لماذا لاتخصص مواد عن السياحة والآثار في قسم التاريخ والجغرافيا بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم؟ لقد أحببت أرض القصيم، وجعلت منها ميداناً لدراسات حقلية، وعنيت بالكثير من معالمها الجغرافية والأثرية والحضارية، وكنت قد أصدرت قبل ثلاث سنوات كتابا بعنوان (أرض القصيم) يتناول معالم القصيم الطبيعية والجغرافية، وكنت إبان إعدادي لهذا الكتاب وزياراتي الميدانية لبعض المواقع قد لفت نظري آثار المنطقة بكثرتها ورونق تخطيط وعمارة الكثير منها، فعزمت على ان أقوم بالكتابة عنها ولاسيما أنني لم أجد من عني بها من الدارسين والباحثين عناية تامة. كما كان لصاحب السمو الملكي/ الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم حفظه الله الذي يولي المنطقة جل اهتمامه وعنايته، وكان لحرصه الدائم ومتابعته المتواصلة وحبه للعلماء والباحثين ولاسيما المهتمين بتاريخ وحضارة المنطقة الأثر في دفعي معنويا لتحقيق تطلعات سموه فجاءت فكرة الكتابة عن آثار المنطقة ومن ثم تخطي العقبات التي واجهتني. كما كان لساعده الأيمن في المنطقة صاحب السمو الملكي/ الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم حفظه الله الأثر الواضح في الكتابة عن الآثار وذلك من خلال اهتمامه بآثار المنطقة، وعلى تشجيعي المتواصل على ما أقوم به من درسات وأبحاث بآثار المنطقة. وتشهد منطقة القصيم إلى جانب النهضة الحضارية والزراعية نهضة تعليمية وثقافية واسعة وكانت أول مدرسة رسمية أنشئت في بريدة هي ((المدرسة التنظيمية)) التي افتتحت عام 1356ه وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات. وفي نفس العام تم إحداث معتمدية المعارف، وبعدها بدأ التعليم يتطور حتى بلغت المدارس عام 1421 1422ه مايزيد على 788 مدرسة يدرس فيها 10767 طالباً بينما بلغ عدد المعلمين 9172 معلماً. وتتوفر في المنطقة مؤسسات ثقافية ومنتديات أدبية تحتضن المثقفين وترعى المواهب الشابة ومن ذلك نادي القصيم الأدبي ببريدة الذي أسس عام 1400ه ويقوم بتنفيذ المحاضرات والندوات الأدبية والأمسيات الشعرية والقصصية، كما يقوم بطباعة النتاج الثقافي والأدبي لأدباء المنطقة وأسس في عنيزة مركز ابن صالح الثقافي كي يقوم برعاية الثقافة والمثقفين وإلى جانب ذلك يوجد في المنطقة أربعة عشر نادياً رياضيا تستقطب الشباب وتقوم بأدوار ثقافية واجتماعية ورياضية ملموسة. والمنطقة تضم فرعاً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يدرس فيه اثنا عشر ألف طالب، وفرعا آخر لجامعة الملك سعود يدرس به نحو ستة آلاف طالب، ويوجد في المنطقة كلية للمعلمين وكليات تربوية للبنات وكليات ومعاهد للتقنية، وكلها تتآزر في تنمية وعي الفرد في المنطقة، كما تسهم في إعداد الدراسات والبحوث التي تخدم البيئة الحضارية والاجتماعية والثقافية وتخرج الكوادر التي تسد حاجة المنطقة من المعلمين والمهنيين. والتخصص اليوم أصبح محل عناية واهتمام جميع الدول، فلايمكن بأي حال من الأحوال ان تطلب من المهندس المعماري ان يجري عملية في قلب مريض، أو نطلب