يدخل قطاع الزراعة والأغذيَّة السعودي، مرحلة مهمة في تاريخه الذي يمتد لأكثر من 40 عامًا، في مواجهة تحدِّيات محليَّة من أبرزها الحاجة لترشيد المياه، وخلق قطاع زراعي مستدام قادر على مواجهة الطلب المحلي المتصاعد على الغذاء، في الوقت الذي تشكّل فيه الأزمات العالميَّة (غذائيَّة وسياسيَّة)، عامل ضغط على هذا القطاع الذي اكتسب كثيرًا من الخبرة بفضل السياسات الزراعيَّة الحكوميَّة خلال العقود الثلاثة الماضيَّة. ويمثِّل المعرض الزراعي السعودي 2012 مؤشرًا على الحراك الاقتصادي في القطاع الزراعي يكشفه حجم المشاركات والتنويع الذي يتمتع به المعرض. وتكشف إحصائيات وزارة الزراعة الأخيرة أن نحو 800 ألف هكتار من الأراضي في المملكة مزروعة بمختلف الأصناف الزراعيَّة، وهو ما وفر قدرًا معقولاً من الطلب المحلي على الغذاء، وحافظ على استقرار الفاتورة الغذائيَّة للمستهلك النهائي طوال العقود الماضيَّة. وتشير مصادر زراعيَّة إلى أن أبرز التحدِّيات المحليَّة للقطاع الزراعي المحلي هي ترشيد المياه في القطاع الزراعي الذي يستهلك نحو 16 مليار متر مكعب، وهو ما دفع الجهات المختصة لإصدار قرارات حازمة تتعلّق بتخفيض شراء القمح المحلي من المزارعين بنسبة 12.5 في المئة، وإطلاق الصندوق الزراعي مبادرات مهمة في هذا المجال، ووقف تصدير الخضراوات المكشوفة اعتبارًا من هذا الشهر، وقبل سنوات منعت تصدير الأعلاف، في حين أطلقت شركات الألبان المحليَّة مبادرات تتعلّق باستيراد أعلافها من الخارج بما يعادل ما يصدر من منتجات. لكن مع كل هذه الجهود فإنَّ هذه التحدِّيات تواجه غموضًا فيما يتعلّق بالإستراتيجيَّة الوطنيَّة للزراعة من قبل وزارة الزراعة التي تشير بعض المصادر إلى ارتباطها بصدور إستراتيجيَّة خاصة بالمياه من قبل وزارة المياه والكهرباء. على صعيد الأزمات العالميَّة، فإنَّ أزمات الغذاء المتتاليَّة تكاد تلقي بظلالها على القطاع السعودي، بالنَّظر لتأثر كثير من المنتجات بالأوضاع العالميَّة، وتحاول الجهات المعنيَّة تشجيع المستثمرين السعوديين على الدخول في شراكات عالميَّة في دول زراعيَّة سواء في إفريقيا أو آسيا أو أوروبا وأمريكا الجنوبيَّة، للمساهمة في الحدّ من أزمات الغذاء على مختلف دول العالم. وضمن جهودها لخلق قطاع زراعي مستدام أسست الدَّوْلة صندوق التنميَّة الزراعيَّة بمسمى (البنك الزراعي العربي السعودي) في تاريخ 3-12-1382ه ليكون مؤسسة إنمائيَّة مختصة في تمويل مشروعات القطاع الزراعي والحيواني في جميع مناطق المملكة، للمساعدة في تنميته ورفع كفاءته الإنتاجيَّة باستخدام أفضل الأساليب العلميَّة والتقنيَّة الحديثة، عبر تقديم قروض ميسرة من دون فوائد للستفيدين لتأمين ما يلزم نشاطهم من أدوات وآليات. وفي 29 محرم 1430 ه صدرت موافقة مجلس الوزراء على تغير مسمى البنك الزراعي العربي السعودي إلى صندوق التنميَّة الزراعيَّة برأس مال 20 مليار ريال قابلة للزيادة وفق خطط للمحافظة على المياه وترشيد استخداماتها الزراعيَّة والمحافظة على البيئة.وانعكست الآثار الإيجابيَّة لأنشطة الصندوق على تطوّر أداء القطاع الزراعي بالمملكة وزيادة نموه خلال السنوات الماضيَّة، إذ بلغ إجمالي القروض التي قدَّمها الصندوق حتَّى العام المالي 1432 - 1433ه - 2011م - 3291 قرضًا قيمتها الإجماليَّة 916 مليون ريال ليكون إجمالي عدد القروض المعتمدة منذ أن بدأ نشاط الصندوق في العام المالي 1384 - 1385ه حتَّى نهايَّة العام المالي 1431 - 1432ه 439559 قرضًا بقيمة إجماليَّة قاربت 3.43 مليار ريال، بالإضافة إلى إعانات لمختلف الأنشطة الزراعيَّة منذ عام 1974 وحتى نهايَّة عام 2010م بنحو 13 مليار ريال، أسهمت في تنشيط وتحديث القطاع الزراعي والحيواني في المملكة، وإنشاء المشروعات الزراعيَّة المتخصصة. وساعدت القروض المقدمة في تأمين احتياجات المزارعين من الآليات الزراعيَّة، ومضخات الري، والبيوت المحميَّة، وتأمين فسائل النخيل وشتلات الفاكهة، والبذور والأسمدة والمحروقات والمبيدات، وحفر الآبار، إضافة إلى تأمين قوارب ومعدات الصيد لصيادي الأسماك، وكل ما يحتاجه مربو الماشيَّة والنحالون. واستفاد من قروض صندوق التنميَّة الزراعيَّة خلال 2010 نحو 2857 مزارعًا ومشروعًا زراعيًا، منهم 2472 مزارعًا أي ما يمثِّل 86.5 بالمئة من إجمالي المستفيدين، و55 مشروعًا زراعيًا ويشكِّل نحو 2 بالمئة من إجمالي عدد المستفيدين وكان نصيبهم من القروض 291.7 مليون ريال أي ما يعادل 39 في المئة من إجمالي القروض. أما صيادو الأسماك فبلغ عددهم 151 صيادًا وهو ما يمثِّل 5.3 في المئة من إجمالي عدد المستفيدين بقيمة تبلغ 40.7 مليون ريال أي ما يشكِّل 5.4 في المئة من إجمالي القروض، يليهم مربو النحل وعددهم 179 نحالاً يمثِّلون 6.3 في المئة من إجمالي عدد المستفيدين وحصلوا على قروض بقيمة 28.7 مليون ريال أي 3.8 في المئة من إجمالي القروض المقدمة للمستفيدين وبذلك يكون متوسط نصيب المستفيد السنوى من إجمالي القروض التي اعتمدها صندوق التنميَّة الزراعيَّة للمستفيدين خلال عام 2010م نحو 753.1 مليون ريال بنسبة متوسط نصيب المزارع منها 263.6 ألف ريال. ويسعى الصندوق جاهدًا إلى تذليل بعض المصاعب التي تواجه المستثمرين سواء عن طريق إعادة جدولة القروض للحالات التي تستدعي ذلك أو بالبحث عن مستثمرين جدد أو عاملين بالقطاع ولديهم الخبرة اللازمة سواء عن طريق الاستئجار أو الشراء ونقل المديونيَّة إليهم وذلك للمشروعات المُتعثِّرة سعيًا لتصحيح مسار القروض وإعادة مسارها، كذلك تأمين احتياجات المزارعين بدايَّة موسم زراعة الحبوب عبر قروض تشغيليَّة لتأمين البذور والأسمدة والمبيدات والوقود.