إنشاء أول مصنع للصفيح المقصدر في السعودية    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان الجديد    إطلاق رخصة العمل التطوعي وتدشين مؤسسة مرصد العمل غير الربحي لخدمة ضيوف الرحمن    انطلاق مهرجان القراءة الحرة بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    أمير القصيم يشيد بجهود الأمانة ويثني على تميزها في التقرير السنوي لعام 2024    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    الكويت تكتب فصلاً ذهبياً في تاريخ الكشافة: استضافة عالمية مستحقة لمؤتمر 2027    برنامج الإقراء لتعليم القرآن    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد استكمال استعدادات الرئاسة العامة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تنفذ عددًا من البرامج التدريبية لتطوير مهارات منسوبيها من مقدمي الخدمات لضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    "هيئة الأدب" تختتم مشاركتها في معرض "الدوحة الدولي للكتاب"    استراتيجية استثمارية طموحة لأمانة حائل في منتدى الاستثمار 2025    نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    نعمل على إيجاد الحلول والمبادرات التي تُقلل من مشكلة الأطفال المتسولين    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    برنامج التحول الوطني يُطلق تقرير إنجازاته حتى نهاية عام 2024    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    نحو تحرير السوق العقاري    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزاوي : ياشباب وفتيات الإسلام اعتزوا بدينكم وتعاليمه القائمة على الوسطية والاعتدال
نشر في المدينة يوم 16 - 02 - 2018

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي, المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ), وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباَ كما بدأ، فطوبى للغرباء )، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الذين يَصلُحون إذا فسد الناس» وفي رواية أخرى، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله قال // ناس صالحون قليل في ناسِ سوء كثير، ومن يعصيهم أكثرُ ممن يطيعهم //, وقد تحقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم تحققا بينا لا خفاء فيه؛ فقد بدأ الإسلام غريبا ثم ظهر وعلا وعز أهله ودخل الناس في دين الله أفواجا، ثم عادت غربته مرة أخرى واشتدت وتجلت مظاهرها بوضوح .
وأوضح أن هذه الغربة ازدادت شيئاً فشيئاً بسبب دخول فتنة الشبهات والشهوات على الناس، حتى استحكمت مكيدةُ الشيطان وأطاعه أكثر الخلق فعظمت الفتن والابتلاءات وتغيرت الأحوال والتبست الأمور، ولكن مع هذا فطريق الخلاص وسبيل النجاة من الفتن معلوم .
وبين الشيخ غزاوي, أن هناك حكمةً عظيمةً لابتلاء المؤمنين بالغربة ألا وهي تمييز الخبيث من الطيب ومعرفة الصادق من الكاذب وتبيين المؤمن من المنافق، وبذلك يتساقط الأدعياء وأهل الباطل ويثبت أهل الحق، مستشهدا بقوله تعلى / مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ / , وقال : ذلك أن الغرباء حياتُهم طيبة وهم كرماء على الله ينالون تلك البشارة العظيمة التي بشر بها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: (فطوبى للغرباء) فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: (فطوبى للغرباء) وطوبى من الطيب؛ قال تعالى : (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس".
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أنه عندما يقل الناصر ويعز المعين، يأتي دور الغرباءِ المصلحين الذين يقومون بأمر الله ولا يجدون مؤيدا ولا ظهيرا من الناس بل صدودا ومعاداة ، فإنهم والحالة هذه يعظم أجرهم وترتفع عند الله منزلتهم وأن لهؤلاء الغرباء صفات خاصة تدل على تميزهم وخيريتهم وثباتهم على مبدئهم وعلو همتهم وقوة إرادتهم فمن صفاتهم التي تستفاد من الأحاديث الواردة في الغربة تمسكهم بالسنة عند رغبة الناس عنها وزهدهم فيها ، وفي المقابل ترْكُ ما أحدثه الناس من محدثات، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً فلغربتهم بيْن الخلق يعُدُّونهم أهلَ شذوذ وبدعة لكن يكفيهم شرفا تمسكهُم بدين الله وثباتُهم ومضاعفة أجرهم .
