نائب وزير الخارجية يشارك في حفل مراسم تنصيب رئيس السلفادور    تفعيل خدمة "فعيل" للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    فيصل بن فرحان يؤكد لبلينكن دعم المملكة وقف إطلاق النار في غزة    المملكة تدين محاولة إسرائيل تصنيف «أونروا» إرهابية    حجاج الأردن وفلسطين يشيدون بالخدمات المقدمة بمنفذ حالة عمار    روبوتات تلعب كرة القدم!    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    سفاح النساء «المتسلسل» في التجمع !    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة 15 في تاريخه    توجه ولي العهد بكأس الملك بعد ثنائية الدوري والسوبر.. الهلال ينهي الموسم باحتكار البطولات المحلية    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    الاتحاد يتوّج بكأس المملكة لكرة الطائرة الشاطئية    اعتباراً من اليوم.. بدء تطبيق عقوبة مخالفي الأنظمة والتعليمات لمن يتم ضبطهم دون تصريح حج    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    فرز وترميز أمتعة الحجاج في مطارات بلدانهم.. الإنسانية السعودية في الحج.. ضيوف الرحمن في طمأنينة ويسر    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    الليزر لحماية المجوهرات من التزييف    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    ثروتنا الحيوانية والنباتية    النفط يستقر قبيل الاجتماع ويسجل خسارةً أسبوعيةً    نجوم «MBC TALENT» ينجحون في مهرجان الخليج..    بلد آمن ورب كريم    ضبط (5) مقيمين بالرياض إثر مشاجرة جماعية في مكان عام لخلاف بينهم    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    متنزه جدر بالباحة.. قبلة عشاق الطبيعة والسياحة    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    "نزاهة": توقيف 112 متهماً بقضايا فساد في 6 وزارات    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج وطريقة تدريس المناهج التاريخ نموذجاً

مما لا يخفى على أحد أن مناهجنا بحاجة ماسة إلى إعادة نظر وغربلة، لا سيما ما يتعلق بمادة التاريخ زد على ذلك، فإن المادة العلمية لمادة التاريخ في كل مرحلة من مراحل التعليم العام، لا ترتقي إلى مستوى فهم الطالب بل إنها تجعله في حيرة، حيث إن المرتكزات المعطاة له لا تقوم على الفهم والإدارك بقدر ما هي عليه من الطريقة التقليدية من الحفظ والتلقين، يظهر ذلك جلياً في كتاب التاريخ للصف الثاني الثانوي، وهو أمر سبب انعكاسات نفسية لهؤلاء الطلاب حيث إنني بعد مطالعتي للكتاب وجدت أنه مدعاة للتململ والضيق الحاد عند قراءته وهذا أيضاً بعد استمزاج أفراد منهم.
في هذا المقال سوف يكون التركيز على نقطتين أساسيتين:
أولاهما: ما يتعلّق باستحداث نظرية فعالة Active theory لتدريس مادة التاريخ، وليس ذلك فحسب بل إنها تُعد جانباً مهماً لبقية العلوم الأخرى.. هذه النظرية أو الطريقة الجديدة للتدريس The new method of teaching كانت على الأحرى نتيجة دراستي للغة الإنجليزية والإغريقية في بلاد الأنجلو ساكسون (بريطانيا) حيث شدني طريقة التدريس واستيقنت نفسي على عمق مفادها، وأصالة عرضها، ولا نجانب الصواب إذا قلنا إنها أدعى للفهم وأنشط للعقل.
