«سلمان للإغاثة» يدشّن المرحلة الثالثة لمشروع دعم الأمن الغذائي في باكستان لعام 2025    فلومينينسي ينهي مغامرة الهلال في كأس العالم للأندية    القبض على مواطن في تبوك لترويجه «الإمفيتامين»    الهلال يُسيطر على قائمة الأفضل في مونديال الأندية 2025    أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الراجحي    يانيك فيريرا مديرا فنيا للزمالك المصري    وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    البرازيلي كورنادو يعود إلى صفوف الشارقة الإماراتي    لقاء الهلال وفلومينينسي عبر شاشات البوليفارد سيتي    مجمع الملك سلمان وتنمية الحياة الفطرية يطلقان معجم "مصطلحات الحياة الفطرية"    نادي الصقور يعلن عن فعالياته في المملكة    استشهاد 19 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    انخفاض أسعار النفط مع تأكيد إيران التزامها بالمعاهدة النووية    السديس في خطبة الجمعة: الهجرة وعاشوراء دروس في اليقين والشكر والتوكل على الله    وفد وزارة الرياضة يختتم مشاركته في منتدى "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    سمو ولي العهد يستقبل سمو نائب حاكم أبوظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي    إحباط محاولة تهريب 646 ألف حبة من مادة "الإمفيتامين" المخدر مُخبأة في إرسالية    فراس آل الشيخ، المدير الإقليمي لشركة ريد هات في المملكة: بناء المستقبل الرقمي للمملكة.. دور "ريد هات" في تمكين الابتكار والأمن السيبراني    قتيلة في جنوب روسيا    استمرار الرياح النشطة على معظم مناطق المملكة    الدولار يتماسك أمام اليورو والين    أمين منطقة القصيم يتفقد مشروعي امتداد طريق الأمير محمد بن سلمان وطريق الملك سعود بمدينة بريدة    بلدية عنيزة تُطلق مهرجانيّ «كرنفال السعادة» و«صيف عنيزة» بالتعاون مع القطاع الخاص بمتوسط حضور يومي يتجاوز 8000 زائر    جمعية الكشافة تختتم مُشاركتها في ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    بلدية محافظة الأسياح تنفذ 4793 جولة رقابية في النصف الأول لعام2025م.    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    قطاع أحد رفيدة الصحي يُفعّل "اليوم العالمي للبهاق" و "اليوم العالمي لإضطراب مابعد الصدمة"    الإسباني"إيمانويل ألغواسيل"مدرباً للشباب    محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    الإنجاز والمشككون فيه    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم العالمي للطيور المهاجرة 2020م
2-2 أم قشعم المصرية - بوليا (Polya)
نشر في الجزيرة يوم 26 - 06 - 2020


التنسيق لمتابعة أم قشعم المصرية بالسعودية
في آخر يومٍ من أيام ورشة العمل على ضفاف البحر الميت كان لنا لقاء جانبي مع أخي وزميلي شريف الجبور من مكتب البيردلايف وفولن من الجمعية البلغارية لحماية الطيور، وذلك لمناقشة إمكانية ترتيب زيارة لدراسة المواقع التي مرت عليها أم قشعم المصرية داخل السعودية والتعرّف إذا ما كانت لهذه المواقع التي تقضي فيها فترة الشتاء دور بالتغذية والراحة، وهل هي مناطق تجمع (Congregation Site) لنفس النوع أو هناك مجموعات أخرى من الطيور، وهل هناك مهددات وأخطار يمكن أن تؤثّر عليها، ولأهمية الموضوع على مستوى حماية هذه النسور المهددة بالانقراض، والالتزام الدولي من خلال الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها المملكة، فقد تم الاتفاق على آلية التواصل مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية وكذلك طريقة العمل وفترة الزيارة، والتي تقرّر أن تكون في شهر نوفمبر من نفس العام (2019م)، وبمشاركة عدد من الباحثين الشباب السعوديين بالهيئة وذلك لتدريبهم ورفع قدرات أبناء الوطن التي هي المكسب الأول بالمشاركة، وقد سعدت عندما علمت من فولن أن د. ستويان نيكولوف، والذي يسمى عند العاملين بالنسور بأبو النسور المصرية لخبرته والسنوات الطويلة التي قضاها في دراستها، يمكن أن يشارك في المسوحات بالسعودية، وستويان تربطني به علاقة صداقة وعمل، فقد عملنا سوياً في الفريق العالمي الذي أعدَّ خطة العمل العالمية للمحافظة على نسور العالم القديم.
