عبدالعزيز بن سعود: مضامين الخطاب الملكي أكّدت اعتزاز المملكة بالمبادئ الراسخة التي قامت عليها    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10453) نقطة    جامعة الإمام عبدالرحمن توقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية السعودية للصيدلة الإكلينيكية    المملكة تقدم للعالم جدول فعاليات استثنائي بمشاركة كريستيانو رونالدو    انطلاق ورش العمل التخصصية لمؤتمر القلب العالمي 2025 بالرياض    أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة    أسواق الأسهم العالمية قرب أعلى مستوياتها معززة بأسهم التكنولوجيا    الفتح يغادر إلى جدة لمواجهة الاتحاد .. وباتشيكو ينضم للتدريبات    عقد ب 5.5 مليون ريال لصيانة شوارع البصر    فريق رواء الأمل ينفذ مبادرة "رتق" بالتعاون مع مركز ضماد الحرف الطبي بجازان    منتدى المشاريع المستقبلية 2025 يثمن دور «عين الرياض» الرائد في دعم قطاعات الأعمال والمؤتمرات والسياحة والاستثمار    غدا..إقامة الحفل الختامي لمهرجان ولي العهد للهجن في نسخته السابعة بميدان الطائف    " كريري" يزور المدخلي للاطمئنان على صحته بعد نجاح عمليته الجراحية    مدير مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير يرأس الاجتماع التحضيري للاحتفاء باليوم الوطني ال95    استمرار إنطلاقة مبادرة "إشراقة عين" بمركز الرعاية الأولية بالشقيق    محافظ الطائف يلتقي القنصل الامريكي رفيق منصور    250 مشروعا رياديا تتأهل إلى التصفيات النهائية لكأس العالم لريادة الأعمال بالرياض    نائب أمير منطقة تبوك يدشّن مشروع السكتة الدماغية الشامل بالمنطقة    أصالة الموروث الشعبي السعودي في فعالية تبادل الثقافات بالجامبوري العالمي    قمم منتظرة في أولى جولات دوري يلو    تركي العمار يواصل الرحلة... تجديد العقد حتى 2029    إسقاط 17 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نائب أمير منطقة عسير يتوّج المنتخب السعودي تحت 19 عامًا بكأس الخليج في نسخته الأولى    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    السعودية ترحب وتدعم انتهاج الحلول الدبلوماسية.. اتفاق بين إيران والوكالة الذرية على استئناف التعاون    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية المشاركة في تنفيذ الخطة العامة للطوارئ    أرامكو تصدر صكوكاً دولارية دولية    «الفطرية»: برنامج لمراقبة الشعاب المرجانية    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    وزير البيئة يناقش مستهدفات ومشاريع المياه المستقبلية    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي قوة الأمن الداخلي جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    هوساوي: أعتز برحلتي الجديدة مع الأهلي    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    العراق: الإفراج عن باحثة مختطفة منذ 2023    اليوم الوطني.. نبراس للتنمية والأمان    نائب أمير المنطقة الشرقية: الخطاب الملكي الكريم خارطة طريق لمستقبلٍ مشرق    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    فيلانويفا يدافع عن قميص الفيحاء    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    غوميز: مهمتنا صعبة أمام الاتحاد    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    سكان غزة.. يرفضون أوامر الإخلاء ومحاولات التهجير    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد ليس مأذوناً شرعياً يقوم بعقد القران بين القارئ والمادة الأدبية
عبدالله الغذامي يواصل حديثه عن الفكر والنقد والمشهد الثقافي«2-2»
نشر في الجزيرة يوم 03 - 10 - 2002

تحدث الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في الحلقة الماضية عن محنة المثقف العربي، وكيف يتسنى له مواجهة المآزق التي تمر بها الثقافة العربية الآن، وتناول نتائج المفاهيم التي تكرست في ساحتنا الفكرية لأكثر من قرن،
وبين اسباب تحوله من النقد الادبي الى الثقافي.. وفي هذه الحلقة يواصل الغذامي قراءته لصيرورة المشهد الفكري والثقافي العربي، ويشير الى ابرز خواص نهجه النقدي الجديد، والى قضايا الادب والثقافة والعلاقة المتوترة بين المبدعين والنقاد.