ثانيهما: وهو ما يتعلق بنقد المادة العلمية لمادة التاريخ في المراحل التعليمية على أننا سوف نكتفي بكتاب واحد فقط، وهو كتاب الصف الثاني الثانوي وذلك كبادرة أولية نطرح فيها هذه الأفكار، على أمل أن تأخذ وزارة التعليم بما جاء فيها أو على الأقل أن تشكل لجاناً جديدة لنقد منهج تدريس هذه المادة متناً وتدريساً، ولا بد أن يكون الإنصاف مشكاة في حياتنا، ونوراً في طريقة عرضنا للمواضيع المختلفة، ذلك أن هذه الطريقة قد أُخذ بها من قِبل بعض أساتذة الجامعات من ذوي التخصصات الإنسانية وعلى رأسهم سعادة الدكتور الفاضل عبد الله الزيدان رئيس قسم التاريخ ورئيس الجمعية التاريخية، حيث إنه وطوال سنواته التدريسية في جامعة الملك سعود، ينتهج منهجاً رائعاً، وهو طريقة إلقاء أحد الطلاب عرضاً لموضوع محاضرته، ومن ثم يبدأ النقاش، كما يسرني أن اذكر مثالاً آخر وهو ما وجدته في مدارس دار الفكر بعد زيارة قصيرة لهم، من تطوير المناهج، وسعدت حقيقة بلقاء مع الأستاذ الفاضل الأخ عبد الله أبو زيد، مدير القسم المتوسط والثانوي، وكذلك الأستاذ الفاضل مدير القسم الابتدائي، وأيضاً المستشار التعليمي، المربي الفاضل الدكتور أحمد غية أحد أعضاء اللجنة لتطوير المناهج مع العلم بأن مشروعهم قد أُقر من وزارة التربية والتعليم مشكورة، وأصبحت هذه المدرسة من الريادة والتميز بمكان. غير أن حديثاً جانبياً مع المستشار فهمت منه رغبته في تطبيق النظرية، التي أنا بصدد الحديث عنها، وهي المشروع الأكاديمي لطلابنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية، على أية حال، أظن أنني استرسلت كثيراً، والآن أدعو القارىء الكريم إلى التعرف إلى هذه المرتكزات الأساسية في هذا المنهج.
-*-*-*-*-
المرتكز الأول (Presentaion)
-*-*-*-*-
أود أن أذكر بما لا يغرب عن بال عالم، أن الطريقة التي يقوم عليها تدريس هذه المادة هي الأسلوب التلقيني، الذي عكف عليه المدرسون ولا حول لهم ولا قوة من التطوير والتجديد والتحديث في التدريس ذلك بأنهم كانوا ضحية هذا الأسلوب منذ نعومة أظفارهم، - وأنا واحد منهم في هذه الفترة - وحتى في أيامهم الجامعية، فأنا أعلم أساتذة جامعيين يتبعون هذا الأسلوب بالقراءة من مذكرات قد عفا عليها الزمن والطلاب في مقاعدهم خرس بله لا يتكلمون وكأن على رؤوسهم الطير.. إذاً ما هي النظرية التي ننادي إلى تطبيقها؟ وما المرتكزات التي تتكىء عليها؟ وما هي أهداف كل مرتكز؟
- تعريف النظرية هي تلكم الأساليب التي تنتهج الأسلوب الأكاديمي القائم في بلاد الغرب وفي صفوفهم العليا من التعليم العام، والذي يعتمد فيه الطالب، الفردية في التعلم والتعليم.
-*-*-*-*-
مقومات هذا المنهج:
-*-*-*-*-
1 - يقوم هذا المنهج على أن يطلب الأستاذ من كل طالب وفي كل حصة دراسية بتحضير درس وإلقائه أمام زملائه، وهو ما يُعرف في اللغة الإنجليزية Presentation على أن يوصي إليه الأستاذ بمراجع معينة تكون وثيقة الصلة بموضوع عرضه، وتكون متوفرة في مكتبة المدرسة.
2 - يقوم الأستاذ بمناقشة الطالب ثم يفسح المجال لطلابه بمساءلة زميلهم ومناقشته.
أهداف هذا المرتكز
1 - مما لا شك فيه أن هذا المنهج أو هذا المرتكز، الجديد على الطلاب، قد يقضي على ما اصطلح عليه النفسيون بالرهاب الاجتماعي من جهة، ويزيد من حصيلة الطالب العلمية والثقافية من جهة أخرى.
