في حضرة الأطفال وبين أيديهم، تغرر بنا أحجامهم الصغيرة وأصابعهم الدقيقة، وأحذيتهم التي تشبه أحذية الدُمى، وصخبهم وثرثرتهم التي لا تنضب. كل هذا يجعلنا نتسنم مقعداً سلطوياً تجاههم، ونفتتح دفاتر الأوامر والنواهي، والواجب والممنوع والجزر والمنع وجميع الطقوس التي نظنها فصلا من فصول التربية، ولكنها ليست إلا حُجباً منيعة تمنع عنا مناجم المعرفة وغابات الدهشة التي يمتلك مفاتيحها اولئك الصغار ذوو الاعين اللامعة المتقدة بالذهول الفرِح دوماً. وقد لا نكترث بطرقهم الناصعة المباشرة في التعبير عن انفعالاتهم المباشرة، تلك الطرق البعيدة عن «حربائية» الكبار وأقنعتهم وسبلهم المتعرجة. وقد يغيب عن بالنا ان نغرف من منجم الصبر الذي يجاور اصابعنا عندما يقرر طفل ان يسهر تلك الليلة فيقضيها إما في الصياح او النوم المتقطع، وسنكتشف عندها بأن مخلوقات الليل الحيية الخجلى ستقترب منا وستشاركنا الترفيه عن الصغير بكمٍّ وافرٍ من الأخيلة والاحلام وشخصيات الاساطير التي تومض وتنطفئ بين أيدينا بينما نحن منهمكون في حياكة بساط الصبر والسكينة الى ان يقرر الصغير الخلود الى النوم، عندها نكون نحن قد حظينا بكمٍّ وافرٍ من الحكايات المبهجة والخارقة ودرس صارم في الصبر. وبين أيدي الاطفال وفي حضرة مرابعهم سنكتشف بأن الدهشة هي اعظم أفراح البشرية، وستستيقظ بداخلنا فتنة الأسئلة من جديد، تلك الاسئلة التي استطاع المجتمع ان يدجّنها ويروّض مروقها باتجاه المألوف والسائد ويكمم أفواهها لسنين طويلة.. وستزدحم في المشهد بروق الأسئلة ووميضها.. تلك الأسئلة التي يجيد الاطفال وحدهم إشعالها. وبين أيدي الاطفال سنتعرف على أنبل اخلاق الفروسية والشهامة التي ترفض خناجر الظهر وسهام الظلام وعقارب العتمة، المواجهة مع الاطفال أسمى درجات الفروسية حيث نصاعة اليقين الواضحة التي تتسلق باتجاه الهدف عبر استقامة أقصر وأقرب الطرق. وبين أيدي الاطفال نكتشف تلك الشفافية الرقيقة ونتعلم من قدرتهم والحاسة السادسة الخارقة التي تحدد لنا بدقة الأشخاص من حولنا أولئك الذين يحملون ضمة الورد او الحراب المسمومة. كم يبدو بليداً جامداً كئيباً مقعد السلطة الذي يطِّوقنا بعصي المنع والنهي ويبعدنا ويقصينا عن المناجم العجيبة التي يقطنها الأطفال وحدهم. e-mail:[email protected]