نار «الأصلية» أم هجير «التشاليح» ؟    492 ألف برميل نفط يومياً وفورات يومية    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    أمير حائل يرفع التهنئة للقيادة نظير المستهدفات التي حققتها رؤية المملكة 2030    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    أمير جازان ونائبه يهنئان القيادة بما تحقق من إنجازات ومستهدفات رؤية المملكة 2030    60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    "أوبرا زرقاء اليمامة" تبدأ عروضها بحضور عالمي    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    المملكة تبدأ تطبيق نظام الإدخال المؤقت للبضائع    العين يكشف النصر والهلال!    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    الفيحاء يتجاوز الطائي بهدف في دوري روشن    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الرياض    الكشف عن مدة غياب سالم الدوسري    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    «رؤية 2030»: انخفاض بطالة السعوديين إلى 7.7%.. و457 مليار ريال إيرادات حكومية غير نفطية في 2023    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    النفع الصوري    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم : أ.د. سليمان بن عبد الله أبا الخيل *
مليكنا المفدى: بعودتكم الميمونة سطرتم أغلى ملاحم الحب والوفاء
نشر في الجزيرة يوم 03 - 03 - 2011

الحمد لله حمد الشاكرين، ونشكره على فضله العميم, وخيره الوافر الكريم, ونصلي ونسلم على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فبداية هنيئًا لنا بعودة مليكنا المحبوب, هنيئًا لنا بالاجتماع بعد الغياب, وبالألفة والتوحد الذي لا نظير له, هنيئًا لنا بولايتنا الراشدة, هنيئًا لنا بالعودة الميمونة التي طالما تلهفت لها الأفئدة, وانتظرها الجميع صغارًا وكبارًا, رجالاً ونساءً, هنيئًا لملك الإنسانية هذا الرصيد الكبير من الحب المتبادل الذي يعبر عنه الجميع بعفوية واندفاع, دون تكلف واصطناع, إننا حينما نشاهد هذه الآلاء المتجددة, والنعم المتوالية, والعطاءات المتدفقة التي أولانا إياها ربنا جل وعلا, لنرى في طيات المحن منحًا، وفي مواقف الابتلاء تمحيصًا، فهو الذي يبتلي ويعافي، ويقدر ما يشاء ويرفع، لحكم جليلة، وأسرار عظيمة قد لا ندرك إلا شيئًا منها، فقد قدر الله ولا راد لقدره ما وقع لإمامنا المسدد, وولي أمرنا المبارك, خادم الحرمين الشريفين, رجل الإسلام والسلم والإنسانية, وتكون هذه الابتلاءات مواقف للتمحيص, ومواطن للابتلاء, ثم يأذن الله بزوال الكربة, وانجلاء النعمة, وهذا شأن أراده الله لحكم لا تحصى, {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون} (الأنبياء:35), ولذا كرهنا في أنفسنا ما حصل، وعشنا فترة التمحيص ونحن نشعر بالحزن والترقب واللوعة والأسى, ونعيش لحظات فراق ولاة أمرنا بقلوبنا, ودموعنا ودعواتنا التي نحتسبها جزءًا من حقهم علينا، ثم يكشف الله هذه الغمة لتنجلي عن أسرار وحكم لو لم يكن منها إلا تجسد هذه اللحمة بين الراعي والرعية، والائتلاف والوحدة والاجتماع والتعاضد والتكاتف، بين الحكام والشعب، وإنها والله لمن أعظم النعم أن نرى الوحدة تتجسد في واقعنا بصورة لا نظير لها، فحكامنا الأوفياء، وقادتنا الميامين يجعلون رضا الله غايتهم، ومصلحة الوطن والمواطنين من أبرز مسؤولياتهم وأولى أولوياتهم، ويشعرون بما يحتاجه المواطن وما يلم به، وما يؤثر في سعادته ورفاهيته وطمأنينته, شعورًا بالأمانة, وتحملاً للمسؤولية إلى درجة الإشقاق على النفس, والقسوة عليها, نرى ذلك واقعًا حيًا, وصورًا متجسدة في واقع الحال, يبلغ بهم السرور غايته عندما تتحقق مطالب المواطنين, وتهيئ لهم الظروف والأحوال التي تثمر لهم الطمأنينة, ورغد العيش, واستقرار الأمور, وبعكس ذلك حينما يتعرضون لما يلحق بهم العنت والمشقة والأذى, أو حينما يقدر الله نازلة أو كارثة, وما أدل على ذلك من تلك الدموع الغالية, والمواقف الحانية من ملك الإنسانية حين زيارته لأبناء شهداء منطقة القصيم, ومواقفه في كارثة سيول جدة والرياض وغيرها, وليس شعورًا فحسب, بل أبلغ من ذلك تجند الأجهزة الحكومية, وتشكل اللجان الطارئة لوضع أسرع الحلول وأعمقها أثرًا.
