وأنا أقرأ في صحيفتين محليتين هما: (الوطن ورصيفتها الاقتصادية) في عدديهما ليوم السبت غرة شهر رمضان المبارك 1427ه الموافق 23 سبتمبر 2006م. شد انتباهي ما كتب من معلومة عمن صمم العلم السعودي، في رأيي من أورد ذلك الحديث حبيب محمود من جريدة الوطن وعلي آل جبريل من جريدة الاقتصادية واللذان جاء حديثهما متطابقاً عن المعلومة، وانفرادياً في أسلوب أدائها، لكنهما اتفقا على أن صاحب تلك المبادرة هو الشيخ حافظ وهبة اللاجئ المصري في تعبير أحدهما، والمستشار السياسي للملك عبدالعزيز في تعبير الآخر، ولم يرشدنا أحدهما إلى المصدر الذي استقيا منه تلك المعلومة المهمة، لأنهما بالأحرى يجهلانه، أو أنهما لا يرغبان الإفصاح عنه ليحتفظا بأفضلية السبق عن ذلك الاكتشاف. وأياً كان الأمر، فإن الشيخ حافظ وهبة لم يشر إلى تلك المعلومة في أي كتابيه الوحيدين (جزيرة العرب في القرن العشرين) الذي ألفه في النصف الثاني من التحاقه بديوان الملك عبدالعزيز، ولا في توأمة كتاب (خمسون عاماً في جزيرة العرب) الذي ألفه بعد وفاة الملك عبدالعزيز، لا سيما، وأنه كان مما يؤخذ على الشيخ حافظ استعراضه الدائم لأعماله وإنجازاته لما يكون قد عمله بالفعل، أو المبالغة في تقدير تلك الأعمال مثل حكاية المطاردة من قبل الإنجليز التي تتكرر في أحاديثه والتي لا يعدو أن يكون شأنه فيها شأن أبناء جيله يكره الاستعمار، ويتحدث عن مساوئه عندما كان مشاركاً في تحرير صحيفة عربية تصدر في إستانبول، أو أيام كان يتنقل في بلدان الخليج واعظاً ومدرساً وتاجراً، وما حديثه مؤخراً عن الثقة ببريطانيا والمراهنة على صداقتها في بعض كتبه ومحاوراته إلا من هذا الطراز. ومما يؤكد ضعف القول بأنه صاحب مبادرة تصميم العلم السعودي أن التحاقه بديوان السلطان عبدالعزيز موظفاً وليس لاجئاً - كما أشار بعضهم - كان متأخراً نسبياً حيث كان قدومه إلى الرياض عام 1342ه - 1923م أي بعد أن رفرف علم الملك عبدالعزيز على أكثر أجزاء المملكة، وهذا لا ينفي أنه تعرف على الملك عبدالعزيز عندما كان الملك في زيارة للكويت لتعزية الأسرة الكويتية - آنذاك - في وفاة الشيخ مبارك، لكن التحاقه بديوان الملك عبدالعزيز لم يتم إلا بعد ثماني سنوات من ذلك التاريخ!!. وورد في أحد المقالين أن الشيخ حافظ ألف كتاباً عن تاريخ المملكة من إملاء عبدالعزيز نفسه وهذا زعم لا يعضده دليل بل إن الشيخ حافظ لم يزعم ذلك لنفسه.. والكتاب الذي ألفه بعنوان (جزيرة العرب في القرن العشرين) ليس أكثر من نتف غير متصلة الحلقات دوّن وكتب دون مراجع ولا شرح للكثير من العبارات الغامضة، وهو في الجملة مهم من ناحية المضمون لكنه مليء بالأخطاء المطبعية والتحريفات الكثيرة!!. أما الكتاب الثاني (خمسون عاماً في جزيرة العرب) فقد ألفه بعد أن وري جثمان الملك عبدالعزيز الثرى، وكان الأولى أن يسمى ذلك الكتاب (كنت أنا وعبدالعزيز) حيث طغى على معرفيات ذلك الكتات ما يتصف به المؤلف - رحمه الله - من استعراضات ومبالغات كما أسلفنا!!. نقول هذا وإن كنا نعرف أن الشيخ حافظ وهبة كان أقرب مستشاري عبدالعزيز إلى قلبه، وأن ذلك الرجل أصبح جزءاً من تاريخ البلاد ورسولاً وسفيراً لعبدالعزيز لما يقرب من ثلاثين عاماً. ولا أخال إلا أن من كتب تلك المعلومة كان يعتقد أو يتوهم بأن علمنا الوطني كان حديث النشأة، صمم وفقاً لأفكار مثقف عربي، فقد أورد أحدهما في سياق تلك المعلومة أن العلم الوطني السعودي يعود تصميمه لوطأة ظرف تاريخي جاء نتيجة التحالف بين الملك عبدالعزيز - بوصفه زعيماً دينياً - وبين المؤسسة الدينية.. كما جاء تعبيراً عن الأسس التي كانت الدولة تسير على هداها، فكان اللون الأخضر جزءاً من