= طيب يا عمي.. ساندوتش كبده.. اثنين قلوب.. ثلاثة برتقال.. وينطط الصبي بين الزبائن.. يعطي عمه.. ويحمل الصينية لمدة ثماني ساعات متواصلة.. صوت آلة التسجيل لا ينقطع.. ولا يقلل من الاستمتاع به إلا صوت السيارات وأصحاب السيارات الذين يجعلون من هذا الشارع مجالا صالحا لممارسة حال - الطيط طاط - وسحب الفرامل قبل الانطلاقة. وتمضي هذه الشهور شهور الصيف بالنسبة لشارع العصارات غنية بالحياة والأضواء.. وفرقعة الصينيات.. وأنوار النيون، ولكنه الآن يعلن بداية توقفه.. وليه لأ.. الدنيا شتت!! و(الواحد) لم تعد لديه الرغبة في أن يزرع الشوارع هات خذ.. حتى الدقائق الأخيرة من الليل.. وعندما لا تعجبه عصارات الشميسي يذهب إلى المطار.. وحينما لا تروقه ينطلق إلى الملز.. الدنيا شتاء.. والعالم شتى!! وبعد قليل.. تبدأ الحركة بالتوقف والأضواء تتلاشى.. ودائرة الاهتمام تضيق وتضيق.. حتى لا يبقى سيد الموقف إلا الليمون!! الذي يتربع بحجمه الصغير جداً!! واللطيف جداً!! ليصبح بطل المسرحية الشتوية.. وفي المرتبة الثانية يأتي الساندوتش الخفيف.. ولكن على أي حال وكما قال صبي أحد العصارات لنا.. ان الرواد لا يمكن ان يتعدو الثانية عشرة ليلاً.. لأن البرود الذي يعم العاصمة يؤدي بهم إلى البقاء بالبيوت أطول مدة ممكنة.. وهل تغلق العصارات أبوابها..؟! الاجابة لأحد اصحاب العصارات.. أحيانا قد يحدث ذلك ولكن الغالب والأكثر ان البعض منا يقللون من العمال الذين لديهم والذين يعتبرون فائضا لا يمكن ان يتحمله الدخل الذي يقل عن الصيف.. ولكن هل يكسبون؟! ونفس الرجل يجيب: المكاسب متوفرة ولكن الأهم من الكسب هو الصعوبة التي يلاقيها الصبيان وهم يجرون في البرد والزمهرير.. يحاولون تلبية مطالب الزبائن.. والعصارات عالم عجيب.. في الصيف والشتاء.. منطلق العجب فيه ان الذين يتعاملون معها من مختلف الأنواع المتباينة.. ثمة رجل يبحث عن الساندوتش.. ليسد به جوعه وثمة آخر لمجرد المزاج.. والبعض الآخر من الرواد المداومين ليليا.. عالم عجيب يبرز كل ليلة بدأ ملحوظا في العاصمة.. في كل الشوارع والأركان المهمة.. ومع هذا العالم ظهرت تقاليع عديدة في الطريقة التي تحاول (العصارات) ان تقدمها للزبائن.. وتشعر الرائي بنوع من الغرابة في تكوينها.. ولا غرابة أن ترى - عصارة - قد أدار صاحبها آلة التسجيل على أحدث الرقصات الحديثة!! وآخر بجانبه يسمع صوتا خليجيا مغرقا في الاعماق.. عالم عجيب جدا يبدو ويظهر في الصيف ويختفي بالشتاء وكل هذا العالم لفته.. هات يا ولد.. والاجابة التي يواجهها.. طيب يا عمي..!! طلال عبدالوهاب