بل يبلغ الأمر غايته, والاهتمام والرعاية أعلى مراتبها حينما لا نجد في قواميسهم فراغًا يعيشون فيه غيابًا عن وطنهم وأمتهم وشعبهم فها هو خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية رغم أنه في نقاهة المرض, وحالة الإعياء إلا أن ذلك لم يمنعه أن يعيش آلام الوطن والمواطن لحظة بلحظة, وساعة بساعة, ويوجه بما يكون رفعًا للمعاناة, أفلا يحق لنا قبل ذلك وبعده أن نفاخر بهم, ونحمد الله جل وعلا على نعمة ولايتهم, ونرفع أكفنا بالدعاء أن يزيدهم الله عزًا وتمكينًا وتوفيقًا وتسديدًا, بلى والله وتالله, فالحمد لله الذي هيأهم لذلك, وأكرمنا بوجودهم وولايتهم, ويكتمل عقد تحمل المسؤولية حينما نعلم ما تحمله ملك الحكمة والإصلاح من همٍّ وأمانة, وما أعلنه من قوة في الحق, وضرب بسيف العدل والإصلاح ضد كل من يثبت تهاونه أو إسهامه في الفساد بأي صورة, وكما هو معلوم فإن العدل أساس الملك, وإنما تبقى الأمم مهابة قوية بتحقيقه, وحينما ننظر إلى علاقة الشعب والرعية بهم, فإن الرعية في مقابل ذلك يبادلونهم التقدير والمحبة والوفاء، ويرون أن ولايتهم نعمة، ووجودهم رحمة، والنعم التي تترى عليهم منحة، وهذه مشاعر ومواقف تحكم علاقة الحاكم بالمحكوم في هذا الوطن العزيز في كل آن، لكن تظهرها مواقف الابتلاء، ومواطن التمحيص، وهذا ما عبر عنه المواطنون في لغة القلوب والأجساد حينما قدر الله سبحانه -ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه- أن يلم بملك الإنسانية، ورجل السلام، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -ألبسه الله لباس الصحة والعافية، ورد عنه كل سوء ومكروه- طارئ صحي، استلزم أن تجرى له عملية جراحية تكللت ولله الحمد بالنجاح، وأتم الله عليه نعمته بالصحة والعافية, وبلغت الفرحة مداها, وازدانت ربوع الوطن بالأفراح, وعبر الجميع عن سعادة غامرة يستشعرون بها أن القادم والدهم, وأحب الناس إليهم, حينما أعلن الديوان الملكي موعد العودة الميمونة للطائر الميمون يحمل أغلى الناس, وأحبهم إلينا في وطننا, لنعيش لحظات سعيدة, وأيامًا مباركة, تنثر فيها المآقي دموع الفرح كما نثرت دموع الحزن, وتطير الأفئدة فرحًا وابتهاجًا بالعودة الميمونة, وبالعافية والشفاء التام, وباجتماع الشمل بعد هذه الأحزان, فالحمد لله الذي أبدل الأحوال إلى أتم حال, وأكمل النعمة, وأتم الفرحة, والحق أن هذه العودة الميمونة بما حملته من مكرمات, ومبشرات, وما سجلته تلك اللحظات السعيدة, والمواقف العفوية الصادقة تعد ملحمة تسجل وفاء القائد لشعبه, والشعب لقائده, ويرى فيها أصدق تعبير عمّا تحمله الأفئدة من محبة متبادلة, وشعور ومشاعر لا يمكن أن تسجل في مقالات, أو تترجم باللغات, أو توصف بعبارات, بل أقصر وصف أن يقال عنها: إنها فوق ذلك كله, فقد جمعت الملحمة أفراحًا متعددة, ومناسبات كثيرة, فنجاح عملية المليك -أدام الله عليه العافية- فرحة الوطن، وسعادة النفوس، وغاية البهجة، وتمام النعمة، فالحمد لله على ما أعطى ومنّ ووالى، ويبرز طعم هذه الفرحة الغامرة حينما تقارن بمشاعر كل مواطن حينما ودّعنا مليكنا، وغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج وكل الألسن تتضرع بالدعاء أن يعجل بالشفاء لخادم الحرمين الشريفين، ويعيده إلى أرض الوطن سالمًا معافى.