* ماهي مدى مصداقية النقد الثقافي في مواجهة ظواهر معينة كالظواهر الشعبية أليس النقد الاجتماعي او النفسي او الانثروبولوجي هو الاقرب لنقد هذه الظواهر؟
- لأصحابها هو الاولى، ولكن انا لست معنيا بهذا النقد الاجتماعي او الانثروبولوجي، ولا النقد النفسي، انا من اهل النقد الادبي في الاصل، واتحول من النقد الادبي الى النقد الثقافي الذي سيكون اضافة الى هؤلاء وليس ايضاحا لهم، قد يكون التحدي الحقيقي هو بين النقد الثقافي من جهة، والنقد الادبي من جهة اخرى، لانه ارتحال عن النقد الادبي فالنزاع سيكون بين الحقلين: الثقافي والادبي. لكن لن يكون نزاعا بين الثقافي والانثروبولوجي والاجتماعي والنفسي، لان هؤلاء اصلا عوالم مخدومة من اصحابها، من جهة وهي تقدم خدمة جليلة ومهمة، وهي مناهج اخرى، ونحن نقول بالتعددية والحوارية والاختلاف، ونقول: إن الرأي الواحد الذي يفرض آراءه على الآخرين هو خطأ حضاري وثقافي واحد، نحن نقدم بدائل موجودة ومعروضه لكي تكشف شيئا لم تكتشفه المناهج الاخرى، والتحدي الاكبر امام النقد الثقافي أن يثبت انه يستطيع ان يقول عن المادة المدروسة شيئا لا يمكن ان يقال الا عبر النقد الثقافي، وهو اذن وسيلة لكشف وإيضاح لا يتسنى الوصول الى هذه النتيجة الا عبره، اما لو حدث اننا نستطيع ان نصل الى النتيجة ذاتها عبر آلية اخرى فهنا يسقط النقد الثقافي ويصبح وجوده غير مبرر. وجود النقد الثقافي يصبح مبررا اذا أثبت انه وسيلة ضرورية للوصول الى تلك النتيجة، اما اذا كانت النتيجة يمكن الوصول اليها بطرق اخرى مختلفة فأنت لم تقدم شيئا.
سؤال قد يبدو سفسطائيا: عندما يدرس النقد الثقافي ظاهرة مثل «البلوت» او لعب الورق هل يدرسها لصالح النقد الادبي ام لصالح ظاهرة اجتماعية؟ اعني ايهما المستفيد اكثر هل هو النقد الادبي ام المجتمع؟
- لا هذا ولا ذاك، هو يدرسها بوصفها حالة ثقافية مثلما ندرس نصين للسياب او امرىء القيس ليس بوصفهما حادثة ادبية بل بوصفهما حادثة ثقافية، اذا كنا نجد في المادة المدروسة سواء لعب الورق او العرضة او رقصة من الرقصات او عادة من العادات او قصيدة: قفا نبك او قصيدة: أنشودة المطر او قصيدة: لا تصالح لأمل دنقل، اذا افترضنا ان الماثل بين يدينا هو حادثة ثقافية مثلما انه حادثة ادبية، واذا وصفناه بالحادثة الثقافية استطاع ان يعطي دلالات لا يعطيها في حال كونه حادثة ادبية حينئذ اضفنا شيئا الى النص نفسه والى الثقافة، والمنهج الذي طرحناه بوصفه نقدا ثقافيا استطاع ان يقدم شيئا لا يمكن الوصول اليه لو لم نفعل هذا. كمثال: حين قدمت دراستي عن:« تأنيث القصيدة»، عن قصيدة:« الكوليرا» لنازك الملائكة حادثة الشعر الحر لنازك الملائكة، هذه الحادثة درست كحادثة عروضية واجتماعية وحادثة في تاريخ الادب والابداع، لكن