اكتسبت اجتماعات اللجنة الرباعية التي عقدت بنيويورك بحضور وزراء خارجية أمريكا وروسيا والدانمارك وممثلين عن الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة أهمية كبرى خاصة وانها تمثل الاجتماع الأول بعد خطاب الرئيس الأمريكي بوش الذي تخلى فيه عن عرفات ووضع فيه الأمن الاسرائيلي والاصلاح الفلسطيني شرطين للتحرك السياسي نحو اقامة الدولة الفلسطينية. جدل حول عرفات كانت اجتماعات الرباعية قد شهدت خلافاً حول مصير الرئيس عرفات، وحمل باول في الاجتماعات وجهة النظر الأمريكية المتشددة تجاه عرفات والتي تضع اقصاءه شرطاً لتنفيذ ما جاء بالرؤية الأمريكية حول عملية السلام وتطالب بقيادة بديلة له وعدم التعامل معه، وهو الموقف الذي لم يلق ترحيباً من جميع الاطراف المشاركة في الاجتماع والذين اكدوا انهم مازالوا يعترفون بالرئيس عرفات وانهم ملتزمون بالتعامل معه حتى يقرر الفلسطينيون غير ذلك وان اختيار الفلسطينيين لقائدهم هو حق سيادي لهم وحدهم.ويبدو أن الضغوط الدولية والعربية التي واجهتها واشنطن في مسألة اقصاء عرفات إلى جانب جدية الاصلاحات التي بدأها الرئيس الفلسطيني قد أثرت إلى حد ما في تغيير الموقف الأمريكي من اقصائه وربما ايضاً لان كل التوقعات تشير إلى أن عرفات سيفوز على الارجح في الانتخابات الفلسطينية التي أعلن رسمياً أنه سيرشح نفسه فيها، فقد ذكرت مصادر أن باول حاول خلال اجتماعات اللجنة الرباعية تسويق استراتيجية أمريكية تقضي بتهميش دور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ولكن دون استبعاده تماماً، وتقوم هذه الاستراتيجية على أساس تعيين رئيس وزراء فلسطيني يملك السلطة مع بقاء عرفات رئيساً يتمتع فقط بصلاحيات فخرية فقط. الرئيس الأمريكي بوش تجاوز الخلافات حول مصير عرفات التي طغت على اجتماعات الرباعية واعلن بعد ساعات من انتهائها بأنها احرزت تقدماً متواضعاً ومهماً وقلل من أهمية الخلاف حول عرفات مجدداً اتهامه له بأنه خيب تطلعات الفلسطينيين ومعتبراً أن المسألة أكبر من شخص عرفات. واشتد الخلاف حول مصير عرفات في الاجتماع الذي عقدته اللجنة مع وزيري خارجية مصر والاردن وسفير المملكة لدى الأممالمتحدة فوزي الشبكشي وحاول الوزراء العرب تفادي المأزق الذي تحاول واشنطن وضع الاجتماع فيه بحصره في مسألة مصير عرفات واهمال القضايا الاخرى، حيث أكد وزير خارجية الاردن مروان المعشر أن القضية الاساسية ليست شخصية عرفات وانما هي الاحتلال وأن المطلوب هو العمل من أجل احراز تقدم تجاه انهاء الاحتلال دون التركيز على الشخصيات وانما على «القضايا» وأكد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر هذا الموقف بقوله ان مواقفنا من الرئيس عرفات معروفة للجميع واكد أن هذه المسألة ينبغي الا تمنعنا من العمل من أجل تحقيق السلام والأمن لكل شعوب المنطقة.وجهة النظر العربية هذه تتفق مع رؤية بعض المحللين الذين يريدون ضغط كل من واشنطن وتل ابيب في مسألة التعامل مع عرفات محاولة لاحداث فراغ سياسي في فلسطين وتعطيل العملية السلمية وصرف النظر عن القضايا الاساسية، ويرى الوزراء العرب وفق ما أكدته تصريحات المعشر أنه إذا تم الاتفاق على خطة الاصلاح في الاراضي الفلسطينية بشكل واضح وتم تنفيذها بشكل جدي وهو ما يتم حالياً من قبل الجانب الفلسطيني، قد حاول الوزراء العرب خلال اجتماعهم مع بوش أن يؤكدوا على نفس الرؤية وأهمية احترام ارادة الشعوب في اختيار زعمائها. الأمن والإصلاحات كذلك شهدت اجتماعات الرباعية خلافاً حول أولويات النزاع الفلسطيني الاسرائيلي خاصة فيما يتعلق بالجوانب الامنية كشرط أولي تضعه الرؤية الأمريكية لتحقيق أي تقدم في الجوانب الاخرى من النزاع خاصة أن باول شدد خلال الاجتماع على منح المسألة الأمنية الأولوية قبل أي محاولة لاستئناف مفاوضات السلام وقبل احراز أي تقدم على الصعيد السياسي والاقتصادي، في حين أكد الوزراء العرب ومعهم ممثلو الاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة على ضرورة وضع خطة متكاملة تجمع بين الأمن واصلاح المؤسسات الفلسطينية والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين تسير جميعاً جنباً إلى جنب وإلا فلن يحدث التقدم ابداً نحو عملية التسوية وتحقيق السلام. ولاشك أن هذه المواقف في مواجهة الموقف الأمريكي المتشدد هي اقرب ما يمكن إلى الواقع والمنطق، فقد اثبتت كافة التجارب