2 - بانتهاء الطالب من عرضه لموضوعه، يطلب الأستاذ من طلابه بدء مناقشة زميلهم، وهذا مما يزيد الثقة لدى أبنائنا الطلاب، والتعويد على حب المناقشة، وحرية الرأي، وحسن قبول وجهة النظر الأخرى، وليس من أجل المجادلة بحد ذاتها، إنما الوصول إلى لب الحقيقة وكبدها.
المرتكز الثاني (Searching)
مقوماته:
أما هذا المرتكز فهو أن يطلب الأستاذ من كل مجموعة من الطلاب الاشتراك في بحث معين لا يخرج عن مواضيع الكتاب المدرسي، لكن هذه الآلية لا تتأتى إلا باستحداث حصة مكتبية، يقرأ الطلاب مواضيع الأبحاث المنوطة بهم فيها، على أن يستعيروا كتباً للقراءة المنزلية، وهذا بدوره يتطلب وجود مكتبة ضخمة للمدرسة يشرف عليها أساتذة مشهود لهم بالموسوعية العلمية، ومن ثم يتم تسليم البحوث على أن يكون هناك نقاش بين الطلاب لاحقاً. -*-*-*-*-
أهداف هذا المرتكز:
1 - تعويد الطلاب على البحث والمثابرة، إذ إن الباحث لا يكل ولا يمل.
2 - بمناقشة الأبحاث بين الطلاب أنفسهم وبين أستاذهم، لاشك أن أفكاراً جديدة سوف تطفو على السطح، وقد تغير بعض مجريات التاريخ، ولا أبالغ في القول في ذلك، فعقول طلابنا إذا ما حُبب إليهم فن البحث، فإنهم يبدعون ويتفوقون.
3 - بإشراف الأستاذ - بطبيعة الحال - على بحوث الطلاب، فإنه يقوم بتعليم الطلاب، صياغة النصوص التاريخية وعدم النقل، وكيفية تهميش المصادر، أي إحالة القارىء إلى المصدر الذي استسقى منه الطالب المعلومة التاريخية، وهذا لعمري المبدأ الذي نادى به المؤرخ العلامة ابن خلدون (ت 808) في مقدمته غير أنه لم يلتزم به عند كتابته لتاريخه.
4 - يكون الطالب المنتهي من المرحلة الثانية قد نضج فكرياً وعلمياً، وأصبح في مقدوره الالتحاق بالجامعة وهو واثق من نفسه، مطئمن الجانب، بل ومحترم للرواق الجامعي، حيث إن كثيراً من الطلاب الذين عاصرتهم ورأيتهم في الجامعة لا هم لهم إلا الحصول على ما نسميه بوثيقة التخرج وبهذه النظرية يكون الطالب متحمساً ومتطلعاً ومتلهفاً لدروسه كما لم أنس ولن أنسى أنه سوف يكون نواة لجيل جديد يستطيع أن يكمل المسيرة الحضارية لهذا البلد المعطاء، من تقديم أبحاث قيمة، وجد ومثابرة في حياته العلمية، ولا أكون مسرفاً في القول عندما أقول إن جيلاً بهذه النوعية بإمكانه أن يبني حضارة مشرقة لهذه البلاد العزيزة على قلوبنا.
