إن قسر الآخرين على اختيارات فقهية تنحو منحى الأحوط والأشد رغم شرعية الخلاف فيها وسهولته وقرب مأخذه من جهة ورغم هذا الانفتاح البيئي وتلك التحولات الكبرى والحمولات الثقافية المكثفة من جهة أخرى أمر لا شك له إفرازاته السلبية البالغة الضرر فضلاً عن أنه قد ينفركثيراً من الشباب سواء من أولئك الذين يريدون الدخول في دائرة التدين أو حتى تلك الشريحة المحسوبة على التيار المتدين ولا غرو, فالعقول السوية قد جبلت على النفور من كل ممارسة استبدادية تكرس لفكرة الأحادية وتؤسس لمصادرة الخيارات وإلغاء مبدأ التنوع الذي لا يأتي إلا بخير, وواقعنا المعاصر ينطوي على عشرات الشواهد الحيّة التي تحكي حال أولئك المتشددين الأحاديين الذين كانوا فيما مضى ذوي نزعات تدينية عالية وغالية لكن مع الأيام سئموا من ركوب موجة التشدد وصار لهم فيما بعد ردات فعل عاطفية عنيفة جعلت صنفاً منهم مهموماً فقط بالرفض والمواجهة وإعادة إنتاج الهجائيات الشخصانية رغبة في مناكفة الخصوم من ناحية, والطفو على السطح والنفاذ إلى دائرة الضوء وشد المتلقي البسيط من ناحية أخرى! إن التعاطي مع الفقهيات الظنية بهذا المستوى الحاد من القطعية فضلاً عن أنه يفوت الفرص على خلق بدائل ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية تنتمي للواقع وتنسجم مع أدبيات التشريع فضلاً عن هذا فهو أيضاً يقلِّل من القيمة الرمزية للقطعيات في الذهنية العامة وذلك حينما يكتشف الفرد البسيط ولو بعد أُمة أن هذه المسألة التي صُورت له - بحسن نية في كثير من الأحيان- على أنها ذات بعد قطعي أنها ليست كذلك، بل هي مسألة اجتهادية مفتوحة على أكثر من اختيار حينئذ سيبدأ بالتساؤل هذا التساؤل قد يشكل جواز عبور لممارسة التشكيك في قضايا هي في ميزان الشريعة أهم وأعلى قيمة وذلك لأنها اكتسبت صفة القطعية وتوارد عليها إجماع العلماء.