والعودة الميمونة فرحة أخرى, فالأرض عطشى, والقلوب متلهفة, والنفوس متعلقة تترقب رؤية مليكنا بخير, وتنتظر وجوده في وطنه وبين أبناء شعبه يبادلونه حبًا بحب, ويشارك مع إخوانه الأوفياء من هذه الأسرة الماجدة أسرة السعد والبركة من آل سعود, الذين ترسموا خطى الملك المؤسس المجاهد, الإمام الصالح الملك- عبدالعزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه, وجعل الجنة مأواه-, وانتظام الأمور واجتماع الشمل وحصول الخير والبركة, وما صدر من مكرمات وأوامر سامية فرحة ثالثة, فالحق أنها أفراح وطن, وأيام خير وبركة, وساعات ابتهاج واحتفاء, فلله الحمد على ما أعطى وأولى, وأنعم وأسدى, ونسأله أن يديم علينا نعمه وفضله.
وإن هذه المشاعر التي نجدها متبادلة, ولم تكن متكلفة لهي مؤشر على أبعاد مهمة, ولها دلالات عميقة, ينبغي أن تبرز في ظل فتن تعاني منها بلاد مجاورة أصبحت الأحوال فيها مضطربة, والأمور فيها محيرة, فإن ثقتنا بالله جل وعلا ثم بثوابتنا, وسياسة ولاة أمرنا الحكيمة التي تعتمد الصدق والشفافية والصراحة والقرب بين الراعي والرعية, والمحبة غير المتكلفة, وتحقق قوام الملك وأساسه من الحكم بشريعة الله, وإقامة العدل وسياسة الأمور به, وفي مقابل ذلك قيام المواطنين بتحقيق المواطنة الصالحة من السمع والطاعة والنصح والتعاون والتكاتف والتعاضد وبذل الحقوق تعبداً لله, وغيرها من المعالم الرئيسية التي لم تعد خافية على أحد, بل صارت ميزة ظاهرة, وحقيقة ثابتة, وواقعًا مشاهدًا وملموسًا, أثبتته الأيام عبر المواقف الرائعة التي تدل على التكاتف الأسري، الذي لا يوجد في مجتمع آخر، فالتعامل المتبادل يتجاوز حدود الرسميات إلى تعامل إنساني راقٍ، وتواصل أسري تتناغم فيه أفراد الأسرة الواحدة, وتتعامل من خلاله بكل حب وإخلاص لكل فرد من هذه الأسرة الكبيرة التي تكن لوالدها وقائدها كل الحب والتقدير والاحترام سيما وهو الحريص على كل فرد في هذه الأسرة المتكاتفة، والذي منحها كل وقته وجهده من أجل إسعادها ورفاهيتها وسلامتها والمحافظة عليها، وعلى أمن وسلامة البيت الكبير الذي يحتوي الأسرة السعودية، وهذا التعاضد والتماسك الذي بني على أسس شرعية, وقواعد متينة, منذ قيام هذه الدولة السنية, دولة الإسلام والعقيدة الصحيحة, وتأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود, ومرورًا بتوحيدها وجمع شملها, وتكوين أعظم وحدة عرفها التأريخ المعاصر على يد الملك الصالح المجاهد المؤسس الباني المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -يرحمه الله- وهي تعتمد في كل شؤونها ومجالاتها الحكم بشريعة الله, وتطبيق حكم الله, وحماية أصل الأصول وأعظم المكتسبات توحيد الله جل وعلا, وقد تحقق لها بذلك وعد الله بالعز والتمكين, والنصر والتأييد, كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور} (الحج:41), وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور:55).