وللدكتور ستويان جاذبية عجيبة عندما يتحدث عن النسور المصرية يجبرك للسماع له، فهو يحدثك عنها وكأنها عشيقته التي يعرف كل تفاصيلها، يفرح للأخبار الإيجابية ويحزن لنفوق أياً منها، وأتذكر كيف كانت ملامح وجهه وصوته الذي سادته بحة وكأن العبرة تخنقه وهو يطلب مني متابعة أحد هذه النسور التي نفقت شمال غرب المملكة عند جبل شار عام 2016م.
رحلة بوليا للسعودية
لا أدري كيف مرت الأيام والشهور، وها أنا أقود سيارتي متجهاً لمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة لاستقبال الفريق المشارك بالمسوحات بالمملكة، كان أول الواصلين أ. محمد الزعبي من الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من المملكة الهاشمية الأردنية، وهو من الشباب النشامى المتخصصين بالجوارح بالجمعية، قمنا معه وفريق من الجمعية والبيردلايف بتثبيت جهاز متابعة على أنثى نسر مصري سُميت وصال وذلك في شهر إبريل الماضي وتم إطلاقها في محمية ضانا. أخذته للفندق وتركته ليرتاح لأعود مرة أخرى للمطار لاستقبال د. ستويان البلغاري والعودة معه لمقر الإقامة مع أ. محمد وتركهما ليرتاحا لأعود لهما في صباح اليوم التالي لنذهب سويا لتناول وجبة الإفطار في أحد المطاعم الشعبية بجدة، والاجتماع بعدها بالفريق للتخطيط للمسح والبحث عن النسور المصرية في الجنوب الغربي للمملكة.
بدأ ستويان يتحدث عن مقترح لخطة المسح بالجنوب الغربي ورحلة البحث عن أم قشعم - بوليا - وقال علينا أن نزور المواقع التي وصلتنا أحداثياتها من الجهاز المثبت على بوليا، والذي يشير أنها تتحرك بمنطقة شرق مدينة القنفذة فلربما تكون تمثل منطقة تجمع لهذا النوع من الطيور.
بعدها بدأ ستويان يسرد رحلة أم قشعم بوليا حتى وصلت للمملكة العربية السعودية قائلاً: بوليا هي أنثى جلبت وعمرها بضعة شهور من حديقة براغ عام 2017م، وتم إطلاقها للبرية في شهر مايو 2018م، وقد أظهرت بوليا خصائص تميزها عن الفراخ الثلاث الأخرى التي تم إطلاقها للبرية معها (أكاجا، بويانا «إناث» الجزيرة بانتلي «الذكر»)، فقد أظهرت قوتها وسيادتها على المجموعة من نفس جنسها، وفي 27 سبتمبر 2018م بدأت هجرتها لتقطع مسافة قصيرة فوق بحر أيجة لتصل لجزيرة ساموثراكي وتمكث فيها قرابة الأسبوع قبل أن تتحرك نحو الجنوب الشرقي لتقطع مسافة 320كم لتصل لجزيرتي تاينوز وكريت لتبقى 18 يوماً قبل أن تتحرك شرقاً في 26 أكتوبر باتجاه اليابسة التركية ولتصل لمنطقة إسكندرون، ومنها أكملت رحلتها جنوباً عبر سورية ثم شرق لبنان وصولاً إلى فلسطين لتصل لصحراء سيناء في 22 نوفمبر، وبدلاً من أن تحلق فوق خليج السويس، آثرت الطيران فوق البحر الأحمر لتقطع 220كم لتصل للساحل المصري قرب الأقصر، هنا تدخل محمد وقال: أليس غريباً على طائر محلق مثل هذا النسر أن يطير فوق البحر لهذه المسافة الطويلة، نظر إليه ستويان وعاد للحديث نعم صحيح، وهذا يبين قوة بوليا وقدرتها على التحليق، هنا ردد أخي محمد باللغة العربية وهو ينظر إلي سبحان الله ... سبحان الله هذه من معجزات الخالق، وردد قول الله تعالى: {أوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} سورة الملك آية 18
نظر إلينا ستويان ثم استرسل في حديثه قائلاً... بعد الأقصر اتجهت بوليا جنوباً لتدخل السودان في 29 نوفمبر لتبقى هناك طوال فترة الشتاء، ومع بداية الربيع تحركت لتقترب من مدينة الخرطوم، فمكثت هناك حتى بداية شهر مايو 2019م لتعود بعدها لصحراء النوبة قبل أن تتحرك مع بداية شهر يونيو لشمال ليبيا، ومنها اتجهت شرقاً بمحاذاة الشواطئ المصرية لتعبر صحراء سيناء ومنها إلى وسط سورية لتقضي الصيف في البراري السورية رغم ضنك العيش هناك، ومع بداية الهجرة الخريفية بدأت بالتحرك جنوباً، عندها اعتدل ستويان في جلسته ونظر إلي وقال هي الآن هناك بالسعودية، في منطقة حول القنفذة لها فترة تتحرك داخل المنطقة علينا الذهاب لهذه المنطقة وتركيز البحث عن بوليا هناك لمعرفة كيف تقضي فترة الشتاء هناك وهل هناك مهددات ومخاطر تواجهها، لأن المنطقة تبدو من تحركات بوليا مهمة لهذه الطيور.
