باكستان والهند تتفقان على تمديد وقف إطلاق النار حتى 18 مايو    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي    أسعار النفط ترتفع وتتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    طلبة المملكة يحصدون 9 جوائز خاصة في "آيسف 2025"    سلاح الجو الأوكراني: حادثة لمقاتلة إف-16    الذهب يتجه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي في 6 أشهر    استمرار تأثير الرياح المثيرة للغبار على معظم مناطق المملكة    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية    بلدي+ .. أول تطبيق للخرائط المحلية وإعادة تعريف تجربة التنقل في مدن المملكة        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    "هيئة تقويم التعليم والتدريب" تطبق الاختبارات الوطنية "نافس"    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025 يناقش استراتيجيات التوطين ومستقبل المصانع الذكية    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الفوز بلقب الدوري السعودي    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    الرواية والتاريخ    لوران بلان يُعلن موقفه من الاستمرار مع الاتحاد    استقبال ولي العهد للأبطال.. تشريف وتحفيز من مُلهم لشباب الوطن    محافظ صبيا يؤدي صلاة الميت على شيخ الباحر سابقًا    القادسية يتغلب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    السعادة تنطلق من السعودية إلى سوريا    وحدة التَّوعية الفكريَّة تنظِّم ملتقى تعزيز الوعي الفكري والانتماء الوطني    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    بترومين راعٍ رئيسي لفريق نيسان فورمولا إي في سباق طوكيو إي - بري    تجمع جازان الصحي يدشن عيادة البصريات في مراكز الرعاية الأولية    "الداخلية": تأشيرات الزيارة بجميع أنواعها ومسمياتها لا تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    التحالف الإسلامي يختتم برنامجا تدريبيا في مجال محاربة تمويل الإرهاب    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري "أسماء وسمية" بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    الإنسانية السعودية في الحج: مبادرة "طريق مكة" نموذج رائد    مبادرات وخطة عمل..اتحاد الغرف ومجلس الأعمال: زيادة التعاون (السعودي – الأمريكي) في التجارة والاستثمار    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    إغلاق موقع عشوائي لذبح الدجاج في بوادي جدة    وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.. طرابلس تتنفس بعد مواجهات عنيفة    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    افتتح فعاليات «ملتقى التحول الرقمي» .. أمير الشرقية: التحول الرقمي ضرورة لمواكبة المتغيرات العالمية    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    عظيم الشرق الذي لا ينام    لا حج إلا بتصريح    عماد التقدم    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجنحة اليمامة أو قدرة البراءة على إثارة رعب أشد
كتاب هزائم المنتصرين
نشر في الجزيرة يوم 09 - 03 - 2000

كنا قد قدمنا قراءة لفيلم صورة سيدة الذي قدمته المخرجة اللامعة جين كامبيون عن رواية شهيرة للكاتب العالمي هنري جيمس، وقلنا انه رغم تاريخها الفني الناصع إلا أن صورة سيدة لم يكن ذلك الفيلم الذي انتظره عشاق السينما في العالم كما أشرنا، خصوصا بعد فيلمها بيانو الذي فازت عنه بالسعفة الذهبية لمهرجانكان عام 93 وأوسكار أفضل ممثلة، وممثلة مساعدة وسيناريو بعد ذلك.
ذهب صورة سيدة إلى مصيره بصمت، وإن كان قد نجح في تقديم صورة مغايرة ودور ذي طعم مختلف للممثلة نيكول كدمان.
المخرج إيان سوفتلي أقدم على مغامرة جديدة لارتياد أعماق رواية أخرى لهنري جيمس هي أجنحة اليمامة ، أهلته للوصول إلى الترشيحات النهائية لجائزة الأوسكار، وإن لم يفز بأي منها.
لكن الفيلم، وعبر سيناريو كثيف كتبه حسين أميني، وكاميرا حساسة، في أجواء مليئة بمشاعر دافقة لأناس كل منهم يودع عالمه أكثر مما يعيشه، ينجح إلى حد بعيد في تقديم مشهد مشحون للعوالم الداخلية لأبطاله.
تدور الأحداث بصورة أساسية حول فتاتين وشاب: هيلين بونهام كارتر كيت، لينوس روشي مارتن، عاشقين لديهما كل شيء ما عدا المال، وأليسون إليوت ميلي، الوريثة ذات المصير التراجيدي التي تشهد موتها ببطء وتتابع خطواته بصمت يدعو للإعجاب وهي تحتضر، وهذه لديها كل شيء ما عدا الحب.