القسم الثاني: نقد المادة العلمية للكتاب:
لعل من الأفضل قبل أن نطرق باب مقالنا هذا وموضوعه نقد المادة العلمية لكتاب الصف الثاني الثانوي، أن نبين للقراء طريقة مدرسينا في تدريس مادة التاريخ، حدثني من لا أتهم، أن مدرس التاريخ يقوم أحياناً بكتابة عناصر الدرس، ومن ثم يبدأ الشرح، وبعد أن ينتهي يطلب من أحد الطلاب قراءة الموضوع ثم يعلق على الكتاب بالكتابة عليه، يبدو لأول وهلة، أن هذه الطريقة فيها من الفائدة الشيء اليسير، لكنها - بلا شك - مضيعة للوقت وليست كالشفاء للجريح الأليم، ولا كالدواء للمريض العليل أضف إلى ذلك، ما تسببه هذه التعليقات على الكتاب من تشويه لمظهره، وتكون باعثاً سلبياً على الطلاب عند الرجوع لقراءته، وأحب أيضاً أن أذكر إخواني المدرسين بالأخذ بطريقة الصيغة التاريخية للحدث التاريخي، لما لها من أثر فعّال في شد انتباه الطلاب. ويأتي السؤال المهم وهو: ما هو مصطلح الصيغة التاريخية الذي يُعتبر جزءاً من أدبيات منهج البحث التاريخي، والذي يتطلب من كل باحث أن يلم بأسسه وجوانبه.
تعريف الصيغة التاريخية
هي تلك القدرة الفنية للمؤرخ على حبك صيغة وصفية للتعبير للحادثة التاريخية المزمع الحديث عنها، غير أن هذه الصيغة قد يتفاوت في عرضها من الإيجاز أو الإطناب حسب ما يقتضيه السياق التاريخي للحادثة التاريخية.. فإذا ما كانت هذه الحادثة مختزلة جداً فالمقام يقتضي الإيجاز، وإذا ما كانت مطولة فالمقام التاريخي هنا، يحتم الدقة في عرضها.
أمثلة في كيفية التعامل
مع الحقائق التاريخية
إذا كانت الحقيقة التاريخية أمامنا تتعلق بشخصية تاريخية هامة، خذ على سبيل المثال - لا الحصر - شخصية الملك عبدالعزيز - رحمه الله - فلا بد من الإلمام بظروف بيئته ونشأته، وما هي المؤثرات التي جعلت منه حدثاً تاريخياً، وكيف استطاع توحيد الجزيرة العربية، بل وكيف استحق الاحترام والتقدير من أنصاره وأعدائه على حد سواء.
مثال آخر: ما يتعلق بالتاريخ الحضاري كالنظم الإسلامية، فإن المدرس يجد أمامه حقائق تاريخية فما عليه إلا أن يعرضها مع التغيير في الصياغة التاريخية من أي مصدر تاريخي أو المصدر الذي نتحدث عنه وهو الكتاب المدرسي.
على أية حال أعتذر للقارىء الكريم لهذه الاستطرادات، وما استرسالنا إلا لأهميتها المنهجية، والآن نعرج بالحديث عن القسم الثاني من هذا المقال وهو:
نقد المادة العلمية لكتاب الصف الثاني الثانوي:
يجدر بنا أن نعرّف الكتاب قبل نقده، فهو من تأليف خمسة من حملة الدكتوراه وأربعة من الأساتذة يقع الكتاب في 156 صفحة، وهو مبوب بثلاثة أبواب، يحتوي الباب الأول على خمسة فصول، والباب الثاني على أربعة فصول، والباب الأخير على فصلين، والحق، أن ثمة فصول قد حُذفت لطلاب العلوم الشرعية، وهي الفصل الثالث من الباب الأول، والفصل الأول والرابع من الباب الثاني.. أما طلاب العلوم الإدارية فجميع أبواب الكتاب مقررة عليهم.. ولا أدري لماذا هذا التقسيم وكان من الأجدر أن يدرس طلاب العلوم الشرعية الباب الثالث لما يشتمله من معرفة عن معالم الحضارة الإسلامية.