المهددات والمخاطر
التي تواجه النسور
مر كل شيء حسب المخطط ووصل شباب الهيئة الأربعة ولم يبق سوى أ. ليث المغربي من الأردن أحد المشاركين من البيردلايف الذي اضطرته الظروف للتأخر لليوم التالي، لذا قررنا أن نترك سيارة مع أ. محمد الزعبي مع اثنين من شباب الهيئة ليقوموا بالمسح شمال جدة عن تجمعات للنسور المصرية، وكذلك أي حالة نفوق للنسور أو طيور أخرى على امتداد خطوط الكهرباء، أما أنا وستويان واثنان من شباب الهيئة فبدأنا التحرك جنوباً باتجاه مدينة القنفذة.
سارت بنا السيارة يقودها سحيم الأسمري: أحد باحثي الهيئة المتحمسين للعمل الحقلي والجادين هو وزميلة فهد القثامي لرؤية أم قشعم بوليا، فقد أكثرنا عليهم الحديث عنها، لم تكن المهمة سهلة فليس لدينا سوى المواقع التي تتنقل فيها بوليا والتي أرسلها فولن الذي لم يتمكن من مصاحبة ستويان في هذه الرحلة بسبب كسر في رجله. بعد فترة من الصمت لا نسمع خلالها سوى صوت المحرك، كسر سحيم ذلك الصمت بسؤاله عن طريقة العمل وكيف سيكون مسار المسح؟ قالها بطريقة مهذبة ذكرني بفصول الدراسة بالجامعة، فقد كان سحيم أحد طلابي ومن خريجي جامعة الطائف، وهو الآن زميل عمل بالهيئة، وهذا يشعرني بسعادة وراحة نفسية، فقد أحببت التدريس وهي فرصة لتدريب الشباب بالحقل لفهم أكثر لحماية النسور.
وجهت حديثي لسحيم وفهد لأشرح لهم طريقة العمل قائلاً: تعتمد طريقة العمل على التوقف في أماكن معينة خاصة تلك التي بها تجمعات طيور والسير تحت خطوط نقل الطاقة بين أعمدة الكهرباء وتسجيل مشاهدة أي طائر أو جثة طائر عبر برنامج طور خلال المشروع وطبق في معظم البلدان المشاركة بالمشروع، وتسجيل سبب النفوق، هل من تصادم بخطوط الكهرباء أو بالتكهرب والذي يحدث عادةً على أعمدة الكهرباء ذات التيار المتوسط، وهذا المؤثّر يعتبر من أهم المهددات التي تواجه العديد من الطيور المهاجرة ومنها النسور، وهنا تدخل سحيم وقال وماذا عن التسميم يا أبا فيصل، فهو أخطر من التكهرب أو التصادم بأعمدة وخطوط الكهرباء من وجهة نظري، فقد قضى على النمور العربية في ديرتنا، لم أنتظر طويلاً للرد على سحيم فأجبته قائلاً: أتعلم يا سحيم عندما تصل الحيوانات لحافة الانقراض، فكل فرد بالمجموعة مهم، وأعطيك مثالاً لو كان لديك 100 غزال وأفترس الأسد واحداً منها، فنسبة النقص 1 %، لكن لو كان عندك 10 غزلان وأفترس الأسد منها واحداً، فنسبة النقص الذي حدث في القطيع 10 %، وهذه نسبة عالية، وعليه فإن أي نقص في الأفراد في الأنواع المهدَّدة بالانقراض يعني اقتراب النوع من دوامة الانقراض والتي لو دخلها يصعب عندها إعادته، ويحتاج لوقت طويل وميزانيات عالية لذلك، والنمر العربي والنسر المصري وأنواع أخرى من المفترسات والنسور والتي تتشارك نفس نوعية الغذاء تتأثر بالتسميم بجميع أشكاله المباشر وغير المباشر وعليه فخسارتنا كبيرة بفقدها.
