اختطفت يد المنون في غضون الاسبوع الماضي عالماً من خيرة علمائنا العاملين وداعية من أنشط الدعاة إلى الله وناصحا من أفضل الناصحين في الله. ذلكم هو فضيلة الشيخ عبدالعزيز الشثري، عن عمر ينوف الثمانين عاما قضاها في عبادة ربه وخدمة دينه وأمته وبلاده. فقد ولد الفقيد يرحمه الله في حوطة بني تميم، وتلقى العلم على عدة مشايخ نذكر منهم ولا نحصر الشيخ سعد بن عتيق، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ عبدالله بن راشد، والشيخ عبدالله بن حسن. واشترك يرحمه الله في عدة غزوات مع الملك عبدالعزيز يرحمه الله كان فيها المجاهد بسيفه ولسانه، بما ينشره من علم، ويبثه من نصح ويسديه من ارشاد. ثم تولى القضاء في الرين عام 1336ه، فكان الى جانب عمله القضائي يعد حلقة تدريس تضم مجموعة كبيرة من الطلبة في وقت لم تكن وسائل العلم سبيلا الى تلك الجهة. وكان يرحمه الله مثالا كريما ونموذجا حياً للعلماء العاملين تقوى ونزاهة وصراحة وكرما وشهامة ونبلاً وسلامة صدر ودماثة معشر وحسن خلق، وقد مكث في (الرين) 36 عاما كان فيها قاضيا ومعلما ومرشدا ومفتيا ومحسنا. وكان يرحمه الله أحب المجالس اليه، المجالس التي تضم الفقراء والمساكين، فكان بيته مأوى لكل محتاج وذي متربة. وكان يرحمه الله فيئاً يلوذ به صاحب الحاجة والمظلمة، فيبادر الى مد يد العون والمساعدة له بما له من جاه مرموق ووزن ثقيل لدى ولاة الأمر الذين يقدرونه قدره ويعرفون فيه صدق المقصد وخالص الغاية. وفي عام 1372ه نقل إلى الرياض للتدريس.. وبقي فيه حتى انتقل الى رحمة الله وقد قام يرحمه الله بطبع عدة كتب نذكر منها (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) لشيخ الاسلام ابن تيمية، وجمع عدة رسائل طبعها على حسابه الخاص. وقد أحس يرحمه الله بالمرض أواخر شعبان، ولما دخل رمضان سافر الى مكة للصيام فيها كعادته إلا أن وطأة المرض اشتدت عليه فعاد إلى الرياض. ولما علم جلالة الملك حفظه الله بذلك أصدر أمره الكريم بسفره الى لندن للعلاج حيث فاضت روحه إلى بارئها هناك ليلة الاثنين الموافق 17/9/1387ه. ونقل جثمانه الى الرياض حيث دفن فيها وصلى عليه جمع غفير على رأسهم جلالة الملك حفظه الله، وأقيمت عليه صلاة الغائب في مدن وقرى المملكة رحمه الله رحمة واسعة. ونحن إذ نواري أبا ناصر التراب لا نملك الا أن نسفح دمعة سخينة، وان ننفث زفرة حرَّى على فقده، وأن نسأل الله أن يلهم الجميع فيه الصبر، وأن يحسن لهم العزاء.