النقطة الأولى
توجيهات إلى الإخوة المعلمين
بدأ المؤلفون بكتابة هذه التوجيهات إلى إخواننا المعلمين، وأحببت أن أقف عندها:
- ذكروا ص 7 ما نصه (ويستحسن أن يلم المعلم المنهج وموضوعات الكتاب، ويحاول استكمال أي نقص به سواء في موضوعاته أو وسائله المعينة..) أقول: إن كلمة يستحسن تفترض الإيجاز على مدرس التاريخ في الإلمام بموضوعات الكتاب وكان من الأجدر كتابة (يجب) حيث إن معلم التاريخ هو مؤرخ على الضرورة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كأن هؤلاء الأقطاب من المؤلفين قد عرفوا سلفاً ضعف مدرس المادة، فأبدوا له بهذه النصيحة، وذلك كنتيجة طبيعية من عقم طريقة تدريس مادة التاريخ في المرحلة الجامعية، حيث لا أسلوب أكاديمياً يتبع، ولا نصائح من بعض الأساتذة لطلابهم - باتخاذ هذا المنهج - تؤخذ بعين الحسبان.
- ذكروا في ص 7 ما نصه (ويستحسن أيضاً أن ينوّع المعلم طرق تدريسه) أقول: تكرار الكلمة والأفضل استبدالها بالوجوب لا الاستحسان.. أما النقد الثاني في هذه العبارة، فهو ذكرهم لطرق التدريس، ولا ندري حقيقة ما هي تلك الطرق فليت شعري لو ذكروها، وإن كنت عالماً مسبقاً أن الكل وليس الجل لا يعرفون من تلك الطرق إلا الخرائط في شرحهم، وليس يوجد في جعبتهم إلا الأساليب التلقينية إلا من رحم ربك.
- قولهم في نفس الصفحة (وأن يعتمد في شرحه على المناقشة الموضوعية واستنتاج عناصر الدرس وأن يكون دوره التوجيه والربط) أقول: أفضل ما جاء في هذه التوجيهات مثل ما جاء في هذه العبارة. ولكن أين المنهج وأين التطبيق؟ وذكروا أيضاً (وأن يكون النشاط المصاحب للمادة والذي يقوم به الطلاب لخدمة المنهج وشرح موضوعاته) أقول: ما هو ذلك النشاط الذي يقوم به الطلاب؟ إن هذه الكلمة، كلمة فضفاضة لا تقوم على أسس علمية ولا أظن انها تعني ذلك المنهج الذي ننادي به وهو المنهج التكاملي لتدريس مادة التاريخ.
(راجع القسم الأول من المقال السابق).
النقطة الثانية: النظم الإسلامية
- كل ما جاء في هذا الفصل حسن وجيد، غير أن المؤلفين قد تناسوا أن يعطوا تعريفاً بماهية هذه النظم الإسلامية، إذ كيف يتصور العقل أن نقوم بشرح النظم وذكر خصائصها دون الوقوف على تعريفها للطالب!
- النقطة الثالثة: لا بد من الإنصاف حيث إن أسلوب العرض التاريخي للفصل الثاني جد متميز وكذلك من ترتيب للمواضيع، ووضع نقاط لشرح هذه النظم وذكر خصائصها بشكل مقتضب.. كل ذلك أمور تساعد الطلاب على الفهم والاستيعاب، بالرغم من وجود قضايا تاريخية لم يوفق المؤلفون في شرحها وبسطها، بشيء من التفصيل والتحليل.. فعلى سبيل المثال - لا الحصر - ما ذكر من اتخاذ الخليفة معاوية - رضي الله عنه - الحجابة على إثر حادثة الخوارج، فلم تُبين ما طبيعة تلك الحادثة، فيا حبذا لو ذكرت.
النقطة الرابعة: النظام الإداري:
جاء في الفصل الثالث وفي معرض الحديث عن الإمارة في عهد الأمويين، تفاقم نظام الحكم المطلق للوالي، والتمتع الكبير بالسلطات المطلقة، كل ذلك يعني ما اصطلح عليه السياسيون ب(اللا مركزية) ولكنها لم تذكر! والغريب في الأمر أن الكلمة المناقضة لها وهي المركزية قد نوه بالحديث عنها لاحقاً عند الحديث عن واقع الإمارة في العصر العباسي.