وفي شأن عقيدة التوحيد يقول الله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أولئِكَ لَهُمُ الأمن وَهُم مُّهْتَدُون} (الأنعام:82), ونحن في هذا العهد الميمون المبارك عهد رجل الإنسانية والسلام والصلاح والإصلاح خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- نعيش امتدادًا لهذه الحقبة الراشدة التي قامت على هذه الأسس, وأثمر لها ذلك الاجتماع والألفة والوحدة والتكاتف والتعاون, وحينما ننعم النظر في هذا العهد المبارك لنرصد من خلاله قوة البناء, واستمرار المنهج القويم الذي توفرت فيه مقومات الثبات أمام عواصف الفتن, وعولمة الإرهاب, ونستشرف من خلال ذلك التأييد من الله, والحفظ الموعود به من حمى المقدسات, وأقام شريعة الله, وهذا سر اللحمة والملحمة التي يحق لنا أن نفاخر بها, ونحمد الله عليها, ونتحمل المسؤولية تجاه الحفاظ عليها, وحمايتها من عوامل التغيير والزوال الذي قد يتلقفها بعض دعاة السوء والفتنة, ويلبسون بها والله المستعان.
وحينما نعود إلى المنجزات نجد أن لغة الأرقام والإحصاءات تثبت جزءًا من أسرار هذا الترابط والتلاحم، فمليكنا صدق الله في شعبه ورعيته، ومنحهم كل وقته لترصد لغة الإحصاءات منجزات عظيمة في حقبة حكمه الميمون الممتد بإذن الله رسم من خلالها وبمعاضدة أخيه وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير- سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع والطيران، وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير- نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية -حفظهم الله، وزادهم تمكينًا وعزًّا- سياسة بعيدة المدى، واستراتيجيات تجعل هذه المملكة في مصاف العالمية، وتكون سمعتها في المحافل الدولية مضيئة رغم عتمة الواقع العربي والعالمي، فها هو -يحفظه الله- في كل مناسبة يعلن رؤيته للواقع العالمي، وينادي في كل محفل بلغة السلم والسلام والتعايش والتعاون على البر والتقوى والخير،
حتى أصبحت مملكتنا -ولله الحمد- بقيادته رمزًا للمحبة والسلام والبناء، وأصبح -يحفظه الله- بمواهبه وسماته حاكمًا عادلاً، وأنموذجًا للشهامة والإباء، يعيد لنا أمجاد السلف، ويذكرنا بحقبة الخلفاء الراشدين, فإن تحدثنا عن الشأن المحلي فلن نستطيع أن نصف الحميمية التي تربطه بشعبه, فهو قريب من مواطنيه على سجيته، لا يكل ولا يمل في سبيل كل ما من شأنه تحقيق رضا الله عز وجل ثم إسعاد مواطنيه، تفيض جوانحه بالإنسانية ما يجعل عبراته تسيل عندما يشاهد أو يذكر له معاناة، ويتفاعل معها بشكل يخرج عن رسميات السلطة، وله رؤى رشيدة يحق لنا أن نصفها بأنها سد منيع ضد أبواب الفساد والاستغلال، ومن أجل هذه السمات الفذة لا غرو أن مَلَكَ القلوب، والتقت المشاعر والأحاسيس على محبته والثناء عليه، ونحتسب على الله أن يكون هذا من القبول الذي وضعه الله له في الأرض، لقاء إخلاصه وصدقه مع الله، وصلاح طويته, وذلك ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل, فقال: إني أحب فلانًا فأحبه, قال: فيحبه جبريل, ثم ينادى في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه, فيحبه أهل السماء, ثم يوضع له القبول في الأرض».
