أنا لدي قناعة تزداد وتترسخ مع مرور الزمن، مؤداها أن المتأسلمين المسيسين، ومن يسمون منهم (بالجهاديين)، وصلوا بأفعالهم وممارساتهم وفقههم العدائي لكل من يختلف معهم، مسلما كان أو غير مسلم، إلى مرحلة في منتهى الخطوره على الإسلام كدين، بشكل يجعل (التجديد)، وإعادة قراءة التراث الموروث، على ضوء الواقع، أمرا ليس ملحا فحسب، وإنما قضية بقاء، مؤداها أن نكون أو لا نكون. أما المغالطة، والإصرار على أن الإسلام لا علاقة له بالحركات الإرهابية، فسيجعل الإسلام في مأزق حقيقي. لأن أغلب ما يقوله الفقهاء الاوائل، ويشجعون عليه، تواكب نصوصه العنف المفضي للإرهاب ومن قال غير هذا القول فهو بلا شك مغالط ومكابر. وهناك محفزات نصية كثيرة على ضرورة التجديد، ومواكبة تغيرات الزمان والمكان، لكننا - للأسف - نقرأها، ونرددها، ثم لا نُفعلها على الأرض، ولعل أهمها الحديث المروي عن الرسول بأن الله يبعث عند كل مائة سنة لهذه الأمة، من يجدد لها دينها. وهذه إرهاصة في غاية الأهمية تشير الى أن الثبات والتكلس، وعدم التغير، والنأي بالدين عن التجديد، كما يدعو بعض المتكلسين، هو ليس من الدين في شيء، بل هو نمط من أنماط التخلف والتخشب وعدم المواكبة، والبعد عن التماهي مع الواقع الذي يميز هذا الدين، ومثل هذا المنحى الذي يصر عليه المتكلسون ينم عن طبيعة البعض المنبثقة من بيئتهم الجافة، ونتيجة لتراكمات نفسية واجتماعية ليس لها علاقة بجوهر الإسلام كدين. الإسلام - كما هو معروف - ينقسم إلى ثوابت، تخترق أي زمان، وتتناسب مع كل مكان منطقيا، وهي العلاقة المترتبة على العبادات، وضرورة نقائها، وهذه (الثوابت) حصرها الفقهاء الأوائل في أركان الإسلام، وما عداها فهي في تقديري قابلة للتغير وتتبع المصلحة، تدور معها حيث دارت. فالرق - مثلا - كان مباحا في كل العصور الإسلامية الماضية، وتقره وتشرعه كل كتب الفقه، وجميع مذاهب الإسلام، وعندما اتفق العالم على نبذه، وتجريمه، كان لا بد أن تتماهى الأحكام الشرعية مع ما اتفق عليه العالم، لأن مصلحة الإسلام تحتم مثل هذا التماهي، وما يمكن أن نقوله عن (الرق) يُمكن أن يقال عن (جهاد الطلب)، والذي يسمى في بعض الأحيان (جهاد الغزو)، لأن الإصرار على أن (جهاد الغزو) فريضة إسلامية، كما يذهب بعض الفقهاء المتأخرين، يضع الإسلام في موضع المحرض والمشجع على (الإرهاب) الذي يتداعى العالم من أقصاه إلى أقصاه، لاجتثاثه والقضاء عليه. وينطبق على كثير من الموروثات الفقهية ما ينطبق على الرق وجهاد الغزو. وطالما أننا لم نحسم أمرنا بعد، ونميز بين (الفقه القديم) المرتبط تطبيقه بعصر مضى وانتهى، ولن يعود، وبين (فقه جديد)، عصري و واقعي، يناسب العصر ويلائم متطلباته، فلن نبرح مأزقنا الذي نعيش فيه قيد أنملة؛ ستنتهي (داعش)، وسيأتي حركة غيرها، ربما أخطر وأوحش منها، تفتح كتب (الفقه القديم)، ومن مقولات فقهائه تشرع وتحلل وتحرم. وفي تقديري أن القضية، وصلت اليوم إلى مرحلة خطرة ومصيرية تحتم القول : إما التجديد، والتماهي مع العصر، وإلا الطوفان. إلى اللقاء