خميس مشيط لؤلؤة الجنوب 1 / 6

عبدالعزيز بن مشيط أول أمير بعد استحداث الإمارة سنة 1380ه «موجان، خميس شهران، خميس بن حمران».. مسميات أطلقت على المحافظة قديماً سيارتا ابن مشيط وأبوملحة أول ما تجولتا في أحياء الخميس

حلقات أعدها: حسن علي غرامة - تصوير - محمد الشهراني
عبر حدود الوطن نتجه بكم هذا الأسبوع الى جنوب المملكة حيث الطبيعة الجميلة حيث خميس مشيط تلك المحافظة التي تعتبر لؤلؤة في عقد وطننا الغالي ومركزاً حضارياً وتجارياً هاماً رسمت معالمه من اهتمام ودعم حكومتنا الرشيدة على مدار سنوات شكلت ثمارها ما وصلت اليه هذه المحافظة من تقدم ورقي حالها كسائر محافظات المملكة.
من خلال هذه الأسطر التالية سنحاول القاء الضوء على محافظة خميس مشيط ونتطرق لشيء من خلال الجوانب المضيئة في تاريخ وتراث وحضارة هذه المحافظة التي تعتبر القلب النابض لمنطقة عسير ومركزها التجاري الأول فيما تحتل المركز الرابع تجارياً على مستوى المملكة.
خميس مشيط قديماً
كانت تعرف بأسماء متعددة منها موجان وخميس بن حمران ثم استقر اسمها على «خميس شهران» كونها حاضرة «قبيلة شهران» وسوقها الذي يقام يوم الخميس وفي العقود الأخيرة من القرن الهجري الماضي سميت «خميس مشيط» تعارفاً وتناقلا من اسم يوم سوقها واسم شيخ قبيلتها لتعريفها عن غيرها.
ولقد ورد ذكر المدينة في كتاب الهمداني، كما ذكر في الأحاديث ما جاء عن ذهاب أهل جرش الى المدينة المنورة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما دار بينه صلى الله عليه وسلم وبين أهل جرش عن وجود حرب في ديارهم وما ذكروا له أنهم من منطقة جرش قرب جبل «كشر» فصحح عليه الصلاة والسلام الاسم الى «شكر» والذي يسمى بهذا الاسم حتى الآن وهو جبل صغير غرب جبل ضمك المعروف في مدينة خميس مشيط ثم تعاقبت الممالك والحكام ولكن عدم وجود مصادر طبيعية ذات مردود مادي أو تجاري أدى الى عدم قيام حضارات مميزة خلال العصور القديمة كما ان الهجرة من المنطقة شكلت عبئاً كبيراً ومما زاد الأمر سوءاً كثرة الحروب القبلية وشح المياه.
قيام الدولة السعودية
ما أن قامت الدولة السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز حتى حظيت هذه المحافظة باهتمام شديد فانتشر العلم وبدأت عجلة التنمية تدور في شتى المجالات كما كان لموقع «خميس مشيط» أهمية كبيرة في جميع الغزوات السعودية جنوباً حيث كانت جميعها تعسكر في خميس مشيط ومنها معسكر الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي عند فتحه منطقة عسير وبعده عسكر الملك سعود ثم الأمير فيصل بن سعد ثم الملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمهم الله جميعاً.
وفي ميزانية عام 1380/1381ه صدرت الموافقة السامية الكريمة بإحداث إمارة شهران وبتشكيل مكون من أمير على المرتبة السادسة وكاتب واحد على المرتبة الثامنة «نظام قديم» وسائق وخمسة أخويا وسيارة واحدة. ومن ثم عين الأستاذ عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط «أميراً لشهران». وتغير مسماها الى «امارة خميس مشيط» ثم «محافظة خميس مشيط» ولا يزال الأستاذ عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط يشغل محافظ خميس مشيط حتى الآن.
الموقع
تقع محافظة خميس مشيط في قلب منطقة عسير في بداية السهول الشرقية لجبال السروات ومركزها مدينة خميس مشيط تبعد عن مدينة أبها حوالي «25»كيلومتر و«1018»كيلومتر عن عاصمة مملكتنا الحبيبة «الرياض» من الناحية الجنوبية الغربية وترتفع عن سطح البحر حوالي «2100»م تقريباً وتقع على خط طول «42» وخط العرض «18».