الرؤية الدينية حيث تكرر وروده في القرآن الكريم في سياق إيجابي، أما الشهادتان فهما الأكثر دلالة على منهج الدولة وتطلعاتها الدينية هكذا إلخ.. وجزء من هذا القول حق، وهو ما كانت تحمله الراية السعودية السالفة الأم، التي ليست رايتنا أو علمنا اليوم إلا امتداداً وصيغة لها، فليست هناك يد نعرف أنها صممتها، ولا ظرف تاريخي أملى وجودها بل إنها الراية الشعبية الوطنية التي حملتها قيادات الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة أي طيلة ما يقرب من (270) عاماً.. إذ أن هذا العلم هو علم التوحيد وعلم الوحدة، وإذا كنا لم نعثر على نص مكتوب عن علم الدولة السعودية الأولى إلا أن المتناقل في الروايات الشفوية الموثقة والمنقولة عن كبار الأسرة السعودية تتفق على أن الراية السعودية (العلم) كان قطعة قماش مشغولة خضراء اللون كتب عليها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقد عقدت على سارية بسيطة واستمر حملها على هذا النحو في عهد الإمام المؤسس محمد بن سعود، ثم في عهد ابنه الحاكم الثاني عبدالعزيز بن محمد، ثم في عهد الحاكم الثالث سعود المعروف ب(الكبير) وفي عهد ابنه عبدالله.. ويعضد هذه الروايات الشفوية المتواترة ما ورد في (تاريخ نجد) للشيخ حسين بن غنام من ورود عبارات سجعية مترادفة تفيد بأن الراية - آنذاك - كانت خضراء اللون وتحمل عبارة الشهادتين مكتوبتين عليها. وهذه الاستضافة مدعومة بما هو معروف ومتواتر عن شكل الرايات والبيارق في العهد الإسلامي على مر العصور تلك العهود التي كانت المثل الأعلى للدولة السعودية الأولى. هذا وقد ذكر (جون لويس بوركهارت) في كتابه (ملاحظات على تاريخ الوهابيين) وهو الكتاب الذي جمعه خلال رحلاته في الشرق وتحدث فيه عن الشؤون العسكرية عن الدولة السعودية الأولى عامة، وعن جيش الإمام سعود الذي شاهده بأم عينيه في مكةالمكرمة، حكى: أن لدى كل شيخ أو أمير من أمراء سعود الكبير، راية خاصة به، وأن الإمام سعود نفسه كان يمتلك عدداً من الرايات المختلفة. وذكر ابن بشر في تايرخه أن الإمام عبدالعزيز الحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى، وابنه سعود الحاكم الثالث كانا يحددان مكاناً معلوماً على ماء معين في يوم معروف لاجتماع القبائل، وأنه يتقدم إلى ذلك المكان الراية (العلم) فتنصب على ذلك المورد. وعندما تناول ابن بشر سيرة الإمام تركي مؤسس الدولة السعودية الثانية الجد الخامس لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، كان هذا القائد يكتب لأمراء البلدان يأمرهم بالخروج والاجتماع في مكان معين ثم يخرج الراية من قصره، فتنصب قريبة من باب قصر الحكم في الرياض قبل خروجه بيوم أو يومين. وبهذه المناسبة أشير إلى أن الإمارات الصغيرة القائمة في الجزيرة العربية قبل توحيدها كانت تستخدم أعلاماً مختلفة الألوان حمراء عثمانية، وحمراء سادة، وخضراء سادة، ثم توحدة الراية في عهد الملك عبدالعزيز فور انضمام كل إمارة إلى إمارته. ويحسن هنا أن نشير إلى أن شكل العلم الوطني السعودي في عهد الملك عبدالعزيز قد مر بمراحل عدة تبعاً لنمو الدولة وتطورها ففي البداية البعيدة كان شكلاً من أشكاله راية الأسلاف ثم أصبح شكلاً مستطيلاً رأسياً طوله يساوي ثلثي رعضه تتوسطه عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقد كتبت باللون الأبيض.. ثم أصبح العلم مربعاً لونه أخضر، أما الجزء الذي يلي السارية منه، فقد كان لونه أبيض، وقد كتب على صفحته عبارة (نصر من الله وفتح قريب) وأضيف إلى ذلك سيف منحنٍ يتجه مقبضه نحو السارية تحت الكتابة. ويذكر (الريحاني) في تاريخه: أن الراية التي شاهدها والتي كان