وبين فضيلته, أن من صفاتهم التي صرحت بها الأحاديث أنهم يُصلحون أنفسهم عند فساد الناس، ويَلزمون الحقَّ ويعَضُّون عليه بالنواجذ، ويستقيمون على طاعة الله ودينه، كما أنهم كذلك يُصلحون ما أفسد الناس من السنة والدين وينهون عن الفساد في الأرض، وهي صفة الغرباء في كل زمان ومكان، ولا يمنعهم عدم قبول الناس للحق من القيام بدورهم قال أويس القرَني رحمه الله / إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً، والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ، ويجدون على ذلك من الفساق أعواناً، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وايم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق /.
وأوضح الشيخ غزاوي أن أوصاف الغرباء المذكورة في الأحاديث تدلُّنا على أنهم ليسوا أناسا صالحين فحسب بل هم مصلحون أهل بصيرة وغَيْرة ودعوة وإصلاح، وليسوا ممن عاش لنفسه واهتم بخاصته وانعزل عن مخالطة الناس بسبب ما أصابه من اليأس والقنوط والاستسلام للواقع بل هم من الخيرة الذين امتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يتحمل أذاهم ), مشيرا إلى أنهم يدعون إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويتضح من أحاديث الغربة أنه ينبغي لأهل الحق عند غربة الإسلام أن يقوموا بدورهم في الإصلاح ويزدادوا نشاطا في بيان أحكام الإسلام والدعوة إليه ونشر الفضائل ومحاربة الرذائل والدفاع عن السنة والتحذير من البدع والمحدثات وأن يشمروا عن ساعد الجد وأن يستقيموا على الدعوة ويصبروا عليها يرجون ما عند الله من المثوبة ، وعليهم أن يستقيموا في أنفسهم على ذلك حتى يكونوا من الصالحين عند فساد الناس ومن المصلحين لما أفسد الناس لما سألت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ ) قَالَ: ( نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ) فالمانع والحائل من نزول العذاب وحلول الهلاك هو الإصلاح لا مجرد الصلاح ، فيجب أن يكون الإنسان صالحا في نفسه مصلحا لغيره .
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام, أن الأمة لا تزال بخير ولله الحمد، وإن تغيرت الأحوال وكثر الاختلاف فهناك من هو على الجادة يعمل على نصرة الإسلام ويضحي بالغالي والرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، وشعاره ( من للإسلام إن لم أكن أنا ) وهو لا ينتظر أن يتحرك غيره لنصرة الدين حتى يتحرك هو، ولا أن يَطلبَ منه أحد أن يقدم لأمته ودعوته، بل هو مبادر يعد نفسه هو المؤتمن على دين الله والمسؤول عن إصلاح المجتمع ورد الناس إلى ما كانوا عليه من الهدى ودين الحق
وقال فضليته : إن مما يفهمه أكثر الناس عند سماع أحاديث الغربة وأحاديث الفتن وتغير الأحوال كحديث (ما من عام إلا والذي بعده شر منه ) وحديث (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) يفهمون من ذلك أن هذا مسوغ لاستمرار الأمة في ضعفها وذلتها وهوانها وبقاء أهلها على الخنوع والانهزامية والانكسار والإحباط وغاب عنهم أو نسوا أن هناك أحاديثَ أخرى تدل على عزة الأمة ودورهِا الرائد ومستقبلِها الباهر كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( مثَلُ أمتي مثَلُ المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره ) .