كما أن هذا شاهد على الخيرية التي يوصف بها المجتمع حينما تتصافى القلوب, ويقرب الراعي من الرعية, وتكون لغة المحبة هي سمة التواصل, «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم, وتصلون عليهم ويصلون عليكم».
وشأن ثالث يمكن أن نلمحه من العطاءات الملكية المتدفقة, والمكرمات المتوالية التي لم تنقطع, ليصدق على مليكنا أنه مبارك على وطنه وشعبه, والله تعالى يقول عن عيسى بن مريم -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ), ومن بركته ما يكتب على يديه لأمته وقومه, قال ابن عاشور -رحمه الله-: «المبارك من تقارن البركة جميع أحواله, ويكون مباركاً أينما كان».
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً جاء إلى النبي? فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً», فحينما نتأمل على ضوء هذه النصوص ما تحقق لهذا الشعب الوفي في عهد ملك الخير والإنسانية نجد أنها منجزات متوالية, ومبادرات متتابعة تصب في خدمة الوطن والمواطن, ويصدق عليها أنها بركة كتبها الله على يد الرجل المبارك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز -أيده الله-.
والحق أن الحديث عن جوانب سماته الشخصية -أعزه الله- والتقاء المشاعر والقلوب على محبته وما يشعر كل مواطن وكل مسلم تجاه النعم التي تتوالى عليه حديث ماتع، ومحبب للنفوس، واستجلاء هذه المكانة والمحبة يتطلب حديثًا طويلاً، ولن نصل إلى الوفاء بما نريد، لكنها إشارات ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ويكفينا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ», وإن مما يميزها أنها صور غير متكلفة, تستهل بها نفوس الشعب بكل أريحية وصدق ووفاء, ومكرمات الرجل المبارك تتوالى وتستمر حتى ليصح لنا أن نقول إنها سجية له, فقد اعتاد الوطن من مليكنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العطاء المستمر، والنظرة المستقبلية البعيدة للتنمية، والتوجيه بكل ما يرفع معاناة المواطنين, وما حصل ويحصل في هذه الأيام أيامًا شاهد على ذلك، فبينما يحتفل فيها الوطن والمواطنون بسلامة وصول خادم الحرمين الشريفين من رحلته العلاجية وهو في صحة وسعادة لرؤيته أبناء وطنه، وهم يجددون له مشاعر الولاء والمحبة والعهد على البناء، وإكمال مسيرة الخير الذي يقودها إلا ويصدر تلك الأوامر السامية التي عمت بالخير والعطاء الجميع, لتكون هدية الراعي المحب الحنون للشعب الوفي الذي لم يستغرب منه هذه اللفتات والعطاءات التي توالت, وكانت عطاءات سخية, تخدم كافة شرائح المجتمع, وتركز على الفئات التي هي أكثر إلحاحًا وحاجة, فمن دعم مختلف فئات الشعب ومستحقي الضمان الاجتماعي إلى الحرص على توفير السكن لكل مواطن بالقروض الميسرة إلى إعانة الشباب العاطل ريثما تتهيأ له فرص العمل, بل وشملت حتى المستفيدين من خدمات الجمعيات التعاونية, والأندية الرياضية والأدبية وغيرها, خير عميم, من رجل كريم, وفقه إليه الرب الرحيم.