المساحة
تمتد محافظة خميس مشيط على مساحة «150» كيلومتراً من محافظة أحد رفيدة جنوباً الى محافظة بيشة شمالا ومن تثليث شرقاً الى مدينة الأمير سلطان «حجلا» غرباً على طول «130» كيلومتراً ومساحة مدينة خميس مشيط تبلغ حوالي «800» كيلومتر مربع بأبعاد هي «40» كيلومتراً طولاً و«20» كيلومتراً عرضاً.
فيما تنتشر المراكز التابعة لمحافظة خميس مشيط في المساحة الباقية وهي:
- مركز وادي بن هشبل: وهو يقع في الجهة الشمالية الشرقية لمنطقة عسير ويبعد عن خميس مشيط حوالي «25» كيلومتر تقريباً.
- مركز يعرى: ويقع الى الشرق من وادي بن هشبل.
- مركز خيبر الجنوب: ويقع الى شمال وادي بن هشبل.
- مركز تندحة ويقع الى الشرق من محافظة خميس مشيط على بعد «15» كيلومتراً.
وهذه المراكز تشهد العديد من مظاهر التطور وسنحاول القاء الضوء عليها من خلال حلقات قادمة ان شاء الله.
السكان
ينتمي الآن سكان خميس مشيط لجميع قبائل المملكة إلا أنها قديماً وحديثاً حاضرة «قبيلة شهران العريضة» والتي تمتد من خميس مشيط الى بيشة وشيخ شملها الشيخ حسين بن سعيد بن مشيط، وقبيلة شهران تضم العديد من القبائل بدءاً من جهة الجنوب الغربي متجها الى الشمال الشرقي وهي قبيلة بني ماجور تهامة شهران وقبيلة الجهرة تهامة شهران وقبيلة بني مالك شعف شهران وقبيلة المسفي وقبيلة بني جابرة وقبيلة القرعاء، قبيلة آل سرحان، قبيلة آل رشيد، وقبيلة آل غمر وقبيلة آل عجير وقبيلة آل حجاج، قبيلة بني سامة، وقبيلة الزلال، وقبيلة كود وقبيلة بني بجاد، وقبيلة ناهس، وقبيلة بني واهب، قبيلة بني منبه وقبيلة بني سلول وقبيلة الرمثين. هذا ويبلغ عدد سكان محافظة خميس مشيط الآن حوالي سبعمائة وخمسين ألف نسمة.
فن العمارة
تتشابه المنازل القديمة غالباً في شعف شهران ومدينة خميس مشيط وتندحة وما حولها في طريقة بناء المساكن قديماً والتي تعتمد على خلط «الطين والرمل والتبن» واستخدام الأسقف الخشبية والجراع والمنازل في غالبها متشابهة الأشكال يمتد البناء فيها الى دورين أو أكثر وتزين من الداخل بما كان يعرف «بالصهار» وتنقش الجدر في الغرف والمداخل بالنقشات الفنية الغاية في الجمال.
الأكلات الشعبية
تشتهر في محافظة خميس مشيط العديد من الأكلات شأنها في ذلك شأن جميع محافظات منطقة عسير ولعل أشهر المأكولات ما يلي:
1- العريك: وهو طعام يتكون من البر والسمن والعسل ويطهى ويقدم كوجبة رئيسية في اليوم وخاصة في الصباح ولا تزال العريكة تحتفظ بمنزلتها في قائمة المأكولات الرسمية لسكان خميس مشيط حتى الآن.
2- العصيدة: وهي تصنع من الذرة أو الشعير وتؤكل مع المرق أو اللبن وهذه الأكلة أيضاً مشهورة ولا زالت تقدم حتى الآن.
3- اللهيدة: وهي تصنع من القمح في الغالب وقوامها لين تخلط مع السمن والعسل وتقدم لكبار السن أو من يطلبها إلا أنها تبقى أكلة داخلية لا تقدم بشكل رسمي للضيوف.
كما أن هناك أكلات أخرى تشتهر في خميس مشيط لا يتسع المجال لعرضها ومن أهمها: الفته والجريش والمبثوثة والمرقوق والحنيني وغيرها.
ومن أواني الطعام المستخدمة ما يلي:
- البرمة: وهي قدر من الفخار يستعمل للطبخ.
- الجونة: وتصنع من السعف لحفظ الخبز ليبقى ساخناً.
الصجفة: وهي من أدوات تحضير الطعام.
العكة: يحفظ فيها السمن وتصنع من جلد الماعز.
الغضار: وتصنع من الفخار أو المعدن ويقدم فيها المرق ونحوه.
