عندما بزغ فجر أحد أيام السبت مؤخرا في المقر الدولي للأمم المتحدة، كان المندوبون المتعبون قد أنهوا أياما وليالي من المحادثات دون أن يتفقوا على النسبة التي يتعين أن تخصصها الدول الغنية لتمويل التنمية في البلدان الفقيرة، وسوف يقومون بمحاولة جديدة الشهر القادم في مونتيري بالمكسيك حيث سيحضر قادة عالميون بينهم الرئيس الأمريكي جورج دبليو. بوش المؤتمر الدولي لتمويل التنمية المقرر أن يعقد في الفترة 18 22 آذار /مارس القادم. وسيواجه المؤتمر تحديا رئيسيا يتمثل في مضاعفة المبلغ الحالي وقدره 50 مليار دولار تخصص سنويا على المستوى العالمي لإقراض مشروعات التنمية أو إعطاء منح للعمل الإنساني، وهذا الرقم مستمد من حقيقة أن الحكومات تخصص 33.0 في المائة من إجمالي ناتجها القومي السنوي لهذه الأغراض، بيد أن هذه النسبة انخفضت في السنوات الأخيرة. وسيحاول المؤتمر الفوز بتعهد من جانب الدول الغنية بتخصيص 7.0 في المائة من إجمالي ناتجها القومي السنوي لمشروعات التنمية في البلدان الفقيرة، وهو واحد من أهداف اجتماع القمة وستكون التجارة والفقر والديون والدخول إلى الأسواق والضرائب العالمية بين القضايا الأخرى التي سيبحثها المؤتمر، ويرافق بوش في المؤتمر وزير خارجيته كولين باول ووزير الخزانة بول أونيل. ويقول مسؤولو الأممالمتحدة إن حضور الثلاثة إذا حدث بالفعل وسيمثل دعماً للمؤتمر، ومن المتوقع أن يكون حضور الحكومات الأوروبية قويا حتى تضمن ألا تهيمن الولاياتالمتحدة التي اشتهرت بالشح في تمويل مشروعات التنمية على جدول أعمال المؤتمر. وكانت الجهود التي تستهدف إقناع الدول الصناعية بتخصيص النسبة المأمولة (وقدرها 7.0 في المائة من إجمالي ناتجها القومي السنوي) والتي يطلق عليها مساعدة التنمية الرسمية قد بدأت قبل 32 عاما، وفيما عدا دول شمال أوروبا الخمسة الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد، فإنه ما من بلد آخر وصل إلى الرقم المستهدف، وتخصص الولاياتالمتحدة لهذا الغرض 22.0 في المائة فقط من ناتجها القومي الإجمالي السنوي، وإذا ما وافقت دول غنية أخرى على النسبة المستهدفة 7.0 في المائة، وهو الأمر غير المرجح، سيتوافر مبلغ يتجاوز بكثير حاجز ال100 مليار دولارسنويا لتمويل حزمة من البرامج من بناء المدارس والجسور وحتى خفض حدة الفقر. وقد صار البحث عن عشرات المليارات من الدولارات لتمويل البرامج الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية أشد صعوبة حيث تركز الولاياتالمتحدة، المانح الرئيسي، على الإنفاق الدفاعي وحملة مكافحة الإرهاب، وتوجه كوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة مؤخرا إلى واشنطن لمناشدة إدارة بوش والكونجرس زيادة مبلغ ال500 مليون دولار الذي وعدت أمريكا بمنحه لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) وفيروس إتش.آي.في. المسبب له، وسيحتاج عنان إلى 10 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2005، موجود منها ملياران اثنان فقط حتى الآن في حساب الصندوق الدولي لمكافحة الوباء الذي حصد أرواح أكثرمن 22 مليون نسمة منذ مطلع الثمانينات، ويوجد الآن نحو 40 مليون شخص حامل لفيروس إتش.آي في. مختلف أنحاء العالم، ومع ندرة الموارد المالية منذ هجمات 11 أيلول /سبتمبر الإرهابية في الولاياتالمتحدة، قال عنان إنه رغم ضرورة حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها واشنطن، فإنها لم تقض على الفقر أو الجهل أو المرض. وأضاف عنان: «إن العكس ربما كان صحيحا». ويعتقد عنان وكثير من مسؤولي الأممالمتحدة، ان مليارات الدولارات التي يحتاجونها لأغراض غير عسكرية يمكن تدبيرها إذا ما تحلت الحكومات بقدر أكبر من الجدية حيال مساعدة الفقراء، وهم يرفضون العبارة المستهلكة بأن الفقر والظلم الاجتماعي يفرخان الإرهاب، لكنهم يقرون بأن مساعدة وتعليم الفقراءربما يخلصان العالم من أوجاعه إزاء قضايا مثل الإرهاب، تقول السفيرة السويدية روث جاكوبي التي شاركت في رئاسة اجتماعات الإعداد لمؤتمر مونتيري: «سأكون في غاية السعادة وإن كنت سأشعر بقدر من الدهشة» إذا ما وافقت الدول الغنية على الوفاء بتحدي ال100 مليار دولار لتمويل التنمية. وأعربت جاكوبي عن أملها في موافقة الحكومات على الأقل على زيادة كبيرة في حجم ما تقدمه من مساعدات من ناحيتي الكم والكيف، وتوجيه الأموال إلى أكثر البرامج كفاءة في الدول النامية. وقالت جاكوبي إن هدف الوفاء بمساعدات التنمية الرسمية في الدول الفقيرة يحظى «بتأثير معين ومهم» على الجماهير في السويد، بيد أنه حقيقي أيضا أن شعب السويد مثل كافة شعوب الشمال الأوروبي، محمل بأعباء ضريبية ضخمة على الدخل يستخدم جزء منها من قبل حكومتهم في مساعدات التنمية الرسمية. وتقول: «إذا كنا جادين بشأن تحقيق أهداف إعلان الألفية الصادر عن الأممالمتحدة، فإن علينا زيادة حجم مساعدات التنمية الرسمية، ولكن المحزن أن حجم تلك المساعدات في تراجع». وكانت الحكومات قد وافقت في إعلانها الصادر عام 2000 على ضرورة الوفاء بسلسلة من الأهداف في القرن الحادي والعشرين، إحداها تقليل حجم الفقر إلى النصف ووقف أو التصدي لانتشار مرض الايدز وفيروس اتش.آي.في. بحلول عام 2015، وتحقيق هذه الأهداف يتطلب عشرات المليارات من الدولارات غير المتوافرة لدى الأممالمتحدة. وقال عنان إن ال10 مليارات دولار المطلوبة سنويا لمكافحة الوباء، مطلب معقول وان الحكومات تستطيع الوفاء به.