لم تدرس بوصفها حادثة ثقافية. حين درستها بوصفها حادثة ثقافية جاء معنى خاص لكون الفاعلة انثى، ولكون الحدث هو كسر لعمود الفحولة، هذه الامور ما كنا معنيين بها حين كنا نتكلم عن الشعر الحر وقصيدة «الكوليرا» بوصفها خروجاً على عروض الخليل، وبوصفها إبداعا وخطابا جديدا في الشعر، هذه كلها اسئلة غطيت في النقد الادبي، لكن اغفل سؤال المعنى الثقافي فيها، وهو ان الفاعلة انثى، وانثى تصارع فحولا، وتكسر عمود الفحول، بمعنى كسر فحولة عمود الشعر، وجرى تعود كسرها. ما الدلالات وراء ذلك؟ ومالذي سيجري للنسق الثقافي؟
- لاحظ هنا ان النقد الثقافي اضاف، واعطى بعدا جديدا ما كان من الابعاد المعني بها، وتصور معي ان قصيدة الكوليرا وحركة الشعر الحر ما من كاتب عربي - دعك من النقاد - الا وتعرض لهذه القضية لكن لم يسأل احد نفسه عن دلالة الفعل بوصفه حادثة ثقافية، النقد الثقافي هنا يقوم، وهنا جاءت اطروحتي عن تأليف القصيدة.
وكنت أشتغل على الشعر الحر منذ اكثر من 25 سنة، ولم اقل هذا الكلام قط، ولم أتنبه الى هذه النقطة قط وحينما شرعت في سؤال النقد الثقافي وصلت الى هذه الرؤية ووجدتها ماثلة امامي وبسهولة كبرى، فالنقد الثقافي هو بمثابة النظارة التي على عيني كانت تخدمك الى وقتك ثم تغير بصرك فلابد ان تغير النظارة لكي تبصر، فجاء وقت صارت نظارتك لا تجعلك تبصر وطلبت تغييرها فغيرتها، ثم اتتك نظارة جعلتك تبصر مالم تكن تبصره من قبل، فالنقد الثقافي هو نوع من النظارة التي على العينين التي تجعلك ترى شيئا لم تكن تراه من قبل.
* الا ترى ان هناك سوابق لمثل هذه الممارسة النقدية، دعنا من وجودها في السياق العربي، الا يمكن اعتبار ما طبقه رولان بارت من درس انظمة المطبخ الفرنسي نوعا من النقد الثقافي؟
- القضية هنا نعود مرة اخرى ونفترض ان الموضوع هو الذي يقرر المنهجية، المسألة العكس ليس مجرد دراسة ازياء او مطبخ يجعله نقدا ثقافيا، رولان بارت ما كان يسمي فعله بالنقد الثقافي، فهو سيميولوجي بدرجة قوية وبنيوي او ما بعد بنيوي لكن السيميولوجيا هي الاساس عنده، حتى إن كتابه:«درس السيميولوجيا» الذي اخذ مرجعا من مراجع البنيوية هو يحمل عنوان:« السيميولوجيا»، فبارت كان معنيا بالسؤال السيميولوجي وهو يتقاطع بشكل جديد مع النقد الثقافي لأن النقد الثقافي يتكىء على هذه الادوات ولا يلغيها، لكنه يحورها ويوظفها بطريقة مختلفة مثلما ان النقد السيميولوجي والبنيوي وظف المقولات النقدية القديمة منذ ارسطو والى اليوم وحولها بطريقة تنسجم مع منظومته المصطلحية، النقد الثقافي ايضا يقوم بتكوين منظومة مصطلحية ينتقيها بنفسه لا يبتكرها لكنه يستخرجها من مستخلصات كثيرة كنتيجة لخبرة طويلة ومداولة وممارسة ومعاناة مع الاشياء وتحويلها. هنا القضية ليست في الموضوع