- بالاضافة الى: المنسف والمبرد والنجر ونحوها.
الحرف المحلية
صناعة الأخشاب والحدادة وصناعة الفخار وصناعة الجلود وصناعة المفروشات.
الزراعة
يتخلل محافظة خميس مشيط العديد من الأودية المهمة كوادي بيشة ووادي عتود ووادي تندحة وهذا ساعد على ازدهار الزراعة في المحافظة حيث كانت محاصيل البر والقمح والشعير والذرة أهم محاصيلها سابقاً ومع ما شهدته المحافظة من تطور في شتى مجالاتها ومنها الزراعي أصبحت تنتج الفواكهة والخضار وخاصة العنب والرمان وغيرها وهنا لابد من القاء الضوء على هذه الأودية التي تعتبر من المعالم البارزة في محافظة خميس مشيط.
الأودية:
وادي بيش:
تقع على حافتيه مدينة جرش فهو يتجه منحدراً من سراة عبيدة من الجنوب الشرقي ومعظم بلاد بني بشر وهذا فرع يسمى بعد اجتيازه قرى لزمة عند جبل حمومة يسمى «عنقة» والفرع الثاني هو الذي تنحدر منه سيول الشعف «شعف جارمة وخطاب من الفرعين» أيضا أحدهما يسمى «المربع» والثاني يسمى «واضي» ويجتمعان عند قرية المضيق من قرى أحد رفيدة ويتجهان في مجرى واحد يمر بأحد رفيدة حتى يلتقي بفرع نقة قرب قرى صفوان ومسيجل وجرش شرق المدينة العسكرية غرب جبل حمومة حيث تبدأ قرى شهران ومن هنا يتجه شمالا مسافة تقدر 15كم مارا بقرى «الرونة ونعمان والهرير والقبة والوقواق وذهبان والصفق والمثناة» حتى يمر من وسط مدينة الخميس ملتوياً عليها من الوسط حتى قرية الغرابة حيث يجتمع بصنوه في الضخامة وهو وادي عتود وهو غير وادي عتود الذي في تهامة الواقع بين وادي عرموم من الشمال ووادي بيض من الجنوب والذي ينحدر بقرب درجة 15-42 طولا و50-17 عرضاً متجها نحو الجنوب حيث يصب في البحر الأحمر جنوب الشقيق وشمال جيزان وهذا الأخير هو المعروف الوارد ذكره في كثير من الكتب.
وادي عتود:
والذي نعنيه هو الذي يجتمع بصنوه وادي بيشة في مدينة الخميس ويقوم عليه سد وادي عتود في الجنوب الغربي لمدينة الخميس ويستقبل سيول الشعف «شعف شهران وتمنية والمسقي والواديين» ثم يتجه شمالا بعد اجتماعه بوادي بيشة الذي احتفظ بالاسم بعد سلبه اسم وادي عتود وكذلك الحال في سائر الأودية التي يستقبلها وادي بيشة فتتلاشى أسماؤها بمجرد التقائها بوادي بيشة ثم يلتقي بعد ذلك بوادي ايتارة ثم وادي حجلا في موضع يسمى الخنقة ويستمر في اتجاه الشمال حتى يصب فيه وادي أبها المنحدر من الغرب أما الشرق فوادي ثنية كذلك وهذان الواديان تنحدر فيهما سيول جبل عسير وهكذا يواصل الوادي انحداره حتى يلتقي بوادي الجنفور المعروف بكثرة فواكه الرمان وغيرها ومن هنا يغير اتجاهه فيعود الى الشرق مارا بالموضع المسمى المقطاع حتى يلتقي بوادي تندحة الشهير وبعد مروره بوادي بن هشبل يتجه الى الشمال مسافة تقارب 200كم أو تزيد حتى يصب فيه سد وادي بيشة سد الملك فهد مستقبلا سيول سلسلة جبال السروات التي تقطنها قبائل بني عمر وبني شهر وبالاسمر «بني الأسمر» وبالأحمر «بني الأحمر» وعسير وشهران وبعض أودية قحطان هذا هو وادي بيشة الذي يخترق مدينة الخميس ويسلب أسماء الأودية التي تجتمع به ليحتفظ بالاسم في وادي بيشة الكبير.