وأكد فضيلته: أن ما يصيب الأمة من أزمات وضعف ونكبات، وما يمر بها من محن وهزائمَ وابتلاءات ما هو إلا تذكير وتنبيه لها لتُفيق من رقدتها وتستيقظَ النفوسُ من سباتها وغفلتها، لأن هذه الأمة المباركة قد تمرض وقد تضعف وتتردى أوضاعها وتعصف بها الفتن وتشتد أزمتها، كما هو الحال في الأزمنة المتأخرة، لكنها بالرغم من ذلك كله لا تموت ولا تبيد، بل تظل كما وصفها الله (خيرأمة أخرجت للناس) فهي الأنفع والأصلح لأمم الأرض لأنها تحمل رسالة عالمية ، تفيد كل الناس، مهما كانوا، وأينما كانوا، ومقدار أفضليتها مرتبط بمقدار نفعها لغيرها ولقد أحاط أعداء هذه الأمة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين في المدينة، إحاطة السوار بالمعصم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يحفر الخندق، ويعدهم بكنوز فارسَ والروم، فتشربت النفوس المؤمنة هذه البشائر، وتفاءلت رغم تفاقم الأزمة ، ومع تلك الشدة والضيق فقد تحقق وعد الله ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال ) .
وقال : استمرت هذه الأمة المرحومة في مسيرتها تتجاوز العقبات، وتحققت لها بفضل الله تلك الأمجادُ والفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خلفاء بني أمية وبني العباس، حتى جاءت الكارثة المغولية، وما حدث من رزية في بغداد كانت من أعظم ما حل بالمسلمين من المذابح والنكبات في تأريخهم، حتى جرت أزقة بغداد بأنهار الدم وحتى اختلف العلماء في عدد القتلى حيث أوصله بعضهم إلى ثمانمائة ألف، فأصاب الناس الإحباط ، ورأوا أن راية التوحيد قد نُكست وشوكة الإسلام قد انكسرت، وحتى قيل إن العالم الإسلامي لن تقوم له قائمة بعد ذلك ولكنها سنوات يسيرة جدا وينبض قلبُ الأمة الحي، وتتحرك روحُها الدافقة، وتنهض عزيمتُها الصادقة، فيتحول الضعف إلى قوة ، والذلة إلى عزة، لتَكسر شوكة التتار الوثنيين ويبطل الاعتقاد الذي كان سائدا بأن جيش التتار لا يهزم ، وينحصر المد التتري، ويقضى على أكابر مجرميه، ويدخل أهل بلاد التتار في دين الله أفواجا.
وأضاف فضليته : وبعدها بسنوات عادت الحملات الصليبية، واحتلت بيت المقدس، ودمرت وقتلت في بلاد الشام خلقا لا يحصيهم إلا الله تبارك وتعالى، ولكن بعد سنوات أيضا هيأ الله بفضله القائد صلاحَ الدين الأيوبي فعادت الأمور إلى نصابها وحفظت مقدسات المسلمين واندحر العدو الأثيم ومما يثبته التاريخ أنه جاءت فترات ركود وجمود في العالم أعقبتها أزمنة حركة وتجديد وازدهار بظهور الأئمة المجددين والعلماء المصلحين.
وأبان الشيخ غزاوي أن من المتقرر عند أهل الإسلام أن الله قد تكفل بحفظ دينه وظهوره حتى تبقى حجته قائمة على العباد، قال الله تعالى: ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)، وهذا الظهور ليس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحسب بل في كل الأزمان وهذا كله دليل واضح على أن الدين محفوظ مهما اندرست معالم الحق وانمحت رسوم السنة وأن الغربة قد تقع ثم تزول ويعود الدين إلى قوة ونشاط وانتشار ووظيفة هذه النصوص وأمثالِها إشاعة الأمل في النفوس وزرع بذور التفاؤل في الأرواح التي آلمها ماحل بالمسلمين من المصائب وخيم عليها اليأس والقنوط، وهي بشائر أيضا تثبت اليقين في القلوب وتستحث الهمم من أجل مزيد من العمل للدين .
