن الطلاق لن يؤثر على مقدار الحب الذي سينعمون به من كلا الأبوين". وأوضحت الدراسة أن "الأطفال يشعرون بالخوف والارتباك نتيجة إحساسهم بأن الطلاق يهدد أمنهم، وقد يعتقدون خطأً أنهم السبب وراءه، إضافة إلى ذلك، قد يشعر العديد منهم أن عبء إعادة العلاقة بين الأبوين يقع على عاتقهم، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم". أخطاء وأخطار ويتسبب التعامل الخاطئ في هذه المرحلة بمشاكل كبيرة للأبناء قد تصل حد الانحراف الأخلاقي وانتهاج العنف والعصبية وإدمان المواد المخدرة وسوء علاقة الأبناء بالوالدين ودخول بعض المراهقين في علاقات غير مشروعة، وقد وصلت ببعض الأبناء إلى حد محاولة الانتحار. يقول الدكتور علي الزهراني الأستاذ المشارك والاستشاري النفسي: إن نسب الطلاق في المجتمع العربي وكذا السعودي في تصاعد مستمر، لأسباب كثيرة، والضحية الأولى لهذه النهاية الحتمية، هم الأطفال، لافتًا إلى أن مسألة الطلاق قد تبعث برسائل خاطئة وسوء فهم لدى الأطفال إذا لم يَذكر الآباء لأبنائهم تفاصيل ما يجري حولهم، وما هو مصيرهم إذا ما وقع هذا القدر المحتوم. ويضيف الزهراني: إن تصدع الأسرة يعتبر سببًا هامًّا في انحراف الأحداث وفي السلوك الإجرامي عامة، وكذا العديد من المشاكل، لعل من أهمها سوء التكيف والتوافق، والمرض النفسي الذي يتعرض له الأطفال في حياتهم أو في تفاعلهم مع أعضاء المجتمع الآخرين. ويشير إلى أن الأسر المفككة تورث أبناءها الإصابة بالعقد النفسية والمشاكل العصبية، ومن أهم آثار هذا التفكك؛ فقدان الأمن النفسي، وعدم الاكتفاء المادي، فلا يجد الطفل من يلبي طلباته واحتياجاته، ومن ثم تنشأ لديه صراعات داخلية فيحمل دوافع عدوانية تجاه الأبوين والمجتمع، ويصاب بالإحباط بسبب المقارنة الدائمة بين أسرته وحياة باقي الأطفال. تهيئة ورعاية وإذا تحول الطلاق إلى قدر محتوم لا مفر منه، فتكون المسؤولية على الأبوين وعائلتيهما كبيرة جدًا في تهيئة الأبناء لهذه الخطوة وأن يدركوا تمامًا ما يحدث ولا يكون مفاجئًا لهم، مع عدم تحويلهم إلى أطراف في هذه الخلافات، وطمأنتهم للمستقبل واستمرار حب كل الأطراف لهم وتلبية احتياجاتهم المادية والعاطفية. ويُفضل أن يتم اتفاق كافة الأطراف على التفاصيل الدقيقة لطريقة العلاقة بعد الانفصال، في اتفاقية مكتوبة، تحدد مع من سيعيش الطفل، وكيفية تحقيق الرؤية للطرف الآخر، والسماح له بتوفير هدايا وألعاب للأولاد وقبولها دون التقليل من شأنها أو ذمها أمام الأولاد. كما يجب على الطرفين الالتزام بأساليب ومبادئ التعامل ذات الأثر الإيجابي على الصحة النفسية والاستقرار الاجتماعي للأولاد عند التعامل مع بعضهما البعض أو أمام الأولاد، باحترام تام وعدم تجاوز حدود اللباقة، وعدم التحدث بشكل يسيء للطرف الآخر، وتجنب المناقشات الحادة والانفعال أمام الطرف الآخر أو أمام الأولاد. وعلى الوالدين مراعاة مصلحة الأولاد، بأن يضعها الطرفان أساسًا للتعامل فيما بينهما وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بهم، وعدم جعل الأولاد أو مصلحتهم حسب وجهات النظر الشخصية وسيلة للوصول لأهداف وأغراض شخصية كاستفزاز الطرف الآخر أو غير ذلك. وتقع على الوالدين المنفصلين مسؤولية الالتزام بتنشئة الأولاد التنشئة السليمة وتهيئتهم لحياة اجتماعية طبيعية في ظل الانفصال، ضمن أسرة كل منهما وإشراكهم في المناسبات والفعاليات الأسرية والمجتمعية وتنمية مواهبهم. وعلى الوالدين تعزيز الشفافية بينهما لمصلحة أبنائهما بإتاحة المعلومات للطرف الآخر والمتعلقة بالأولاد والمؤثرة في اتخاذ القرارات الخاصة بتربيتهم أو رعايتهم أو المؤثرة في سلامتهم وصحتهم وغير ذلك، بالإضافة إلى تزويد الأبناء أنفسهم بالمعلومات الصحيحة والتهيئة النفسية عند تنفيذ أحكام الرؤية والزيارة أو النقل النهائي للحضانة لدى الطرف الآخر وغيرها. مسؤولية وعاطفة ومن الواجب على الوالدين المنفصلين أن يكونا على قدر المسؤولية من خلال تقديم تفاصيل الرعاية الوالدية للأولاد خلال فترة الإقامة أو الرؤية لدى كل منهما، وتتضمن تقديم العناية وضمان سلامتهم وتربيتهم بالطرق المتفق عليها وعلى تلبية احتياجاتهم من الغذاء والكساء والنظافة، وتوفير الأمن العاطفي والمحبة والخوف على مصلحتهم وضمان عدم تعرضهم لأي نوع من أنواع الإساءة والعنف ومتابعة شؤونهم المدرسية والحياتية وغيرها. ولما تمثله الإساءة وانتهاكات الكرامة من مشكلة كبيرة تترك آثارًا نفسية عميقة، فيجب على الطرفين النظر لها باهتمام بالغ بصون وحفظ حقوق الطرف الآخر فيما يتعلق بالأولاد والتعامل معهم وعدم تجاوزها أو انتهاكها، وصون كرامة الطرف الآخر وكرامة الأولاد وعدم تعريضهم للإهانة أو الإذلال، وضمان حماية وسلامة الأبناء أينما كانوا وعدم التشكيك في ذلك عندما يكون مع الطرف الآخر. ويقع على الوالدين مسؤولية كبيرة للمحافظة على الصورة الذهنية الإيجابية عنهما لدى الأبناء بغض النظر عن أي خلافات وقعت بينهما، لسلامة الأبناء النفسية تجاه الطرف الآخر بتبرير أخطائه ونقل المعلومات الإيجابية عنه فقط، حيث إن غير ذلك سيؤثر على استقرار الأولاد نفسيًّا، كما يجب عليهما إنشاء بيئة إيجابية في تنفيذ أحكام الرؤية والزيارة، وعدم التأثير عليهم بالمشاكل التي تؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة المدى. كل هذه الخطوات وإن كانت لن تعيد ما انقطع بين الأبوين، لكن الأهم أنها ستضمن التنشئة السليمة للأبناء، والحفاظ على المجتمع من الآثار الكبيرة التي تُسببها زيادة نسبة الطلاق مع الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها الجميع عند الانفصال وبعده.