الأستاذ الأديب محمد أحمد عيسى العقيلي غني عن التعريف، ولا أعتقد أن القارىء السعودي المطلع يجهل ما لهذا الرجل من جهود أدبية قيمة، وإذا ما أرخ للفترة الأدبية الراهنة فإن هذا الشاعر الكاتب سيحتل مكانة لن تكون عادية بحال، وهكذا كل مؤمن برسالة القلم، وقيمة الكلمة في البناء والتوجيه في هذا الوقت الذي تتحول فيه البلاد بتوجيهات الفيصل القائد من حال الى حال بخطى ثابتة متزنة، وايمان راسخ متين. في «فندق اليمامة» حيث كان يقيم خلال وجوده في الرياض جرى هذا الحديث القصير، فماذا قال الشاعر الكاتب في هذا الحديث؟! * أستاذ محمد قدمتم الى الرياض فمرحباً بكم، ولكن هل وراء هذه الزيارة انتاج أدبي جديد؟ - وصلت في زيارة خاطفة في طريقي الى لبنان لاجراء بعض الفحوص الطبية، ووجدت من كرم الاخوان وعنايتهم ما جعلني ان أمدد الوقت المحدد من ثلاثة أيام الى اثني عشر يوما وأخص بالثناء العاطر كل من تشرفت بزيارته في فندق اليمامة أو حظيت بدعوته الكريمة. * أعلم أنك زرت الرياض منذ أربع سنوات فهل وجدت الآن فارقاً، وما هي الوجوه التي برز فيها هذا الفارق؟ - ان الفارق بين الأمس واليوم في عاصمتنا العتيدة يفوق الحصر، وفي هذا العصر الفيصلي الزاهر نلمس كل أسباب التقدم والرقي في المملكة على وجه العموم وفي الرياض على وجه الخصوص، فالرياض قبل أربع سنوات هي اليوم تفوقها بالأمس، فعمائر تنشأ، ومعاهد تشاد ومصانع تؤسس مما يعجز مثلي في زيارة خاطفة ان يلم بحصرها. والحقيقة ان الرياض أصبحت في مصاف عواصم الشرق الأوسط إن لم تكن في مقدمتها. * نأتي الآن للأدب فنسألكم عن آخر انتاجكم الأدبي؟ - طبع مؤلفي الأخير الجراح بن مشاجر دراسة وتحقيق، وهو شاعر عاش في أول القرن العاشر الهجري، وكان ديوانه مفقوداً في البلاد العربية برمتها، وقد عثر الأستاذ حمد الجاسر على النسخة الوحيدة المخطوطة من ديوانه في مكتبة لندن، وقد تفضل حفظه الله وصورها، وقدمها هدية لي فقمت بما يجب من التكريم واحياء ذكرى هذا الشاعر المواطن، فاخترت من ديوانه ما يتفق وروح العصر، وقدمت ذلك بدراسة لحياة الشاعر وبيئته وعصره، كما عملت في مؤلفي القاسم ابن هتيمل، أما ما أنوي طبعه الآن فهو كتاب باسم «المعجم الجغرافي الحديث لجنوب المملكة» الثاني «الأدب الشعبي في الجنوب» والثالث «ديوان شعر باسم الأنغام المضيئة». * كيف ترون الأدب السعودي في مرحلته الراهنة؟ - الأدب السعودي في طور النمو، وهو لا يقل عن الأدب في البلاد العربية الشقيقة مادة واخراجا وانما يحتاج الى دور للنشر والتوزيع تسهم في اخراجه وتوزيعه في الداخل والخارج، فكثير من الأدباء نتاج قرائحهم راكد في رفوف مكاتبهم، وطبع يعوز ذيوع مؤلفاته التوزيع والتسويق والحكومة لم تدخر جهدا في تشجيع المؤلفين، بشراء كمية من كل مؤلف، وانما الأمر يتوقف على جمهور القراء. * أي ألوان الأدب تفضل قراءته: البحث، الشعر، القصة، المقالة؟ - انى نهم بالقراءة في جميع حقول المعرفة، واني قد خصصت ست ساعات للمطالعة في اليوم والليلة، والعلوم لها وشائج وأرحام ببعضها، فالكاتب، والشاعر والباحث يحتاج كل واحد منهم الى حصيلة طيبة في فروع المعرفة تعينه في مادة فنه، وهي ما يعرف بالثقافة، فأنا كشاعر وباحث ومؤرخ - كما يقال - مكتبتي زاخرة بالكتب والمراجع فتجدني بينما أطالع موضوعا في الشعر فاذا بي أتناول كتابا في التاريخ أو التراجم للتوسع في معرفة حياة الشاعر أو الشخص الذي قيلت القصيدة فيه، أو الموضع الذي وصفته القصيدة، فقد يتطلب تحقيق بلد الشاعر أو الممدوح أو الموقع الموصوف الى مراجعة كتب الجغرافيا الحديثة أو القديمة!! وقس على ذلك، مادة في الحديث أو التاريخ أو علم الاجتماع، أو الفلسفة فينقضي الوقت المخصص وكأني في روضة دانية الثمار مشرقة الأزهار، لا يسأم المتنزه في أرجائها. * هل أنت من المعارضين للشعر الحر أو المحبذين له ولماذا؟ - ليس في الشعر حر، ورق ونحن كعرب بل من صميم العروبة لنا أذواقنا الخاصة وتراثنا العتيد فالشعر العربي المعروف هو الشعر المقفى الموزون وهذا رأيي الخاص، «وللناس فيما يعشقون مذاهب». * ما هو رأيك في مستوى صحافتنا الآن؟! - صحافتنا، صحافة واعية رصينة تضارع الصحافة في الأقطار العربية الشقيقة وتقوم بدورها المشرف في التوعية والأمل ان تخطو خطوات سريعة مادة واخراجا وكما وكيفا لتصبح مدرسة سيارة للجمهور الذي أصبح يستهلك الكمية التي تطبع يوميا. * ما مدى مشاركتكم في نشر الوعي الثقافي في منطقة الجنوب؟ - لا أحب ان أكون كصاحب المثل المعروف «مادح نفسه يقرئكم السلام» فالجنوب والشمال من وطننا جزء لا يتجزأ، كذلك الشرق والغرب والنشاط الأدبي أسهم فيه بمجهودي الضئيل كأمثالي من حملة الأقلام، واسهاما في نشر الوعي الثقافي فقد قمت بتأسيس المكتبة العقيلية في جيزان، كما قام الزميل محمد السنوسي بفتح مكتبة باسم المكتبة العامة في جيزان وكلتاهما تسهم في نشر الثقافة في الجنوب وتغذية القراء بالكتب النافعة والصحف والمجلات، وما ذلك إلا بفضل الله تعالى ثم تشجيع الحكومة في كل عمل هادف وصالح لخير الجمهور. * هل توجد مطابع في جيزان؟ - هناك مطبعة واحدة باسم مطبعة جازان تقوم بطبع الأعمال التجارية ونرجو ان تكون نواة في المستقبل القريب لطبع الكتب النافعة دينيا ودنيوياً. * كيف ترى الأقلام الناقدة لدينا. وهل بمقدورها غربلة الانتاج المحلي واظهار محاسنه وعيوبه؟ - ان النقد لدينا لم يرتفع الى مستوى علم النقد في الغرب الذي ينصب على نقد الأثر الفني علميا فالنقد علم له قواعده وأصوله، ومع وجود النقد لدينا إلا أنه كثيرا ما يتجاوز نقد الأثر الأدبي الى الأشخاص وهذا شيء ملموس لا اعتقد اني اتجاوز الحقيقة فيه، والمأمول أن يخطو الخطوات الرفيعة التي تؤهله لأن يصبح نقدا علميا، تستفيد منه نهضتنا الصاعدة فيكون مادة تقويم وتوجيه يستفيد منه المنقود، ويرتفع به الناقد عن مستوى الهدم الى مستوى البناء.