معظم معايير الحكم والتقييم السياسية تؤكد نجاح زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأخيرة إلى المملكة التي تم الإعلان فيها عن توافق في الرؤية السياسية السعودية والفرنسية تجاه معظم القضايا والملفات الإقليمية والدولية. فالنهج السياسي السعودي المعتدل في معالجة حركة السياسات الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط يقابله على الصعيد الآخر في شمال الكرة الأرضية نهج سياسي فرنسي معتدل على الساحة الأوروبية في معالجة القضايا الأوروبية المتعلقة بالشرق الأوسط. بل يمكن أن نضيف إلى ذلك المواقف الفرنسية المعتدلة على صعيد الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهو مطلب هام لابد من وجوده بل وتفشيه وانتشاره لمواجهة مخاطر المنتجات السلبية التي تتمخض عن التحيز والتعنصر السياسي الواضح الذي تنتهجه بعض دول المجلس الكبرى حيال دول العالم الثالث خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. التوافق من جهة، ومن الجهة الأخرى الاعتدال يسهمان بشكل ملموس ومحسوس في توسعة دائرة الاعتدال السياسي في سياسات الدول الخارجية وهو مطلب ضروري في العصر الحديث لمعالجة المشاكل الإقليمية والدولية المزمنة بآلية سياسية موزونة ومتزنة تحقق العدالة السياسية والإنسانية الغائبة عن معظم إن لم يكن جميع مفردات العلاقات الإقليمية والدولية. نعود مرة أخرى لنبحث في مخرجات زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى المملكة إذ هناك ثمة تساؤلات هامة حول منجزات الجانب الأمني من تلك الزيارة التي أشار إليها بالفعل فخامته ولكن باقتضاب في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نهاية زيارته حيث قال (إنه ناقش مع المسؤولين في المملكة كل ما يمكن أن يتم ويتحقق في إطار مكافحة الإرهاب). ذلك التلميح السريع المقتضب لا يكفي بأي حال لإشباع نهم التساؤلات العامة والخاصة، ولا أيضاً يمكن أن يطمئن المخاوف الشعبية المتنامية السعودية والفرنسية من مخاطر احتمالات تصعيد أعمال العنف وسلوكيات الإرهاب ضد المصالح الاستراتيجية للدول وفي مقدمتها سلعة النفط الإستراتيجية. فالإرهاب ضد مراكز النفط ومصادره لا يهدد أفراداً أو جماعات بعينها وإنما يهدد أمن الجميع.. نعم أمن واستقرار ورفاهية جميع دول وشعوب العالم دون استثناء. من جانب مواكب لذات التساؤلات يمكن القول أيضاً إن الرئيس جاك شيراك لم ينس الإشادة بالجهود التي تقوم بها المملكة في التصدي لظاهرة الإرهاب بكل حزم وتصميم، ولكن كم كان بودنا لو ألمح فخامته عن كمية ونوعية الجهود الفرنسية في مكافحة الإرهاب بعد أحداث العنف التي شهدتها بلاده في نهاية العام الماضي وعلاقة ذلك العنف المدني بمصادر العنف ومحركاته الاقليمية والدولية وبمحفزاته العقدية والاجتماعية والاقتصادية، بل وحتى النفسية إن تطلب الأمر. وأخيراً كم هو مريح ومطمئن فيما لو أعلن عن أهم الاتفاقيات الأمنية التي عقدت أو يمكن أن تعقد بين الدولتين في مجالات التعاون الثنائي للقضاء على ظاهرة الإرهاب بداية من دوافعها ومسبباتها ونهاية بتنظيماتها وخلاياها النشطة والنائمة. يجدر القول إن ثمة حقائق دامغة حول ظاهرة العنف عامة والعنف الإرهابي خاصة يجب التمعن فيها بدقة وعمق كي يمكن مكافحة الإرهاب قلباً وقالباً جملة وتفصيلاً وعلى جميع المستويات والأصعدة الداخلية (المحلية) والإقليمية والدولية لا مجال لسردها في هذا المقال ولكن يمكن تناولها في مقال لاحق. أخيراً لا شك أن الحلول الجزئية أو المؤقتة والعلاجات المسكنة أو المهدئة يستحيل أن تقضي على ظاهرة الإرهاب الخطيرة التي لا بد أن يتعامل معها وفقاً لمنظومة حلول كلية شاملة وحاسمة تتعامل مع الظاهرة من مستواها الجزئي الفردي مروراً بمستوياتها الوسطى ونهاية بمستوياتها الكلية.. فهل تم التعرض لهذه الحقائق ومناقشتها بالفعل؟ هذا ما يبعث الراحة والطمأنينة في نفوس الأغلبية العظمى المستقيمة فيما يثير الخوف والرعب والهلع في قلوب القلة القليلة من الجبناء المارقين.