وأحب أن اؤكد على أهمية الدقة في اختيار أنسب الجمل والألفاظ عند الصياغة التاريخية وغيرها، ووجوب تناسقها! إذ إنه يستحيل الأمر في توصيل المعلومة للطالب إذا كانت بعيدة للفهم والواقع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب أن تكون سهلة يتذوقها الطالب بشغف ونهم.
النقطة الخامسة
جاء في ص 28 ما نصه: (وقد ظل نظام الحكم مطلقاً إلى عهد الرشيد (170 - 193ه)، حيث كان الخليفة مصدر كل قوة..)
أقول: لفظة (ظل) تعني بالضرورة أن الحكم المطلق استمر إلى عهد الرشيد، وهذا ليس صحيحاً، إذ قد بدأ التغير الجذري في نظام الحكم في عهد هذا الخليفة، والعودة إلى نظام اللا مركزية الذي كان سائداً في العهد الأموي، ولعلنا ندلل على ذلك من إعطاء الرشيد الحكم للأغالبة في تونس، وإن كانت دوافعه سياسية في ذلك.
النقطة السادسة
ذكر المؤلفون ص 33، أن جيش الرسول صلى الله عليه وسلم: (توجه إلى شمال الجزيرة لينزل الرعب في نفوس الروم، كما حدث في غزوة مؤتة..).
أقول: يفهم من السياق أن هذا التوجه هو ما يُقصد به غزوة تبوك، والتي لم تكن، حقيقة، غزوة بالمفهوم الحربي، حيث لم يحدث اشتباك حربي مع الروم. زد على ذلك، أن هذا التوجه لم يُبين صراحة في النص، ومع ذلك، فإنه بالرغم من صحة هذه العبارة، غير أن هناك أسباباً لهذا التوجه من بينها:
1 - إن الروم - بلا شك - أقرب الناس إلى الدين الإسلامي، وهم أولى الناس بالدعوة لهذا الدين، وذلك لقربهم إلى الإسلام وأهله.. وهذا ما ذكره ابن كثير في سيرته.. فكان هذا سبباً دينياً.
2 - كان هذا التجهيز نتيجة من نتائج غزوة مؤتة التي هُزم فيها المسلمون، فكان لا بد من رد اعتبار المسلمين.. وهذا يمثّل السبب السياسي.. أضف إلى ذلك، أن العلاقات الدبلوماسية بين المسلمين والروم ونصارى العرب من الغساسنة وغيرهم، كانت علاقة سيئة، وليس أدل من ذلك من قتلهم موفد الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم.
النقطة السابعة
ذكروا في نفس الصفحة ما نصه: (وكانت روح الجهاد التي أحسن الرسول صلى الله عليه وسلم غرسها في نفوس المسلمين، هي التي دفعتهم في عهد الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، إلى نشر راية الإسلام في أصقاع لم تخطر ببال الناس قبل الفتح الإسلامي..)
أقول نقدين لهذه العبارة:
الأول ما يتعلق بالفتوحات الإسلامية، حيث يبدو من خلال النص، أن السبب الثيوقراطي (الديني)، من خلال كلمة الجهاد، كان السبب الرئيس في هذه الفتوحات الاسلامية في ارجاء المعمورة، والحق، أن اللجوء إلى سبب وحيد وفريد في تفسير الحدث التاريخي فيه نوع من الظلم والقسر، وعدم الموضوعية في تحليل الأحداث، ومع أن سبباً معيناً - كالسبب الديني مثلاً - قد يكون له دور أبرز من غيره، إلا أنه لا يكون كافياً ما لم يندمج في نسيج متكامل من الاسباب المتعددة التي تتضافر تأثيراتها في صناعة الحدث التاريخي.. خذ على سبيل المثال - لا الحصر - الأسباب السياسية لها حظ وافر في هذه الفتوحات ولعل ما يؤكد كلامنا هذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وغيره لرستم قائد الفرس أن (الدنيا دول) فلتراجع كلمته.