بين هذا الثالوث تجري الكاميرا في أجواء بدايات القرن العشرين، في محطات القطارات والأقبية المعتمة والقصور والعربات التي تجرها الخيول وسيارات الأجرة الأنيقة والسهرات الفخمة التي تفيض بمختلف أنواع الأزياء وأشكال النميمة والمؤامرات الصغيرة ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي تتمسك به بقوة طبقة من مخلفات القرن التاسع عشر نجمها آخذ بالأفول، لكنها وهي تمضي إلى مصيرها تجر معها تلك الضحية التي لا تملك إلا أن تجري نحو قدرها المرسوم، وتدخل اللعبة المعدة، لتكون في النهاية إحدى اللاعبات,هنا، من الصعب مقاومة العالم المحيط:كيت تتهاوى تدريجيا أمام خوفها من أن تعود فقيرة لتعيش مع أبيها، بعد أن انتشلتها خالتها الغنية من بئر حرمانها مقابل صفقة مع أبيها المعدم ، رافضة أن يكون مصير ابنة أختها هو المصير الذي آلت إليه أمها.
لذا فإن أول تلويح لها بأنها ستخسر كل شيء إذا ما أصرت على الاقتران بالصحفي الفقير الذي تحبه، يجعلها تتراجع عن ذلك الحب، لتبدو للجميع فتاة أخرى، وفية لطبقة تمنحها كل شيء، وتحرمها من إرادتها الحرة, ولأن الرياء والعلاقات السرية شكل من أشكال الحياة التي تعيشها تلك الطبقة، تكون قد قررت أن تلعب اللعبة ذاتها، أن تحتفظ بالحبيب سرا وبالمركز الاجتماعي علنا.
لكن ثمة مسافة شعورية هائلة تفصل بين لقائها الأخير كفتاة فقيرة بحبيبها، ولقائها التالي به، حيث بدت الأمور وكأنها قابلة لأن تعيش أي مظاهر خارجية جارحة لها على المستوى الشخصي مقابل الاحتفاظ بامتيازاتها وإبعاد أي شك يمكن أن يحوم حولها وحول مارتن .
تنجح هيلين كارتر كممثلة إلى حد يثير الإعجاب، وهي تتنقل بين عواطف متضادة، بين الوجه البريء إلى حد مذهل، وبين الوجه البريء القادر على إخفاء مشاعره، بل وحياكة هذه المشاعر على شكل مؤامرة قاسية.
تبدو البراءة هنا أكثر قدرة على إثارة الرعب حين تدخل لعبة كبيرة كهذه.
ويكون التغير الثاني في شخصية كيت المركبة حقا، حين تدفع مارتن للزواج من صديقتها الغنية المحتضرة، وللوهلة الأولى تبدو كيت فتاة مضحية بالحب من أجل الصداقة، لكن الأمر يتكشف حين تفصح عما تفكر به، وهي تعترف وتحثه كي لا يتردد في دخول عالم ميلي، هو الذي يحبها فعلا، وغير المستعد للتخلي عن حبه الأول, هذه النقطة بالذات، تلعب دورا خفيا في تغير عميق لا ندركه في البداية، ويصبح جزءا من مشهد النهاية عند مارتن, إذ يدرك أن المرأة التي يحبها لم تعد أبدا تلك المرأة القديمة أبدا.
هكذا يبدو الدخول الحذر إلى علاقته بميلي، شيئا يأخذ أبعادا جديدة، لا نظنها هنا هي بداية الوقوع في حبها، بل هي حالة من الاحترام لصدق مشاعرها، ولنبالة لم تعد كيت تعتبرها جزءا من هذه الحياة، وقد يكون عنصر الشفقة هو العنصر الأخير، حيث يعايش مارتن كل تلك الحيوية وهي تحتضر، وذلك الجمال الصافي الفرح وهو يتشبث بجماله حتى اللحظة الأخيرة.
