عرف الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية بأنه من أكثر الزعماء العرب حملاً للهم الفلسطيني وقضية هذا الشعب التي تعد القضية العربية الأولى منذ أكثر من خمسين عاماً. ويعد سمو الأمير الأبرز بين الزعماء العرب، حتى أنه يحمل هذه القضية معه في كل محفل وفي كل زيارة، وفي كل لقاء له مع كبار زعماء العالم، لدرجة أنها أصبحت في كثير من الأحيان تطغى على اهتمامه بقضايا وطنه والقضايا الملحة التي يواجهها المواطن السعودي. ويعتبر الأمير أن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أم القضايا في منطقة لم تعرف الاستقرار والأمن والطمأنينة منذ نشوء هذا الصراع، وشعوره بالغبن وهو شعور يعكس شعور أمته من المواقف المتحيزة للدول الكبرى خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل واضح إلى جانب اسرائيل وهي الطرف المعتدي، الطرف الذي احتل أرضا وشرد شعباً من أرصه ويذيق كل من بقي على أرضه أشد أنواع الظلم والتعسف، والقهر والقتل اليومي. أمام هذا التحيز الواضح من القوى الكبرى خاصة أمريكا ضربت إسرائيل بكل القرارات الدولية عرض الحائط، ونفضت يدها من كل التزامات واتفاقات وقعت بينها وبين السلطة الفلسطينية التي قبلت بالدخول في عملية سلمية مع إسرائيل تحت المظلة الدولية، والقرارات الدولية، والرعاية الأمريكية ابتداء من مدريد، مروراً بأسلو، وانتهاءً بكامب ديفيد وشرم الشيخ لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تكن جادة في الالتزام بالاتفاقات السلمية مع الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة، علماً بأن هناك معاهدات سلام بينها وبين جمهورية مصر، وبينها وبين الأردن. كل هذه النوايا الجادة والصادقة من جانب العرب والفلسطينيين في طلب السلام مع دولة ظلت سنوات طويلة قبل حرب 1967م تدعي أن العرب هم الذين يرفضون السلام، تصطدم بعقلية حكام اسرائيل الرافضين في دواخل أنفسهم لمفهوم السلام الذي يستند على قرارات الشرعية الدولية، ويصرون على سلام يريدون أن يفرضوه بالقوة ويوافق رغباتهم، مخالفين في ذلك كل قواعد الشرعية، وكل القوانين الدولية. وقد بلغ رفضهم السلام القائم على العدل والحل الشامل مداه في ظل حكومة شارون، الذي يعد العدو الأول للسلام، والذي جاء لسدة السلطة قاطعاً لناخبيه وعداً بأنه سيحقق السلام لإسرائيل ولكن ليس بغير القوة. هذه السياسة أثبتت فشلها الذريع، لأنه قد ذهب من الشعب الإسرائيلي من الضحايا قتلى وجرحى ما يفوق ما ذهب منهم خلال عدة عقود مضت، وهذا جاء نتيجة تضحيات ضخمة في الطرف الفلسطيني. حاول إريل شارون استغلال أحداث 11 سبتمبر لكسب مزيد من مواقف التعاطف الرسمي الأمريكي الذي كاد يتغير قبل هذه الأحداث، نتيجة مواقف حازمة قادها سمو الأمير عبدالله من خلال عمل دبلوماسي شاق ومتعب وخطير بلغ درجة تعرض مصالح وطنه المملكة العربية السعودية للخطر، وذلك في سبيل إقناع الحكومة الأمريكية بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي بلغ ذروة الاستهتار به مدى خطيراً على يد حكومة شارون التي مارست، ومازالت تمارس من الأعمال البربرية والهمجية ما يندى له جبين دعاة زعامة الحضارة العالمية المعاصرة. أصغت الحكومة الأمريكية ولأول مرة في تاريخها من خلال تعهد خطي من الرئيس بوش للأمير عبدالله باعترافها بحقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته على أرضه. ولكن هذا الموقف أفسده قطبا التطرف في العالم أسامة بن لادن، واستغله قطب التطرف الآخر إريل شارون لصالحه، وألحق ما ألحق بالمملكة من أذى وتهديد في أمنها الداخلي بتحريض من قوى الشر الصهيوني المؤثر في الدوائر الأمريكية. ولكن كل هذا لم يثن الأمير عبدالله عن المضي قدماً في الدفاع والمناصرة للقضية الفلسطينية، والبحث عن الحل العادل والشامل لها، مهما كانت الظروف، ومهما كانت التحديات، بل إنما