كانت هذه النقاشات قد جذبت أخانا فهد القثامي التي بدأ سؤاله... ماذا يعني التسميم المباشر وغير المباشر؟ فأجبته بأن التسميم المباشر يقصد به قتل النسور والحيوانات مباشرةً وبشكل مقصود، وهذا لم يسجل بالمملكة لكنه سجل بإفريقيا وذلك بقيام صيادي الفيلة بتسميم جثة الفيل بعد قتله وأخذ نابية (العاج)، وذلك لأن النسور بطيرانها وحومها تساعد حراس المحمية على اكتشاف مكان الفيل الميت بوقت مبكر مما يُعَجّلْ في القبض على الفاعلين.
أما التسميم غير المباشر فيقصد به القتل غير المقصود، فالتسميم هنا يقصد به التخلّص من المفترسات كالذئاب والضباع، لكن بتغذية النسور على الغذاء المسموم تتأثر وتموت، وهذا النوع من التسميم ذو تأثير خطير جداً وللأسف هذا التسميم غير المباشر موجود لدينا، فقد سجلت الهيئة عدداً من النمور العربية وأعداداً كبيرة من النسور السمراء ونسور الأذون نافقة بسبب التسميم. وهناك أشكال أخرى من التسميم غير المباشر ومنه استخدام العقاقير المضادة للالتهابات غير الستيرويدية، لعلاج الالتهابات ومسكن وخافض للحرارة وعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الالتهابية والمؤلمة بالمواشي، ومن أهمها عقار الديكلوفيناك (Diclofenac) الذي أكدت الدراسات العلمية السُمْيّة الشديدة لهذا الدواء على النسور، فيسبب لها فشل كلوي والمرتبط بالنقرس الحشوي الشامل، فتموت خلال يوم إلى يومين. وما حدث في القارة الهندية من نقص في أعداد النسور من 40 مليون نسر إلى 10.000 خلال العقود الثلاثة الماضية لأكبر دليل على تأثير هذا العقار. أما الشكل الأخير من التسميم غير المباشر فيتسبب من رش المبيدات الحشرية في مناطق تغذية هذه النسور، وقد سجل نفوق للنسور بعد عمليات رش المبيدات الحشرية للقضاء على الحشرات.
اللقاء والوداع لأم قشعم - بوليا
دخلنا القنفذة الساعة التاسعة مساءً، وعرّجنا نبحث على سكن نبيت فيه ليلتنا، فوجدنا شقة مفروشة متواضعة جنوب المدينة، تحوي على إنترنت وذلك للتواصل مع فولن لتحديد آخر المستجدات لموقع بوليا. ومع أول ضوءٍ للنهار، بدأت رحلة البحث عن بوليا نتنقل خلالها بين المواقع التي أرسلها، وكنا نشاهد أعداد من الطيور الجوارح أهمها تلك التي تمثّل تجمعات للتغذية أو الراحة والتي تعرف بال (Congregation Site) وهذه النوعية من المناطق تعتبر مهمة في حماية مسارات الطيور المهاجرة، نجحنا في اليوم الأول بتسجيل مواقع تجمع لعقبان السهول والحدأة السوداء لكن لا نسور مصرية ولا بوليا حتى دب اليأس من مشاهدتها، ولم يبق لنا سوى المكان الذي سجلت في المساء بالقرب من سبت الجارة، والتي وصلناها قبل مغيب الشمس التي توارت خلف السحاب الكثيف، بدء هتان خفيف مع ومضات البروق تضيء المكان وأصوات الرعد تأتينا من كل جانب.
