منحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي معارضتها البرلمانية نحو سبعة أسابيع لكي تستعد لما يفترض أن يكون «المنازلة الأخيرة» بشأن مصير خطط بريطانيا للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ولقد كان ذلك اختياراً حكيماً من عدة وجوه. إلا أنه لا يخلو من مفاجآت قد تقلب الطاولة على كل ما عرفناه. والمنازلة يمكن أن تقف بين حدين: إما أن تكون شرسة، شراسة استفتاء البريكست نفسه، أو أن تأتي باردة كنوع من الإقرار الجماعي بأن الواقع واقع. تدرك ماي أن «حزب العمال» المعارض أبعد ما يكون عن أن يشكل خطراً حقيقياً على سلطة المحافظين. وهو حزب ممزق إلى حد بعيد وقد لا يتمكن أصلاً من الاحتفاظ بمركزه الراهن كقوة ثانية في البرلمان. وهو ما يعني أن بقاء المحافظين في السلطة يكاد يكون مضموناً. تريد ماي أن تخوض مفاوضات البريكست من مركز قوي، وألا تكون مهددة بأي صراعات داخلية، وأن تحصل على الوقت الكافي لترسم مسار إعادة بناء بريطانيا كقوة اقتصادية مستقلة. ولئن كان استفتاء البريكست قد فاز بنسبة ضئيلة للغاية، فإن نتائج الانتخابات المزمعة في الثامن من حزيران-يونيو المقبل، يمكنها أن تضع حداً للجدل بشأن شرعية تلك النتيجة، كما أنها يمكن أن تكبح جماح الدعوات إلى الانفصال بالنسبة لاسكوتلندا. هذه هي مصادر الحكمة في ذلك الاختيار.. ولكن ذلك ليس كل شيء.. فثمة «قوة أوروبية» في بريطانيا، وفي البرلمان نفسه، يمكن أن تقلب الطاولة.. إلا أنها بحاجة إلى: 1 - حزب يمثلها. 2 - أجندة صلبة تضمن للسباق الانتخابي أن يكون حاراً، على أقصى ما يمكن. ما لم يجر خوض هذه الانتخابات على أنها نوع من «إعادة التصويت» على البريكست، فإنها لن تكون أكثر من «إعادة تتويج» لرئيسة الوزراء. ولهذا السبب، فان على أحزاب المعارضة التي ساندت البقاء في الاتحاد الأوروبي، أن تختار بين خوض المعركة على هذا الأساس بالذات أو الاستسلام. وثمة قوة واحدة فقط يمكنها أن تفعل ذلك، هي «حزب الديمقراطيين الأحرار». إلا أنه لا أكثر من «قوة ثالثة». إذا جاز للمخيلة أن تشتغل، فهذا الحزب، بموقفه الأوروبي الصلب، يمكنه أن يندفع ليكون قوة تحل محل حزب العمال. وفي هذه الحال، فان أبواب الاحتمالات يمكن أن تنفتح على مصاريعها جميعاً. «الأوروبويّون» ليسوا نصف الشعب البريطاني فحسب، ولكنهم نصف البرلمان، ونصف حزب المحافظين نفسه أيضاً. فإذا تمكن «الديمقراطيون الأحرار» من إشعال النيران كلها حول البقاء في الاتحاد الأوروبي، فان طريقهم سوف يُضاء الى السلطة كما لم يُضئ من قبل. السيناريوهات التالية تكاد تكون واضحة: أن يقودوا تحالفاً مع حزب العمال إذا تقدموا عليه، أو أن يشاركوا في تحالف معه إذا تقدم عليهم. وهذا يعني أنه يتعين عليهما، منذ الآن، أن يتخليا عن مواجهة أحدهما الآخر، ليركزا على الهدف المشترك فقط: الإطاحة بالبريكست. إذا لاحظت النخبة في هذين الحزبين المخاطر الناجمة عن «الوحدة الألمانية - الفرنسية» المقبلة، وإذا أدركت الكلفة الباهظة التي سوف ينطوي عليها السعي إلى مركز اقتصادي مستقل في عالم لا يتسع للكثير، وإذا بدا أن «الانسحاب من دون اتفاق» من الاتحاد الأوروبي سوف ينقلب وبالاً على الطرفين، فإن «الانقلاب على البريكست» سوف يبدو خياراً جديراً بالاعتبار. هذه معركة.. ولكن يتعين أن تكون حارة لكي يمكن أن تعود لتستقطب الأفئدة التي ركنت إلى الاستسلام.. عدا ذلك، فإنها سوف تفضي إلى إعادة تتويج ماي ليس لخمس سنوات فحسب، بل ربما حتى نهاية العقد المقبل أيضاً. وساعتها سيكون الواقع شديد الوطأة كواقع.