يحملها الملك عبدالعزيز في أول عهده، كان الجزء الذي يلي السارية منها أبيض اللون وكان فيها جزء أخضر اللون، وكانت مربعة تتوسطها كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ويعلوها سيفان متقاطعان.. قال الريحاني: ثم تغير شكلها بأن ضمنت سيفاً واحداً تحت كلمة الشهادتين، وكتب تحت السيف عبارة (نصر من الله وفتح قريب). هذا وقد استقر العلم الوطني السعودي في شكله الحالي مستطيل الشكل عرضه يساوي ثلثي طوله أخضر اللون ووضع له نظام يحدد أبعاده وآداب رفعه، وأحكام استخداماته. كما أنشئت أعلام وطنية أخرى مشتقة منه أهمها علم القوات المسلحة وما يتفرع عن ذلك. وقد أوضحت تاريخ هذا العلم وشكله والأعلام الأخرى المشتقة منه، ونظام العلم الوطني وأشكاله وما يتصل به من رتب عسكرية أو أوسمة تكريمية أو ميداليات، وتاريخها وأشكالها في كتابي (تاريخ الراية السعودية - العلم، البيرق، الوسام) والذي سوف يرى النور قريباً إن شاء الله. وما زالت الروايات الشفوية والمعلومات المؤكدة تحفظ لنا أسماء البيوتات وأسماء الأشخاص الذين حملوا الراية في الدولة السعودية الأولى، ومن بينهم بالإضافة إلى الحاكم أفراد من أسرة آل طوق، وأشهرهم علي بن طوق من أهل الدرعية ثم الأحساء، وعبدالله أبو نهية، وقد أشار ابن بشر وإلى موقفه في الدفاع أيام حصار الدرعية عام 1233ه. أما الدولة السعودية الثانية فمن أشهر من حمل الراية فيها زمن الإمام فيصل أسرة آل سلمة، وأشهرهم الحميدي بن سلمة من أهل الرياض. أما زمن الملك عبدالعزيز فكان أقدم من حمل الراية خلال دخول الملك عبدالعزيز الرياض وبعده: أسرة آل المعشوق وأشهرهم عبداللطيف المعشوق الذي استشهد وهو يحمل الراية بعد أربع سنوات من دخول الملك الرياض ثم ابنه منصور الذي استشهد في نفس الواقعة بعد أن حملها بعد أبيه وهي وقعة البكيرية عام 1324ه. ثم حملها أفراد من بيت الظفيري من أهل الرياض، ومن أشهرهم إبراهيم الظفيري، ثم سلم الراية أثناء حروب توحيد الجزيرة إلى بيت آل مطرف، وأولهم عبدالرحمن بن مطرف الأول، ثم ابنه منصور ثم مطرف، ثم عبدالرحمن بن منصور بن مطرف الثاني، ولا تزال الراية في أيديهم حتى اليوم. وأخيراً تمت الإشارة في إحدى الصحيفتين إلى الرمز الذي يحمله وجود السيف في علم الدولة السعودية على استحياء بأن قال: علينا أن نأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية التي صمم فيها العلم، والثقافة التي تقف وراء السيف رمزاً، وهو ما يشير إلى إبراز القوة، حيث كانت الدولة في أولى مراحلها آنذاك هكذا.. وكان الأولى أن يضيف الكاتب بأن دلالة الرمز بالسيف تشير كما ذكر سابقاً إلى أخلاق الفروسية التي يتصف بها الإنسان العربي، كما كان ينبغي أن يضيف أن دلالة الرمز بالسيف تعني الدفاع عن مضمون الشهادتين وهو ما نعتقد بأنه مشروع، إذ أن مشروعية القتال تكون بسبب رد العدوان لا لمجرد وصف المقاتل بالكفر وذلك بناء على ما عليه جمهور السلف مثل مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وهو ما يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار كما يقول ابن تيمية مستدلاً بقوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ}، وأضاف بأن هذا هو علة الأمر في القتال، وهو دليل على أن قتال من لم يقاتلنا عدوان. فلو كان من لا يتفق معنا في الدين يقاتل حتى يسلم لكان هذا أعظم الإكراه الذي نهى الله عنه في قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. هذا ما أحببت أن أشير إليه حول ذلك الموضوع الذي نشر في الصحيفتين الزاهرتين.. أكتبه باختصار وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التفصيل والتبسيط.