العملية أن الأمن مرتبط اساساً بالحل السياسي ومن الصعب أن يجري الحديث عن توفير الأمن الاسرائيلي أولاً فيما يقوم الجيش بكل ممارساته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني دون مراعاة لأي اعراف أو قوانين دولية. ولعل ما أعلنته الإدارة الأمريكية من ترحيبها بإجراء انتخابات فلسطينية في ظل الاحتلال الاسرائيلي هو أمر خطير ولا يتناسب مع أبسط مظاهر الديمقراطية التي تنادي بها أمريكا، فكيف تطالب واشنطن السلطة الفلسطينية بتنفيذ خطة الاصلاحات متناسية أن الديمقراطية لا توجد في ظل جبروت وسيطرة الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما يجعل من النظرية الأمريكية التي تحدد الأمن شرطاً لبحث باقي المسائل مجرد أوهام.وقد اثبتت النظرية الأمريكية فشلها بالفعل بعد وقوع العملية الفدائية في مستوطنة عما نوئيل بنابلس التي ألقت بظلالها على الاجتماع ويبدو أنها قد ساهمت في تغيير الموقف الأمريكي المتشدد بالفعل، ولم يستطع باول اخفاء هذا التغيير حينما قال: «أتمنى أن يتحقق تقدم على كل المسارات وبالتوازي حتى نحصل على سيطرة أفضل على النواحي الأمنية أولاً، وواجه موقف باول تشدداً من جانب الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي أكد على ضرورة حدوث تقدم على كل الاصعدة جنباً إلى جنب مع الجوانب الأمنية، ولاقى هذا الموقف تأييداً من الآخرين خلال الاجتماع، وركز الوزراء العرب على اقناع الاطراف المشاركة بأن هناك قيوداً مالية وسياسية تحد من محاولات الاصلاح الفلسطينية في ظل غياب أي تحرك من الجانب الاسرائيلي وأنه ليس من المعقول أن تصر الإدارة الأمريكية على بروز قيادة جديدة واصلاحات كشرط لبدء المفاوضات وفي نفس الوقت لا تمارس أي ضغط على اسرائيل لتخفيف الحصار والانسحاب من الاراضي المحتلة، وأكد الوزراء أن الانتخابات الفلسطينية لا يمكن الاستعداد لها واجراؤها مع بقاء الفلسطينيين محاصرين داخل منازلهم تحت الاحتلال العسكري الاسرائيلي وحظر التجوال. إلى ذلك اتفق المشاركون في اجتماعات الرباعية على تشكيل فريق بقيادة الولاياتالمتحدة يتوجه خلال الاسبوعين المقبلين إلى الاراضي الفلسطينية من أجل مساعدة السلطة على اعادة تنظيم قواتها الأمنية، واتفق ايضاً على أن يواصل فريق دولي آخر للعمل على القضايا الانسانية والاقتصادية لمساعدة الفلسطينيين، ووضع البيان العام للاجتماع خطوطاً عريضة لاحياء عملية السلام واقامة دولة فلسطينية على أساس قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية ورحب البيان ببرنامج المائة يوم الفلسطيني للاصلاح واستعداد الدول الاقليمية والمجتمع الدولي لمساعدة الفلسطينيين في تنفيذ الاصلاحات. الرباعية الأمريكية وفي الوقت الذي لاقت فيه نتائج اجتماعات اللجنة الرباعية ترحيباً من لاوساط السياسية واجهت هذه النتائج انتقادات عدة واتفقت معظم الاراء على أنها قدمت جهداً متواضعاً في طريق تحقيق السلام وهو ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي بوش نفسه في حين رأى الفلسطينيون أن البيان الختامي الصادر عنها جاء مشجعاً ومتوازناً لكنهم اكدوا افتقاده لآليات ملزمة وجدول زمني. اجتماعات الرباعية لم تعد كونها محاولة من أجل وضع برنامج عمل يترجم الافكار التي طرحها بوش في خطابه وانها حاولت أن تجعل من رؤية بوش رؤية دولية بكل ما فيها من تناقضات خاصة وأنها جاءت بدعوة أمريكية في الاساس، وفسر المحللون عجز الاطراف المشاركة عن وضع عملية ملموسة بأن اجتماعات الرباعية كانت محدودة بالسقف الأمريكي الذي انخفض مستوى المعقولية والعقلانية فيه. واشار هؤلاء إلى أنه كان مطلوباً من الرباعية أن تنبه اسرائيل والقوى الدولية المؤثرة إلى أن عليها أن تنفذ التزاماتها لأن الالتزامات ليست على الفلسطينيين وحدهم كما أن الانتخابات والاصلاحات لا يمكن أن تتم في ظل استمرار الاحتلال أو أن تصدر اللجنة توصيات فاعلة لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني ودفع دور المجتمع الدولي في تسهيل المرحلة الانتقالية إلى الدولة الفلسطينية بما في ذلك وجود تمثيل دولي على الأرض يتفق عليه سواء في شكل قوة دولية أو في أي شكل آخر له فاعلية مما يشكل حماية للفلسطينيين خلال المرحلة الانتقالية من عمليات التوغل الاسرائيلي واعادة الاحتلال تحت أي سبب وتكون النتيجة في النهاية اعادة الوضع إلى نقطة الصفر.