فجأة بدأ ستويان بالصراخ ودخل في حالة من الهستيريا، لم نفهم ماذا كان يقول لكن بعد أن نظرنا إلى المكان الذي أشار إليه شاهدنا عدداً من النسور المصرية، وعلى الفور بدأ سحيم بخبرته بالتحرك نحو مكان النسور حتى آخر نقطة يمكن الاقتراب منها، لم يعط ستويان الوقت لتوقف العربة، فقز كالفهد ليبدأ ينظر بمنظاره المقرب متجولاً بين النسور والعقبان الجاثمة على أعمدة التوتر العالي يبحث بينهم عله يجد بوليا بينهم. تغيرت ملامح وجه ستويان فلم تكن بوليا بينهم، لقد كان يأمل من قرارة نفسه أن يجد بوليا، حقيقة فرحنا لفرح ستويان ثم حزنا لعدم رؤية بوليا، لكن هذا التجمع يُعد من المناطق المهمة في مسار هجرة هذه الطيور، وعليه فقد قررنا أن نبدأ عملنا بهذه المنطقة.
في صباح اليوم التالي أخذنا طريقاً آخر يساير أعمدة كهرباء التوتر العالي والتي تتجه إلى نفس المنطقة بالقرب من سبت الجارة، نزلنا أودية وصعدنا تلالاً، لم نيأس حتى اقتربنا من موقع آخر مسجل لدينا زارتها بوليا من قبل، وما أن بدأ الطريق يسلك مسلكاً صعباً بين التلال الصخرية حتى لاحت لنا مجموعة من النسور المصرية تقف على أعمدة كهرباء التوتر العالي، خرجنا مسرعين من السيارة لنبدأ بالبحث بين النسور والعقبان الجاثمة في شموخ، وكان من حظي الجميل أن أشاهد بوليا؛ نعم، إنها بوليا تحمل جهاز المتابعة على ظهرها، كانت سعادتنا كبيرة لكننا لم نرو عطشنا في مشاهدتها عن قرب أكثر، لأنها سواد الليل الحالك غطى المكان بسرعة فاضطررنا للعودة لمقر إقامتنا، أما أنا فاضطررت لارتباطات مهمة للمغادرة وترك الفريق والعودة للطائف.
لم أكن أعلم أن تلك النظرة السريعة التي لمحت فيها أم قشعم المصرية بوليا، ستكون نظرة اللقاء والوداع في نفس الوقت، صحيح أن بوليا مكثت بالمنطقة كامل الشتاء ولم تغادر إلا في إبريل إلا أننا بالهيئة ومع الحجر بسبب فيروس كوفيد 19 لم نستطع أن نصل لمناطقها مرة أخرى، وكنت كل يوم أترقب أخبارها علها تعود لبلغاريا لتبدأ حياة جديدة فقد بلغت الآن الثلاث سنوات وهو السن المناسب لبدء التكاثر، وسعدت عندما علمت أنها تحركت شمالاً وغادرت أراضي المملكة، لكن يا فرحة ما تمت! فقد جاءت الأخبار الحزينة، من ستويان وفولن... لقد ماتت أم قشعم -بوليا في تركيا بسبب صعق كهربائي... نعم ماتت هناك بعد أن قطعت معظم الرحلة وقبل أن تصل إلى مناطق تفريخها بقليل، كنا نخاف أن يحصل لها شيء في المملكة، لكنها ماتت في تركيا {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ} سورة لقمان 34. لقد ماتت بوليا... لكن ذِكْرَاها بقي كناقوس يدق في عالم النسيان، ليذكرنا بما قدمته لنا من أشكال للترابط، ولنتعلم من خلالها دروساً في التعاون في برامج التوطين والحفاظ على الطيور المهاجرة، والذي يعتمد بشكل أساسي على حماية مسارات الهجرة في جميع الدول التي تمر عليها، وأهمية الاتفاقيات الدولية للمساهمة في حفظ الجهود ومكتسبات الدول من برامج المحافظة. لقد قدمت بوليا نموذج للترابط العلمي والثقافي بين المتخصصين، وفوق كل ذلك الترابط الإنساني فجمعتنا بأناسٍ فرحنا معاً ببوليا وحزنا لفراقها، لقد غادرت هذه الدنيا لتقول للعالم نحن الطيور.. نربط عالمكم.
** **
مستشار بالهيئة السعودية للحياة الفطرية - عضو هيئة التدريس بقسم الأحياء، كلية العلوم، جامعة الطائف - عضو اللجنة العلمية الاستشارية لمذكرة التفاهم للمحافظة على الطيور الجوارح والبوم المهاجرة بين أفريقيا وأوروبا وآسيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.