صرح به للصحفي الأمريكي توماس فريدمان في السابع عشر من هذا الشهر بأنه كان قد أعد مشروعاً شاملاً وكاملاً لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وكان على موعد لإعلان مشروعه في مؤتمر القمة العربية في بيروت في شهر مارس القادم، بيد أن تمادي شارون وغطرسته واستمراره في إلحاق الظلم بالشعب الفلسطيني على مرأى ومشهد من العالم كله، في وقت تقود فيه الولاياتالمتحدة حربها لتطهير العالم من قوى الشر على حد تعبيرها وتغض الطرف عن واحد من أعتى أساطين الشر في التاريخ المعاصر مما جعل الأمير يحفظ خطاب مشروعه الذي أعده لمؤتمر القمة العربية في درجه، ولم يلغه. وقد منح الأمير الصحفي الأمريكي الذائع الصيت الحق في أن ينشر فحوى هذا المشروع في صحيفة النيويورك تايمز واسعة الانتشار ليثبت للعالم أجمع والأمريكان خاصة أن العرب دعاة سلام، وليسوا كما تصورهم الدعاية المعادية لهم، وإنما هم دعاة سلام قائم على الحق والعدل، وحق الجميع في العيش بسلام وأنهم يطالبون بتنفيذ القرارات الدولية التي تطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها في عام 1967م، بما فيها القدس، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أرضهم وعاصمتها القدس، مقابل الاعتراف العربي بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها بشكل كامل. هذا التصريح الذي يأتي من قمة شامخة في عالم السياسة العربية، وهو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يعد تحولاً كبيراً في السياسة العربية تجاه علاقاتها باسرائيل، وبلاشك فإن ذلك سينعكس على أمن المنطقة واستقرارها، بل وعلى أمن العالم بأسره، وهذا مما يجعله من أهم الملامح في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لأنه جاء من رجل صاحب قرار في بلد يحتل ثقلاً وأهمية بارزة ليس بين دول المنطقة فحسب، بل الدول الإسلامية كافة، وله مكانته المرموقه والمؤثرة في السياسة الدولية. وصدور هذا التصريح من شخصية في ثقل الأمير عبدالله الذي هو ابن المملكة العربية السعودية التي لها مكانتها المرموقه في المحافل الدولية وصاحب التاريخ الطويل والمشرف في مواقفه العربية والإسلامية والوطنية، وأكثر القادة إخلاصاً في مواقفه من القضية الفلسطينية أكسب هذا التصريح دوياً مذهلاً في جميع الأوساط العربية والإسلامية والدولية، وكادت ردود الأفعال تجمع على تأييد هذا التصريح تأييداً مطلقاً إذا استثنينا موقف إريل شارون وزمرته الذين دائما يخيفهم أي موقف تتخذه المملكة العربية السعودية، فقد اعتبره شارون «تدخلاً في شؤون إسرائيل الداخلية». لقد وضع الأمير عبدالله من خلاله تصريحه العالم كله، وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام مسؤولياتها وأمام تحكيم الضمير العالمي بشأن الوقوف إلى جانب شعب فلسطين، بمنحه حقوقه التي اعترفت بها القرارات الدولية التي لم تنفذ نتيجة غطرسة إسرائيل، ومساندة القوى الكبرى للعدوان وعدم إنصاف هذا الشعب، وبتصريحات الأمير الذي يحتل موقع التأثير في عالمه العربي ومستنداً إلى قاعدة شعبية قوية في بلده، فإنه يملك مقومات إقناع كل الأطراف في الساحات العربية والإسلامية والدولية. والآن أصبحت الكرة في يد القوة العالمية الكبرى الولاياتالمتحدةالأمريكية ، ومجموعة من الدول الأوربية، لأنها القوة الكفيلة بمنح التعهد بضمان تنفيذ ما صرح به الأمير عبدالله المبني على القرارات الدولية. لا نريد لهذه الفرصة أن تفلت، ولا نريد أن تذهب هباء فهي الفرصة الذهبية لإحلال سلام دائم وشامل وعادل لكل الأطراف، وضمان لاستقرار هذه المنطقة، وتحريك لعجلة التنمية، وتعويض شعوبها عن سنوات طويلة قضوها في أجواء الحروب والصراع، وقطع دابر المزايدين من أي طرف كانوا للمتاجرة باسم القضية الفلسطينية. فلقد آن الأوان لمنطقة ولد فيها أنبياء السلام أن تعرف السلام، وتتفيأ في ظلاله.