إشارة إلى ماتناولته الكاتبة، رقية سليمان الهويريني بالعدد رقم (15550) الصادر في 26 ابريل (نيسان) 2015م تحت عنوان ( تزايد العنف الأسري ماالحل.؟!).. تحدثت في مضمون مقالتها عن ارتفاع نسب القضايا الأسرية المتعلقة بالعنف الأسري بصورة ملحوظة بالمحاكم الشرعية في مناطق الرياض والشرقية وعسير والجوف خلال الموسم المنصرم وفق إحصائية عدلية حديثة..الخ, وتعليقا على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعنا السعودي أقول ومن نافلة القول: إن نسيجنا المجتمعي يشهد اليوم تغيرات في أنماط الحياة الاجتماعية وتحولات اقتصادية وتقلبات ثقافية رهيبة نتيجة وتيرة التحديث والمعاصرة..ألقت بظلالها على النظم الاجتماعية ومنها نظام الأسرة، والتي تمثل أهم مؤسسة تربوية في المجتمع، حيث بات (النسق الأسري) يعاني من مشكلات اجتماعية.. ومنها مايعرف ب (العنف الأسري)،أو كما يسميه علماء الاجتماع( العنف المنزلي)..!، وارتفاع معدلاته وأرقامه بصورة مزعجة.. تهدد البناء الاجتماعي ووظائفه المختلفة, وكما هو معروف, وطبقا لعلم النفس الاجتماعي» أن العنف سلوك مكتسب يتعلمه الفرد خلال أطوار وعمليات التنشئة الاجتماعية, فالأفراد الذين كانوا ضحية للعنف ومظاهره في صغرهم يصبح سلوكا مترّسبا ومتأصلا.. يمارسه هؤلاء المعنّفون في طفولتهم على أفراد أسرهم في المستقبل»،وفي سياق الحلقة الأضعف.. تشير الإحصائيات الاجتماعية أن الأكثر تعرضا للعنف الأسري في نسيجنا المجتمعي هي (الزوجة) ثم (الأطفال) كضحايا الأب..! والعنف هنا يأخذ عدة أشكال أو مظاهر(كالعنف البدني) ومايشمله من ضرب واعتداء, و(العنف اللفظي) مثل إطلاق العبارات النابية والألفاظ المسيئة، و(العنف الرمزي).. أي الاحتقار والازدراء سواء للزوجة أو الأبناء والبنات, و(العنف النفسي) مثل تهديد الزوجة بالزواج عليها والانفصال العاطفي, و(العنف الاجتماعي) مثل حرمان الزوجة من الذهاب لأهلها فترة طويلة تصل شهرا أو تزيد، وعضل البنت وحرمانها من الزواج.و(العنف الصحي) كإرهاق الزوجة بالحمل والولادة, ولاشك إن ظاهرة العنف المنزلي الذي اتسعت مساحته،وزادت معدلاته في المجتمع السعودي في واقعنا المعاصر.. له عدة عوامل ومسببات ساهمت في تنامي هذه الآفة الخطيرة المهددة للبناء الاجتماعي..ومنها العوامل النفسية مثل إصابة المعّنف بأمراض نفسية واضطرابات شخصية، علاوة على استخدام المخدرات وشرب الخمور والشعور بالعجز في توفير أسباب الحياة الكريمة,كما أن ظاهرة العنف تنشأ نتيجة (خلل ) وظيفي في التنشئة الاجتماعية..وعملياتها التربوية والعقلية والعاطفية, إلى جانب العوامل الاقتصادية التي تساهم في حدوث هذه المعضلة المجتمعية..كالفقر والبطالة وضعف الوضع المعيشي للأسرة..،وفي دراسة علمية كشفت أن العامل الاقتصادي يأخذ نسبة 45% من حالات العنف المنزلي, بالإضافة إلى العوامل الثقافية ( اعادات والتقاليد والموروث الاجتماعي الذي يشجع الفكر الذكوري على قيادة أسرته من خلال أعمال العنف والقوة منذ الصغر كمقياس للرجولة حسب مقتضيات هذه الأعراف والتقاليد المجتمعية المتوارثة!!