وشدد فضيلته على أن ما شهده التأريخ منذ بزوغ فجر هذا الدين العظيم من مؤامرات للقضاء عليه أمر لم يتعرض له أي دين آخر وأي ملة أخرى من محاولات الاجتثاث والإقصاء والتشويه، ومع ذلك نرى هذا الدين - بفضل الله -لا يزداد إلا انتشارا وقبولا لأنه هو دين الفطرة الذي ارتضاه الله للناس وأنه مهما سعى أعداء الإسلام جاهدين في محاربته، وطمس معالمه، والصد عن سبيله وأذية أهله ، فلن يقف دوره ، وسوف يظهر نوره، ويمتد أثره، ويبقى ما بقي الليل والنهار وهذا ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر) .
وأوصى إمام وخطيب المسجد الحرام, دعاة الحق ببذل المزيد من الجهود في سبيل إصلاح مجتمعاتهم والدعوة إلى الحق وتبصير الناس بدينهم بالحكمة والموعظة الحسنة, كما أوصى المصلحين والمربين بالحرص على النشء وتعليمهم عقائد التوحيد الصحيحة ومنهجه السليم وتحذيرهم من الاعتقادات الباطلة والتصورات المنحرفة والمناهج الزائغة والأفكار الضالة والدعوة إلى فضائل الإسلام والتحذير من الرذائل والآثام .
وفي المدينة المنورة, أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ المسلمين بتقوى الله تعالى .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إن المتبصر في حال بعض اليوم يجد فيهم ركون إلى الدنيا وأن الهوى في نيل الدنيا والسعي لها فلا هم لهم إلا هذه الدنيا, مشيرا إلى أن هؤلاء يرضون ويسخطون للدنيا إذا أعطوا رضو وإذا منعوا سخطوا مستشهداً بقول ابن المبارك وَمِن البَلاءِ وَللَبلاءِ عَلاَمة ٌ أنْ لا يرَى لك عنْ هواكَ نزوعُ .
وأوضح أن المؤمن الموفق يغلب آخرته على دنياه والسير في الحياة على ضوء ما رسمه له الله تعالى قال جل من قائل ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ? )).
وبين فضيلته أن المؤمن يأخذ بالأسباب ويبذل وسعه في تحصيل الرزق الحلال ويعمر الأرض بما يرضي الله قال تعالى (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) قال ابن كثير أن هذه الآية جمعت كل خير في الدنيا وصرفت كل شر .
وأكد أن من جعل همه الأكبر الآخرة، والعمل لها كفاه الله هم الدنيا، ومن استولت الدنيا على قلبه وجعلها همّه عاش عبداً أسيراً، مفرق الهم، مشتت البال، لا يقنع بكثير، ولا يسعد بيسير، قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ ).
ولفت إلى أن المسلم شعاره في هذه الدنيا قوله تعالى : (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ) فالمسلم يتخذ من حياته مزرعة لآخرته، لا يغلب عليها دنيا، ولا يقدم عليها شهوة ولا هوى استجابة لقوله تعالى : (قلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) .
ونبه فضيلته المسلم من الاغترار بهذه الدنيا وأن يكون على وقاية من الغفلة والشهوة والهوى، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) .
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن من ألهته دنياه عن آخرته، واتبع شهوته ولو خالفت شرع ربه وقع في الخسارة الكبرى، وانتكس في الشقاوة العظمى قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .
وقال فضيلته : إن في هذا الزمن تمكنت مغريات الدنيا في قلوب الناس، واشرأبت لملذاتها وشهواتها نفوس جمع من المسلمين، فالواجب في هذا الحال أن يقف المسلم وقفة محاسبة ويتأمل الحقائق ويتصبر العواقب قال تعالى : (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا )، وفي الحديث : ( مَالِي وَلِلدُّنْيَا ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ سار في يَوْمٍ صَائِفٍ ، فاستضل تحت شَجَرَةٍ ساعة ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ).
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف إلى الوصية النبوية , كما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لموتك ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.