ولكن في المنهج ، لذلك لا يعني هذا ان النقد الثقافي لن يتكلم عن الشعر او عن القصة والرواية وقد اعطيتك مثالا منذ قليل عن قصيدة «الكوليرا» لنازك الملائكة وهي موضوع ادبي، لو اننا نظرنا اليه من زاوية النقد الثقافي تحول هذا الموضوع من ادبي الى ثقافي، والسؤال ايضا المهم ان الادب والنقد الادبي يعتني بجماليات المادة المدروسة، اما النقد الثقافي ففي الوقت الذي يسلم فيه بجماليات النص ينظر الى ما تحت جماليات النص وما وراء الرؤية الجمالية، لان الجماليات صارت من الامور المسلم بها، نحن لا نتجادل على جمالية نص ما، النص يفرض جمالياته لانها عملية ذوقية، لكن هل وراء الجمالية شيء، يعيب هذه الجمالية ذاتها. يجعل الجمالية معيبة، لا من حيث عيوب فنية او نقص في الاوزان والتعبيرات اللغوية هذه عملية ساذجة، وما ننظر نحن فيه فما تحت الجماليات، واستعرت انا استعارة كلمة «جميل» بمعنى الجمال وبمعنى «الشحم» في العربية، فالكلمة تحمل المعنيين، الخطاب يحمل البعدين: جميل وفيه شحم، الشحم ضاع.
هذه المسألة هي التي لا يعترف بها النقد الادبي مسألة وجود الخطاب. صحيح ان فوكو اشد من رولان بارت الذي اعتنى بالانساق وبوجود الخطاب، ففوكو اقرب للنقد الثقافي من بارت. لكن يظل النقد الثقافي ليس نسخة ولا وريثا ولا امتدادا. النقد الثقافي مشروع يستثمر المعارف الانسانية كلها، ولا يحيد شيء منها، ولا يلغي شيئا منها لكنه يستثمر العناصر لصالحه، ستجد انت في التكوينات المصطلحية هناك اشياء من اصول الفقه، وهناك اشياء من الحديث، وهناك اشياء من النقد النصوصي وهو خلاصة من نقد ما بعد البنيوية كله، يدخل فيه بارت وفوكو وادوارد سعيد وآخرون.
* ذكرت ان النقد الثقافي والادبي لديك يتكىء اساسا على اللغة، باعتبار ان الانسان هو اللغة واللغة هي الانسان، فما موقف النقد الثقافي من لغات اخرى مختلفة في الفن التشكيلي والعمارة والموسيقى؟
- هذه لغة.
- اليست اللغة حروفاً وكلمات؟
- لا. كل ماهو دال هو لغة. ولذلك الصمت نفسه لغة، الموت نفسه لغة. الصخر الجامد لغة. كل شيء تستخرج منه دلالة سواء كان في الملبس او طريقة الاكل او النكتة والاغنية او الحيوان، القريب والبعيد الغائب الحاضر. كل هذه لغة.
- هل يعني هذا ان النقد الثقافي يغطي كل هذه الاشياء؟
- لا. اللغة هي التي تغطي كل الاشياء، وليس النقد الثقافي. دعني اقل: ان اللغة هي التي تمثل كل ماهو دال.
- أقصد ممارسة النقد الثقافي؟
- النقد الثقافي هو يشتغل على المادة التي بين يديه، لا يعني ذلك ان هناك مواد لا يشتغل عليها النقد الثقافي، فالنقد الثقافي مهيأ للعمل على اي شيء.
- وهل يعني ذلك ان يكون الناقد عارفا بكل شيء؟
- الانسان بمفرده لا يستطيع ان يحيط بكل شيء. لكن كإمكانية ليس هناك حد في الممارسة النقدية.