من المختص بالطب ان يقود طائرة أو نطلب من معلم لم يدرس ولاحصة واحدة في مواد الاجتماعيات ان يعمل بوظيفة مشرف (موجه) اجتماعيات أو نطلب من المختص بالزراعة أو العلوم ان يعمل بالآثار، وإن فعلنا ذلك فقل على آثارنا السلام، واعتساف الأمور اعتسافاً لا مبرر له ولايدل من قريب ولا من بعيد على اخلاص للوطن، وسيأتي يوم تضحك فيه علينا الأجيال ويلومونا على مافعلناه، والبعض راح يستعرض الأمور الأخرى ويطوعها فقد يقول (بعضهم) هناك العديد من الأفراد عملوا في مجالات غير تخصصاتهم ونجحوا في أعمالهم. أقول: يبدو لي ان ذلك نجاح وهمي يصدقه من ليس لديه دراية بالأمور، فالبعض منهم ينظر إلى عمل غير المختص بنظرة قاصرة على أمور خارجية دون ان يقيس الانتاج الحقيقي لغير المختص، مثال على ذلك: لو طلب من معلم تخصصه علوم ان يقوم بتدريس مادة اللغة الانجليزية فإن الزائر لمدرسة هذا المعلم قد يحكم عليه بالنجاح وذلك من خلال النظرة العابرة وضبطه للفصل، وهذا بلاشك عندي ناتج عن قوة شخصية المعلم، أما ا لمتفحص للأمور فإنه سيتضح له جليا خفايا الأمور عن طريق قياس مستوى تحصيل الطلاب لهذه المادة، وما ذكرت آنفاً ليس وليد دراسات حديثة، فقد تعلمنا عندما كنا صغاراً من كبار السن الكثير الكثير، ولكن لانطبق إلا القليل القليل، والمثل الشعبي يقول: (عط الخباز خبزك ولو أكل نصفه). ومعالي وزير المعارف حفظه الله حريص كل الحرص على وضع المختص في مجال اختصاصه، فالأولى للعمل في مجال الآثار لمن يكون تخصصه (آثار) فإن تعذر ذلك فالمختص بالتاريخ، ثم الجغرافيا على ان يكون لديه اهتمامات بالآثار، ويؤكد ذلك تعميم معالي ا لوزير برقم 743/1 وتاريخ 19/10/1418ه حيث ذكر مانصه ((بالنسبة للمناطق والمحافظات التي لايتوافر فيها مختصون في مجال الآثار يتم تكليف العاملين ممن لهم اهتمامات بالآثار)). أقول: لقد لفت نظري عدم وجود مؤسسة تهتم بالسياحة والآثار بالقصيم ولاسيما ان معالم وآثار المنطقة كثيرة، وياليت أصحاب القرار يعملون على تخصيص مواد في بعض الأقسام تهتم بالسياحة والآثار وأخص بالذكر قسم الجغرافيا وقسم التاريخ في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم، ويقيني ان المعنيين سيعملون على تنفيذ ذلك، وذلك لما أعرفه عنهم من خلال المقابلات الشخصية واهتمامهم بتخريج الكوادر التي تسد حاجة المنطقة، ولاسيما ان هناك العديد من المواد التي يتعلم من خلالها الطلاب مافي أرض الدول الأمريكية والأوروبية بينما نلحظ في المقابل أنهم يجهلون الكثير عما في بلادنا الغالية، وقد سبق وان طرحت على بعض اعضاء هيئة التدريس في قسم الجغرافيا تخصيص مواد تطبيقية ودراسات ميدانية على أرض الواقع بالمنطقة ليتعرف الطلاب على ظواهر المنطقة ونباتاتها الطبيعية، وذلك عندما صحبني في زياراتي الميدانية بعض أعضاء هيئة التدريس في قسم الجغرافيا بفرع جامعة الإمام في عام 1415ه أثناء الاعداد لكتابي الموسوم ب (أرض القصيم) ويبدو لي ان القسم قد خصص للدراسة الميدانية نصيبها من المواد وإن كان ذلك كذلك فلهم الشكر والتقدير هذا ماعن لي قوله.