بدأ الكبار بالهروب من عالمهم الجاف إلى عالم الأطفال البريء الساذج الذي يحتاجونه. لقد امتلأت حياتهم بالدجل والأنانية وحب المادة الى الدرجة التي نزلوا فيها إلى مستويات الأطفال في تفكيرهم، وهو شيء ايجابي اذا كان في ذلك عودة إلى البراءة والحب الذي يتميز به عالم الأطفال. لم تعد كتب الأطفال خاصة بالأطفال فقط، بل اتضح أن هناك اطفالا كبارا بدؤوا بمزاحمة الأطفال الصغار في الحصول على مثل هذه الكتب وقراءتها. هذا الاستنتاج لم يأت من فراغ وانما جاء كنتيجة لمتابعة ما يحصل في الساحة الأدبية في هذا العالم حيث حققت كاتبة اسكتلندية نجاحا لم يكن يخطر ببالها حيث باعت حتى شهر ديسمبر الماضي أكثر من 100 مليون نسخة لكتبها الأربعة التي صدرت حول شخصية هاري بوتر. ليس الأمر فقط يتعلق بالعائد المادي للكتب وانما ذلك الربح الخيالي الذي كسبته هذه الكاتبة من جراء تحويل نصوصها الأدبية هذه إلى أعمال سينمائية حيث حقق ومازال فيلم«هاري بوتر وحجر الفيلسوف» والذي يتناول الجزء الأول من روايات هذه الكاتبة نجاحا ساحقا لم تتوقعه هذه الكاتبة الاسكتلندية لكتبها المخصصة اصلا للأطفال. الكاتبة، وهي جي. كي. رولينق، انتهت مؤخرا من كتابة الأجزاء الستة الباقية من سلسلة هاري بوتر. وقد بدأ فعلا انتاج الفيلم السينمائي لكتابها الثاني والذي سيطرح في دور العرض السينمائية في نوفمبر القادم، مما يعني أن الكاتبة قد حققت نجاحا ساحقا من أول عمل روائي لها، وهو أمر نادر الحدوث ولم يخطر ببال أحد. لم يقف الأمر على ترجمة أعمالها سينمائيا وانما امتد الى تحويل بعض ما ورد في العمل الروائي والسينمائي إلى هدايا تبيعها آلاف المحلات التذكارية في العالم، هذا بالاضافة إلى ما ينتظره هذا العمل من ترويجه إلى اسطوانات رقمية وأشرطة فيديو لاحقا. هذا الفيلم يقع حتى الان في المرتبة الثانية كأفضل فيلم في التاريخ بعد تيتانك من حيث عدد المشاهدين والوقت أمامه لكي يحطم هذا الرقم. رغم انه يتعرض إلى منافسة شديدة من فيلم سينمائي آخر هو سيد الخواتم الذي سجل الان أرقاما قياسية في دور العرض العالمية. المثير للتساؤل ان الفكرة الرئيسة لهذا الفيلم تدور حول قصة اطفال بطلها هو طفل في الحادية عشرة من عمره يذهب إلى مدرسة تعلم السحر وهناك يصادف العديد من العقبات والتحدي في رحلته نحو البحث عن حجر الفيلسوف الذي يعتبر أكثر كمالا من الذهب وباستطاعته تحويل أي معدن رخيص إلى الذهب. هذه الفكرة التي كانت تخاطب الأطفال وأبطالها أيضا مجموعة من الأطفال الموهوبين جذبت ملايين المشاهدين من الكبار، وأجبرت الكاتبة إلى اصدار سبعة كتب أخرى سيكون الكتاب الثاني منها محور الفيلم القادم الذي سيرصد المشكلات التي يواجهها هذا الطفل وزملاؤه في سنته الثانية في تلك المدرسة الشيطانية. ومن السخرية بمكان ان نعرف أن العمل الروائي للكاتبة في جزئه الأول صدر بغلافين مختلفين احدهما خاص بالأطفال والآخر جاء بغلاف عادي حتى يتسنى للكبار من قراءته دون حرج في الأماكن العامة. من المدهش أن تحقق هذه الكاتبة هذا النجاح الساحق من أول عمل روائي بل انها كانت معدمة وفقيرة جدا لاتجد ما يساعدها في العيش مع ابنتها الصغيرة، بل انها لم تكن تحلم أن يصدر لها عمل روائي في كتاب، ثم فجأةتحقق مفاجأة مدوية ويتصدر اسمها مئات الجرائد والمجلات، ويتصدر كتابها قوائم أفضل الكتب مبيعا، وتتهافت عليها دور النشر العالمية في أمريكا وأوروبا لنشر كتبها. الشيء المثير للدهشة أن دور السينما صنفت هذا الفيلم تحت عنوان PG أي ضرورة اصطحاب الطفل لأحد والديه عند مشاهدة الفيلم وهذا نابع من التغيير الذي أحدثه منتجو هوليوود على الكتاب الى الدرجة التي استخدمت فيه بعض المشاهد المرعبة أو اللغة الجارحة أحيانا. لكن، عند مشاهدة الفيلم من وجهة نظر عربية، فان التساؤل الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن أن يتحول مثل هذا العمل المخصص للأطفال اصلا إلى ما يشبه الأسطورة؟ هل انسان هذا العصر يهرب من الواقع المرير إلى عالم الأحلام والقوى الميتافيزيقية؟ أم أن الأمر فقط هو سحر أطفال وبراءة، ليس إلا!.