وإن القرارات الملكية التي أصدرت قبيل وصوله أرض الوطن جاءت بلا شك بعد تلمس احتياج شعب خادم الحرمين الشريفين, وبعد دراسة مستفيضة من جميع الجوانب لتكون إسهامًا في معالجة الأحوال التي تكون سببًا للمعاناة المستمرة, وتعد هذه القرارات هدية من مليك أحب شعبه وأحبه شعبه, فأتم السعادة على أبناء شعبه.وإن من يتأمل هذه الحزمة المباركة من الرجل المبارك على شعبه ووطنه يجد فيها دليلاً قاطعًا على ما أسلفناه من تحمل المسؤولية إلى درجة الإشقاق على النفس, ودفع عجلة الإصلاح لتتسارع الخطى, ويحقق الله للملك الإنسان رجل المواقف الصعبة, والقرارات الحازمة ما يطمح إليه.لقد قوبلت هذه القرارات بفرحة شعبية عارمة, وسعادة كبيرة, وصاروا بعفوية يتبادلون التهاني بسلامة الوالد القائد, ويتباشرون بهذه المكرمات, ويلحون على الله بالدعاء أن يحفظه قائدًا لهذه المسيرة المباركة, ويطيل في عمره على الطاعة والإيمان.
لقد أثبت مليكنا المفدى بهذه المواقف والقرارات عبقريته الفذة, وحكمته وحنكته, وما يحمله مع ذلك من رحمة وإنسانية, ألا أنه ملك الحكمة, وملك الإنسانية, فلنعم المليك مليكنا, ولنعم الوالد والأب الحنون عبدالله بن عبدالعزيز.
إن هذا الشأن الداخلي لم يشغل مليكنا عن الشأن الإقليمي والدولي, سواء على الصعيد العربي والإسلامي أو على الأصعدة العالمية, بل إنه -يحفظه الله- تعيش هذه الأزمات التي تحدث الآن وقبل في وجدانه, وتنال اهتمامه حتى وهو في فترة النقاهة والمرض, فلم يقعده ذلك عن متابعة شؤون الوطن والعالم, بل تحول مقر إقامته في نيويورك إلى مكتب دائم لمتابعة أمور البلاد والعالم, وأصبح موئلاً للجميع, يصدر الجميع عن حنكته وحكمته وآرائه السديدة, ويثبت للعالم أن حمل الأمانة والمسؤولية لا يقف دونها عائق أو حاجز, وأنه -يحفظه الله- يجد سعادته ونفسه حيث يمارس مسؤوليته, وسعادته حيث تنتهي معاناة الآخرين, ألا إنها مواقف ومبادرات مكن بها لهذه البلاد، وقادها باقتدار إلى الريادة والمثالية الطموحة والعالمية، وهو بهذه الصور المثالية يوقفنا بتصرفاته ومبادراته على تمسكه بالإسلام وقيمه وأحكامه، والشعور بشعور الجسد الواحد, يجعل قضايا المسلمين وما يحل بهم فوق كل اعتبار، ويساهم ويشارك بكل ما أوتي من ثقل وقوة عالمية ليوظف هذه المكانة في مشاركة المسلمين قضاياهم ومعاناتهم، وها نحن نشعر وبكل فخر واعتزاز أن بلادنا الحبيبة، ووطن الإسلام المبارك يفرض نفسه في كل المحافل الدولية كرائد للسلم والسلام، وقائدنا ومليكنا بمبادراته وحكمته وحنكته يجمع الأمم المتنافرة، لتعتمد الحوار الهادف، والقيم المشتركة، والعلاقات المبنية على التسامح والتشاور، فتختزل هذه المبادرة التاريخ التحديات والعقبات، وتجسد الطموحات والآمال واقعًا حيًا، تقوم على هذه الأسس التي ينطلق فيها من ميزات الإسلام وخصائصه وقيمه وثوابته، وتنبذ كل مظاهر الغلو والتطرف، والإرهاب والإفساد، ويكون الخطاب الوسطي هو الصورة المثالية التي تفرض نفسها كبديل لطرفي النقيض، وقد توالت الشهادات العالمية، والاعترافات بقوة تأثيره، وعظم محبة الشعب له، حتى صار ثالث أعظم شخصية في العالم، فالحمد لله الذي منَّ على إمامنا وولي أمرنا بالنجاح، والحمد لله الذي أسعدنا بالعودة الميمونة, والحمد لله الذي وفقه وسدده لما صدر من قرارات, ونسأل الله أن يجعل ما ألم به كفارة وأجرًا، وأن يتم عليه نعمة الصحة والعافية، ويلبسه لباس التقوى، والحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.