- بمعنى؟
- بمعنى ان هناك شيئا نتطرق اليه وشيئا لا نتطرق اليه. المسألة مفتوحة، في السابق كانت هذه الحدود موجودة في النقد الادبي، بمعنى ان النقد الادبي لا يعنى بشيء ليس ادبيا. والادبي حينئذ سيعرف بالطريقة الرسمية، حتى الشعبي لا ينظر اليه على انه ادبي، كأن النقد الادبي صار مؤسسة وما تسميه المؤسسة ادبا فهو ادب، هذه القيود كانت موجودة في النقد الادبي والنقد الثقافي جاء اصلا لكي يكسر هذه الحدود.
* ماهي طاقة الناقد على ممارسة هذه النقود المختلفة، الا ترى ان هذه المسائل فوق قدرة الناقد؟
- ميزة العمل على مستوى النظرية ان الانسان يشتغل على نظرية بغض النظر عن الممارسات التي لا يستطيع الانسان خلالها ممارسة كل شيء، لكنه يستطيع ان يضع نظرية لأن النظرية كلية، وتطبق على اي شيء. طبعا لا يتسنى لفرد مثلما ان ارسطو وضع نظرية في المحاكاة او الدراما على اشياء محدودة جدا، لكن العالم بعده مارسوها على كل شيء. ميزة العمل على المستوى النظري انك تقوم بنظرية ذات قيمة كلية، والتطبيقات تبقى مفتوحة لك ولغيرك والانسان لا يعمل مشروعا لنفسه بل لثقافته وامته، وبالتالي يصبح هذا المشروع قابلا لأن يمارس وان يطبق من آخرين متى ما اقتنعوا به، وكذلك هو قابل لان يطور ويعدل ويبدل من آخرين.
* مع كل هذه الممارسات النظرية والتطبيقية والثقافية الا ترى العتب والغضب في وجوه الادباء؟
- الانسان لا يمكنه الغضب والعتب الا اذا كان يطلب الرضا والقبول والعالم اي عالم ليس هدفه رضا مجموعة من الناس، فبالتالي فإن غضبهم لا يؤثر في مساره الا على المستوى الانساني. على مستوى التعاطف الانساني والبشري انا لا الوم الشباب الذين لهم نصوص وكتابات ولا يجدون ناقدا معينا او نقادا يعتنون بهم واتفهمها على المستوى الانساني والاخوي، لكن على المستوى العلمي ليس هذا شيئا صحيحا، فلا نفترض ان يكون الناقد مأذونا شرعيا يقوم بعقد قران كل قارىء مع المادة، وليس مروجا او وسيطا تجاريا. انا أعتب على بعض الشباب انهم لا يدركون حقيقة موقعهم الثقافي والتاريخي، المبدع عادة اكبر من ان يضع نفسه رهينة لكاتب معين او كتاب آخرين، فالذي يفعل ذلك سيظل سجينا لهذا الكاتب اما لعطفه عليه او سيتصور انه وسيلته الى العالم، وهذا ليس صحيحا فالعلاقة بين المبدع والقراء هي علاقة مباشرة، فنزار قباني ومحمود درويش وامل دنقل، ومن قبلهم احمد شوقي وصلوا للقراء دون واسطة، ماذا فعل العقاد بأحمد شوقي هل استطاع ان يحجب اعجاب الناس به، لم يستطع، ماذا فعل النقاد بشعر ادونيس مثلا، هل استطاعوا ان يجعلوا ادونيس جماهيريا ومقبولا من الناس، كلنا ندرك ان ادونيس مدلل للنقاد هو الاسم المحبوب للنقاد لانه يعطي الناقد فرصا للتحرك العريض جدا، لكن الجمهور العربي قس قراءاته لنزار قباني - مع اعتراضاتي عليه - وقراءاتهم لادونيس مع محبتي له، فمحبتي هنا واعتراضاتي لا شأن لها بالجماهيرية من عدمه، اذن العلاقة الافتراضية ان نصي هذا لو كتب