وادي تندحة:
يقع شرق مدينة الخميس ويقوم عليه سد في أعلى تندحة التي تزيد عن 30 قرية في السابق تواصلت حاليا لتشكل مدينة تمتد على ضفتي هذا الوادي غربا من جبل مانع الذي يحد الوادي من الجهة الشرقية بطول 20كم تقريبا ويشتهر وادي تندحة بخصوبة تربته وتشتهر المزارع الواقعة على ضفافه بزراعة الفواكه وهي من أهم مصادر الفاكهة والخضار لسوق مدينة الخميس، هذا الوادي تنحدر سيوله من سراة عبيدة وما دونها حتى يتصل بوادي بيشة كما أوضحنا سابقا فيما بين قرية المعامل وقرية الرشداء أعلى قرية في وادي بن هشبل في موضع يسمى الخنق ويصب فيه من جهة الشرق قبل ان يلتقي بوادي بيشة أودية وشعاب كثيرة أشهرها وادي مجعل ووادي الأقرن بضم الهمزة ووادي الميثاء وقرى وادي تندحة يقطنها بعض قبيلة كود وتغطي حوالي النصف الشمالي وقبيلة آل الزلال وآل مستنير والمزارقة وبني سامة وآل عجير وآل الذيب.
الأحياء القديمة
كانت خميس مشيط عبارة عن بلدة صغيرة ممثلة في ثلاثة أحياء هي: الدرب - قمبر - عرق أبوملحة - يليها قرى عتود والمثناه وآل مشيط وذهبان والصفق والوقواق والوقبة وذلالة ونعمان والهرير والرونة وطيب الاسم وشباعة والعمارة. ولم تكن تعرف المنطقة سوى ثلاث سيارات الأولى للشيخ سعيد بن مشيط والثانية للشيخ عبدالوهاب أبوملحة أما الثالثة فكانت سيارة البريد التي تحضر بشكل دوري وكانت الطرق وعرة وغير معبدة.
الجسر الضيق والملك فيصل يرحمه الله
في ختام هذه الحلقة أردت أن أودعكم بقصة جميلة لا تزال تعيش في أذهان كبار السن في خميس مشيط ولكن لن أكون الراوي لها وإنما الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله بن بحير حيث نشر هذه القصة كاملة في احدى المطبوعات وأنا أنقلها لكم كما وردت يقول:
«ذات فجر من أواخر السبعينيات الهجرية - لم يكتبه التاريخ بعد - أشرقت الشمس دون وجود أثر لمدينة خميس مشيط. كبار السن من أهالي هذه القرية التي أصبحت اليوم ثالث مدينة تجارية سعودية يقولون أنهم دون سواهم شاهدوا المنازل والمباني تدور لأول مرة فقد جاءهم ما أطلقوا عليه سيل «جمعان» نسبة الى يوم الجمعة هادراً جارفاً معه مباني الطين والمزارع والشيوخ ومن شاءت إرادة الله أن يرحل معه أما البعض الآخر فخرج على صيحات الاستغاثة يحملون الأطفال فوق رؤوسهم ولا غير أنفسهم يملكون ربما هذا السبب جعل والدي الشيخ عبدالله بن جبران بن بحير - أمده الله بصحته وعافيته - كان الأجرأ وهو يقف أمام المغفور له - إن شاء الله - الملك فيصل بن عبدالعزيز يشرح له وقد كلفه الأهالي والأعيان بهذه المهمة «الجسر الضيق» الذي يربط شرق المدينة بغربها وكيف ان الأشجار التي جرفها السيل قد أغلقته فعاد الى المنازل والمزارع التي هي منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم بقايا ذكريات.
يتذكر والدي وفي كل مجلس الرغبة الجامحة في نفوس أهالي مدينة خميس مشيط للحديث عن وضع هذا «الكوبري» الذي أنشئ أصلاً من أجل شركة أهلية ويعتبر في ذلك الوقت عملاقاً وسط قرية صغيرة إلا أن الأهالي يكررون الحديث للوالد - وهو أكبرهم سناً - هذا الملك فيصل ولابد من الجرأة والتحضير لرفع شكوانا أمام جلالته.
والدي يحمد الله ان الملك فيصل لم يستقل الطائرة في تنقلاته وانه سيغادر من مقر اقامته في مدينة الملك فيصل العسكرية بخميس مشيط الى حضور الوجبة الرسمية التي أقامها نجله صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير ستكون بالسيارة وسيعبر شخصياً من فوق هذا «الكوبري» الذي قصم ظهر المدينة.
بعد خمسة أيام فقط جاء الأمر الكريم لمعالي وزير المواصلات وبدأ العمل الفوري لأهم جسر في تاريخ هذه المدينة».