مفترقات طرق كثيرة تعترض هذا النهر المتدفق من المشاعر المتضاربة، لكن كيت التي تغادر فينيسيا، تاركة المجال لمارتن كي يحقق حلمها هي، لا حلمه: أي أن يكون غنيا بعد أن تمنحه صديقتها الوحيدة كل أملاكها، تبدأ نار الغيرة بالتهامها عن بعد حيث تجسد هيلين كارتر لحظات صراع درامية كبرى باقتدار، لكن ثمة شيئا من الحقد يسري فيها، ويحول المشاهد إلى أن يحدد موقفا إلى جانب ميلي ومارتن الذي يبدو بتردده الدائم أشبه ما يكون بضحية من صنع يدي كيت، حيث الضحايا لا ينجبون سوى الضحايا.
حين تقرر كيت إرسال أحد اللوردات الذي يقدمه الفيلم كزوج مستقبلها ليخبر ميلي بما يفكر به مارتن ويعلمها بمعرفته بأنها تحتضر، تكون بذلك قد بدأت بحفر قبر ميلي فعلا.
لم يكن قد مر زمن طويل قبل أن تغدو كيت نموذجا شبيها باللورد، فتاة تنتمي لطبقة مسحوقة اقتصاديا، تتحول عبر التجربة إلى فتاة تنتمي إلى طبقة ارستوقراطية في لعبة المشاعر وحسابات المصالح.
لقد تحولت إلى حالة أخرى، لورد آخر، لذا تبدو خسارتها في النهاية هي الأعظم، ويبدو مصيرها مثيرا للشفقة أكثر من مصير صديقتها التي ماتت فعلا، تاركة كل ثروتها لمارتن.
في المشهد الأخير الذي يجمعهما معا، يهمس مارتن: هل أنت مستعدة للزواج بي كرجل فقير؟
فترد كيت بسؤال آخر: هل تستطيع أن تعدني بأنك لن تفكر بها أبدا؟
لا يجيب مارتن على هذا السؤال، لكن المشاهد النهائية تجيب بوضوح لا لبس فيه,حب، صداقة، غيرة ، فقر، غنى ، كلها تجتمع في فيلم أجنحة اليمامة ، مشاعر وحالات موجودة بوفرة في أفلام كثيرة، لكنها تبدو هنا طازجة إلى حد بعيد وعميقة.
في أحد الأفلام يقول رجل إعلام بارز، وهو يقدم درساً لمحاوره: مفتاح القصص الكبيرة ليس من، أو ماذا، أو متى مفتاح القصص الكبيرة لماذا؟
ويمكن أن نضيف نحن أيضا، مفتاح القصص الكبيرة هو: كيف, فعشرات الأفلام تدور حول الموضوعات ذاتها، بل إن مخرجين يمكن أن يتناولا سيناريو واحدا، فيقدمه الأول بصورة باهتة والثاني بصورة مبهرة، لأن كيف هذه ومعها لماذا ، هما اللتان تستطيعان أن تفعلا المعجزات.
لم يحقق فيلم أجنحة اليمامة معجزات كبيرة، لكنه استطاع أن يكون فيلما مؤثرا وصالحا للتأمل, فثمة ثلاث شخصيات تؤدي أدوارها بإتقان يدعو للإعجاب حقا، وخصوصاً الممثلة هيلين بونهام كارتر التي كنا شاهدناها في: غرفة على مشهد ونهاية هاورد وفرانكشتاين ماري شيلي وغيرها.
كما أن الموسيقي تلعب دورا حيويا كبيرا في الفيلم، سواء في الجزء الأول منه، أو الجزء الثاني، بعد ذهاب الأصدقاء في رحلة فينيسيا، التي تستأثر طرقاتها المائية والحفلات العامة في شوارعها على المشاهد تماما، خصوصاً وأن الرقصات تتصاعد على وقع موسيقي هي مزيج بين الموسيقى الشعبية الشرقية والموسيقى الغجرية.
لكن الذي يمكن أن يقال عن هذا الفيلم أيضا، إنه واحد من نماذج أفلام هزائم المنتصرين ، فلا مارتن الذي فاز بالثروة أخيرا، قد حقق له هذا الفوز شيئا، وهو يخسر حبيبته السابقة وحبيبته اللاحقة التي مرت كسهم في حياته واعادت له الإيمان بمبادئ مهددة بالانقراض، ولا كيت فازت رغم أن كل ما خططت له قد تم.
إنها حكاية أخرى لانتصار آخر تكتبه المأساة وهي تنتقم لذاتها من انتصارات موهومة بأن لها قدرة على الكمال، حتى لكأن كل نصر في النهاية يضمر داخله هزيمة من نوع ما، كالحياة التي كلما تفتحت حياة، أضمرت موتا وحثت خطاها إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.