عنه النقاد لانتبه اليه الناس هذا غير صحيح ابدا، وخذ مثلا على ذلك. من اشتغل بالدعاية لامل دنقل ليس في مصر بل في العالم العربي ربما في مصر جرى اعتناء به من قبل النقاد، لكن كل الناس تقرأ امل دنقل، كما تقرأ نزار قباني مع ان النقد اشتغل ضده بشكل شديد جدا لكنه لم يستطع ان يحجبه. خذ شاعرا قديما مثل امرىء القيس او ابي تمام او المتنبي هل احد يسوق هؤلاء. يا اخي هؤلاء يسوقهم عملهم. العمل الجيد هو الذي يفتح الآفاق الى نفسك، ولما صدرت رواية ذاكرة الجسد لاحلام مستغانمي، انا كتبت عنها فصلا في احد كتبي وانا لم اعرفها، بل عرفتها بعد ذلك.لكن ما كان يهمني احلام مستغانمي من هي ومن اي مكان، بل ما يهمني هو ان اهناك نصا يتفق مع اطروحات بين يدي تلك اللحظة، ويخدم فكرة عندي وكان النص في وقته قويا وجيدا، وبالتالي هذه امرأة نكرة لا اسم لها على الاطلاق نصها هو الذي صنع لها اسما ولذلك تصورات الشباب غير صحيحة، بل هي تصورات ساذجة ومثالية وحالمة، كان الاولى ان يقولوا مثل الفرزدق: علي ان اقول وعليكم ان تتقولوا ، وقول ابي العتاهية: انا اكبر من العروض. المسألة بمثابة ضعف نفسي، ويرهنون انفسهم لشرط لن يتوفر ان يجلس الناقد ينتظر يوما بعد يوم اي ديوان واي قصيدة تصدر.. ماذا سيقول؟ سيقول: عظيمة ما بها ضعف، ولو انتقدها وقال كلمة سيئة فيها غضبوا وقالوا: هذا ناقد يحطمنا. الواقع بلغة اخرى وصريحة ومكشوفة، يريدون من يمدحهم، وهناك من يقول: ان النقاد لا يكتبون عنا، فمعنى هذا انهم يريدون من الناقد ان يشيدوا بهم. ويجب ان يعرفوا ان الاشادة لا تصنع جمهورا، وان الجمهور يصنعه النص الذي يستطيع الوصول الى الناس.
- احد الشعراء يقول: ان الغذامي يختار أسوأ النماذج الشعرية لتحليلها، مثل قصيدة:«حبلى» لنزار قباني، وقصيدة «عابرون في كلام عابر» رغم شهرتها فهي من اضعف شعر درويش حتى انه لم يضمنها في ديوان. فما رأيك؟
- من يقول هذا الكلام يقوله من منطلق النقد الادبي للنص الذي ينظر للنص بأنه شيء جميل. انا حينما اتحدث عن «عابرون في كلام عابر» او حبلى لنزار الذي كتبت عن نصوص عديدة له. هنا السؤال ليس عن النص انه جميل او غير جميل، هنا سؤال عن نقطة تتمحور حولها حادثة ثقافية من نوع ما لو جئنا لقصيدة «الكوليرا» لنازك الملائكة فلا أحد يقول: إنها قصيدة جميلة بل هي من أسوأ اشعارها وهي قصيدة ساذجة لكن القضية ليست في أنها نص جميل لكن الحادثة تتمثل في انها اول نص يكسر عمود الفحولة عن قصد، وهناك لا شك في ان هناك نصوصاً تسبقها، لكن كانت تحدث بالمصادفة او بمجرد التجريب لكن قصيدة «الكوليرا» جاءت كحركة واعية، ويعقبها تنظير، وولدت مع تنظير وارادة، هي قصيدة ارادة وتغيير، قصيدة تصدر عن وعي. فالمقصود هنا الوعي المتشابك معها. كذلك«: عابرون في كلام عابر»..
هذه القصيدة هزت المجتمع الاسرائيلي وهنا نتحدث عن لحظة فيها تغيير ذهني وثقافي،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.