، وأيضا (العوامل الدينية).. تلعب دورا مؤثرا في تبرير العنف نتيجة الفهم الخاطئ لماذكر في القرآن الكريم والسنة المحمدية، وبالتالي قيام بعض الأزواج بممارسة هذا السلوك المنافي للقيم الأخلاقية والإنسانية.. ضد المرأة على ضوء ذلك الفهم المغلوط,!!. - في دراسة اجتماعية كشفت معطياتها العلمية أن 90% من الحالات أن من اقوى الأسباب التي تجعل (المرأة) أسيرة دائرة العنف دون التفكير في الخروج منها..الخوف من التفكك الأسري, والخوف من الطلاق والخوف من إيذاء الأبناء, والحرمان من الأطفال،كما كشفت معظم الدراسات العربية المتخصصة التي تناولت ظاهرة (العنف الأسري) في مجتمعاتها إن (الزوجة ) هي الضحية الأولى, وان الزوج بالتالي هو المعتدي، أي أن 99% يكون مصدر العنف المنزلي رجلا, ولأن العنف الأسري ومثالبه.. يعتبر ومن منظور(سوسيولوجي) انحرافا خطيرا عن الوظائف السامية للأسرة وخروجا عن معايير المجتمع وقيمه الأصيلة.. جعل المنظمات الدولية والحقوق الإنسانية في العالم تتصدى لهذا المرض الاجتماعي الفيروسي الذي بات يهدد الكيان الأسري ووظائفه البنائية في كل المجتمعات البشرية في العالم.. وذلك بإقامة الندوات الثقافية التنويرية والملتقيات العلمية التوعوية..وسن القوانين والتشريعات التي تضمن حماية المرأة من العنف والاعتداء عليها.. بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصصت يوما عالميا، الذي يصادف تاريخ 25 نوفمبر من كل عام, للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة..كأهم الاستراتيجيات لهذه المنظمات العاملة في هذا المجال الحقوقي والانساني، ولخطورة هذا» الوباء الاجتماعي» على أهم مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ( الأسرة).. ينبغي صياغة حلول علمية وعملية للحد من قضايا العنف المنزلي في مجتمعنا ومنها: قيام المؤسسات الدينية بدور فاعل في تكريس مفهوم الوعظ والإرشاد والتوعية الأسرية من خلال خطب الجمعة والمنابر الإعلامية، والاستفادة من الانفتاح الإعلامي والاتصالي، لحماية مكونات المجتمع الأسري من داء العنف ومظاهره, خاصة وأن تعاليمنا الدينية الإسلامية تدعو وتحث على أهمية الترابط والألفة والتراحم والتماسك الاجتماعي وإشاعة روح المحبة والوئام في العلاقات الاجتماعية والحياة الزوجية، وتنمية ثقافة الحوار الأسري.. والحوار أساس الاستقرار، وأيضا ضرورة, فتح مكاتب استشارات أسرية (نفسية واجتماعية) في الأحياء وتوسيع دائرتها بدعم من الجهات الحكومية المعنية.. كما يحدث في الدول المتحضرة.. فوجود مثل هذه المكاتب التنويرية والوقائية والعلاجية.. ربما يساعد في الحد من انتشار المشكلات الأسرية بالمجتمع السعودي وكبح جماحها, وكذلك صياغة خطة إستراتيجية وطنية متكاملة مكنة من الجهات المعنية لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة بمشاركة من الصروح الأكاديمية..بما يضمن إيجاد الحلول العلمية الممكنة لضبط توازن هذه الآفة المجتمعية، وإعطاء الندوات العلمية الثقافية, والدورات الفكرية التوعوية، وورش العمل الوقائية.. حول مخاطر وآثار العنف الأسري على البناء الاجتماعي ووظائفه.. أهمية قصوى من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية والأمنية.. بما يسهم في رفع مستوى الوعي الأسري..وتحصين الفكر ضد هذا السلوك المشين الذي يتنافى مع قواعد الدين الأخلاقية, والمعايير الاجتماعية الأصيلة، وحقوق الإنسان وكرامته.