يقال: إن ثقيلاً قال لرجلٍ: هل أنت عاقل؟ قال: نعم، قال: وما دليل عقلك؟ قال: إنه يدعوني إلى الصبر على مثلك. ولربما كان ذلك الرجل قد ضجر من ذلك الثقيل حتى أجابه بهذا الجواب، ولكنَّ السؤال مهمٌ، وإجابته أهم. قال عامر بن عبد قيس: إذا عَقَلكَ عقلُك عما لا يعنيك، فأنت عاقل وفي الحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه، وفي هذه الصفة من كمال عقل صاحبها ما لا يخفى. وقيل: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس، وقيل: فَرْق ما بين العاقل والجاهل، ان العاقل لا يبطر بمنزلته مهما ارتفعت، كالجبل الذي لا يتزعزع، وأما الجاهل فإن أدنى منزلة ينالها تُبطره. ولما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن العاقل قال: هو الذي يضع الشيء في موضعه، وقال أبو جعفر المنصور لولده ناصحاً: خُذْ عني ثنتين: لا تقل من غير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير، وقالوا: إنما يُوصِّل العقل السليم إلى الرياسة، والرأي إلى السياسة، والعلم إلى الصّدارة وقال القاسم بن محمد: من لم يكن عقله أغلب الخصال عليه، كان حتفه من أغلب الخصال عليه. هل أنت عاقل؟، سؤالٌ يحتاج إلى جوابك أنت، ولهذا قالوا: أفضل العقل معرفة العاقل بنفسه، لأن معرفته بنفسه تزيد عقله رُجحاناً، فإذا زَلَّ أو أخَلَّ بشيءٍ أعاده عقله السليم إلى الصواب، ولعل هذا هو الذي جعل العرب تقول: العاقل المحروم خير من الجاهل المرزوق، ومن هذا المنطلق قيل في كلام الحكماء: (غَضَبُ العاقل على فعله، وغضب الجاهل على قوله)، ويالها من عبارةٍ دقيقة المعنى، فالعاقل يغضب إذا فعل ما يخالف عَقْله السليم، أما القول فهو قادرٌ على التصرُّف فيه، فهو يتحرَّز فيما يقول من الخطل والخطأ والزَّلل، وأما الجاهل فإنه يغضب على قوله، لأن جهله يجعل معظم ما يقول مما يوجب الغضب والسخط. وقد روي عن أبي الدرداء أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عويمر ازدَدْ عقلاً تزدَدْ من الله قرباً، قلت: بأبي أنت وأمي، ومن لي بالعقل؟ قال: اجتنب محارم الله تعالى وأدِّ فرائضه تكن عاقلاً، ثم تنقل إلى صالح الأعمال تزدَدْ في الدنيا عقلاً، وتزدَدْ من الله قرباً وبرغم أنني لا أعرف الآن درجة هذا الحديث، إلا أنّ المعنى فيه واضح صحيح. قال حكيم: العاقل من عقله في إرشاد، ومن رأيه في إمداد، ولا يكفي في الدلالة على العاقل حُسْن ملبسه، ومَلاحةُ سمته، وجمال مظهره، وإنما دليل عقله ما يقول ويفعل. قال الأصمعي: رأيت بالبصرة شيخاً له منظر حسن وعليه ثياب فاخرة، وحوله حاشية، وعنده عدد كبير من الزائرين بين داخل وخارج، فأردت أن أحادثه، فسلمت عليه، وقلت: ما كنيةُ سيّدنا؟ فقال: أبو عبد الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، قال الأصمعي: فضحكت منه، وكشف قوله عن ضعف عقله. هل أنت عاقل؟ إذا نظرت فيما قيل عن العقلاء، وما روي من أخبارهم، فإنك تستطيع أن تجيب. إشارة: إنَّ المكارم أخلاق مطهَّرة فالعقل أوَّلها والدين ثانيها