أما عن الأسباب الاقتصادية ودورها في الفتوحات الإسلامية، فالشواهد التاريخية كثيرة فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه، قام خطيباً يوم الولجة، مرغبا المسلمين في بلاد العجم، مزهداً إياهم في بلاد العرب.. فلتراجع خطبته المشهورة في هذا الخصوص.. وكذلك لسيدنا عمر رضي الله عنه، كلام في هذا المعنى أيضاً.
أما النقد الثاني لهذه العبارة، فهو ما يتعلق بالصياغة التاريخية وحسن حبك الجمل للنص.. فكما ترى أيها القارىء الكريم، أن العبارة في جملها جد طويلة، وهذا أمر يتعارض مع فكرة أساسية ووحيدة في النص.. وهو بذلك أيضاً أشد ما يدعو الطلاب إلى التململ وعدم مواصلة القراءة ومما يؤيد قولنا هذا، أن النص مكون من جملتين، كانتا من الطول بمكان، ووقعتا في ثلاثة أسطر!
النقطة الثامنة
جاء في ص 44 ما نصه: (وفي عهد علي رضي الله عنه، نظمت الشرطة لحراسة المدينة..) أقول: لعل المقصود مدينة الكوفة وليست المدينة كما ذكر في النص، إذ إنه ليس من المنطق أن يعكف الإمام علي كرّم الله وجهه، على تنظيم إدارة الدولة وهو منهمك بحرب الناكثين لبيعته.
النقطة التاسعة
كل ما جاء في الباب الثاني في فصوله الأربعة، حسن وجيد.. غير أن الطريقة التي عُولجت بها مادة هذا الباب جد مضللة، فالاستطرادات والإسهابات أمور تجعل الطلاب غير قادرين على القراءة المتواصلة، فالجمل كثيرة جداً كأنها البحر المتلاطم أمواجه.. وكذلك خلا هذا الباب من فن التشويق للعرض التاريخي.. فلماذا لا يُنظم ويُختصر ويُكتب على شكل نقاط في تعريف أمر أو ذكر خاصية مثلاً.
النقطة العاشرة
جاء في ص 88 أن جامع دمشق (الذي بناه الخليفة الوليد وأنفق على بنائه خراج الدولة سبع سنين).. أقول: يُفهم من النص أن عملية البناء استغرقت سبع سنوات، والصحيح أن البناء استمر عشر سنوات (86 - 96)، وأن مسجد قبة الصخرة هو الذي استغرق بناؤه سبع سنوات (65 - 72ه) في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.
النقطة الحادية عشرة
جاء في ص 94 ما نصه: (وكان مكوث الصبيان في الكتاتيب يستمر عادة إلى سن الاحتلام أو ما بعد العاشرة أقول: الترتيب والتناسق في الجملة غير دقيق: فالأولى أن تقدم جملة (السن العاشرة) ومن ثم جملة سن الاحتلام.
النقطة الثانية عشرة
جاء في ص 98 ما نصه: (أن أسلوب التعليم العالي عند المسلمين كان فردياً إلى حد كبير) أقول: هو ذلك الأسلوب المتبع الآن في العالم الغربي، فلماذا تناسيناه وأحجمنا عن الأخذ به.. فليت شعري هل من مجيب!؟
-*-*-*-*-
الخاتمة
-*-*-*-*-
أود أن أذكر أن هدفي من هذا المقال هو الوصول إلى تبني أجيال يدركون أهمية الحوار والمناقشة، وحب البحث في مجتمعنا، والذي على ضوء هذه المعطيات تتقدم الأمم وتزدهر حضاراتها وتتفوق على مثيلاتها في شتى العلوم والمعارف.. أما آن الوقت أن نهمش الطريقة التقليدية في تدريسنا للمناهج؟ تلك الطريقة العقيمة التي تجبر الطلاب على الحفظ، وليس غير الحفظ.. سؤال موجه فهل من إجابة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.