وزير التعليم: عام تطويري شرط لتعيين المعلمين و4 حركات نقل سنوية    القبض على (7) إثيوبيين ويمنيين في جازان لتهريبهم (140) كجم "قات"    ترمب يهدد روسيا ب«عواقب وخيمة جدا» إذا لم تنه الحرب في أوكرانيا    مهمة جديدة تعيد الموهوب    أمانة منطقة القصيم تنفذ مشروع ميدان المعلم ضمن جهود تحسين المشهد الحضري بمحافظة عيون الجواء    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    أمير تبوك يطمئن على صحة عون أبو طقيقه    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    البلديات تُصدر اشتراطات محدثة لتنظيم اللوحات الدعائية والإعلانية    نواف بن سعد رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة الهلال غير الربحية    عدم تغطية الحمولة المنقولة مخالفة مرورية تستوجب الغرامة    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    الأمن العام يحث ضيوف الرحمن على عدم الجلوس في الممرات داخل المسجد الحرام    صندوق الاستثمارات العامة يحقق 19% نموا في أصوله المدارة    سعود بن نايف يترأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة الشرقية    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    ارتفاع أسواق الأسهم الآسيوية    بدعم من مؤسسة سليمان الراجحي.. جمعية الإعاقة السمعية في جازان تسلم سماعات أذن ل16 مستفيدًا    "الندوة العالمية" في جيبوتي تُثمن إسهامات المملكة في تعزيز الوعي القيمي والديني    اوقية الذهب تصل الى 3351.46 دولارًا    "سدايا" تضع الشباب في صدارة أولوياتها لقيادة حاضر ومستقبل الذكاء الاصطناعي بالمملكة    امطار خفيفة الى غزيرة على اجزاء من مناطق المملكة    إيران تعرب عن استعداداها للتفاوض على برنامجها النووي    استقرار أسعار النفط    طائرة العيون لدوري الأولى    التوسع في تطبيق مقاييس التوافق قبل الارتباط    معاناة غزة إلى مستويات «لا يمكن تصورها»    لقطات ساحرة للشفق القطبي    ألمان ينسون طفلهم بمحطة وقود    تعاون موسيقي يجمع كوريا وروسيا    3 أبطال جدد وإنجازات تاريخية مع ختام الأسبوع الخامس من كأس العالم للرياضات الإلكترونية    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    الحياة البسيطة تعزز السعادة    استخراج هاتف من معدة مريض    فوائد ومخاطر النعناع الصحية    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: ندين جرائم وقرار إسرائيل باحتلال غزة    الجماهير السعودية تترقب كأس السوبر    كأس السوبر الأوروبي بين عنفوان باريس وطموح توتنهام    23.61 مليار ريال تسهيلات للصادرات السعودية    نائب أمير الشرقية يطلع على مشروعات وبرامج هيئة الترفيه    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «مزرعة إنجليزية» تشارك في مزاد الصقور الدولي    «تنظيم الإعلام» توضح 6 سمات للإعلامي الناجح    مأساة الكوليرا تضرب النازحين في دارفور.. «المشتركة» تتصدى لهجوم الدعم السريع على الفاشر    قبيل زيارة لاريجاني لبيروت.. الرئيس اللبناني: الاستقواء بالخارج مرفوض    الأردن يوقف عناصر مرتبطة بجماعة الإخوان    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان المستجدات الدولية    عودة المشرفين والإداريين في 11 منطقة للمدارس    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
أبو القاسم الشابي شاعر الحب والثورة
نشر في الجزيرة يوم 27 - 08 - 2001

لا يعرف المرء من أين يبدأ في الكتابة عن أبي القاسم الشابي، لأنه يقف مبهوراً أمام هذه العبقرية الفائقة وهذه الشاعرية الفذة التي ضن الزمان المتأخر بمثيل لها. كما أن الإنسان يذهل عندما يعرف ما وصل إليه هذا الرجل من ثقافة واسعة ومن رؤى أدبية واجتماعية عز أن تجتمع في شخص في تلك السن المبكرة من العمر.
فنحن إذا استثنينا فعل البيئة الأسرية باعتباره من أسرة علم وشعر كبيرة، وإذا استثنينا ملاصقته لوالده القاضي والأديب وتأثره به، وإذا استثنينا حرص والده على تعلمه وتنشئته تنشئة معرفية منذ نعومة أظافره، فإن ما يتمتع به أبو القاسم الشابي من استعداد فطري لاختزال كل هذا وصهره في بوتقة من العبقرية فائقة، هو ما كان له الأثر الأكبر في نبوغه المبكر. فيكفينا أن أبا القاسم الشابي قد استطاع رغم اقتصاره على لغة واحدة هي اللغة العربية أن يطلع على كل ما يكتب من جديد الشعر والنثر في الغرب وفي المشرق العربي ويلم بكافة القضايا المطروحة على النخب الأدبية والسياسية والاجتماعية شرقا وغربا.
كما استطاع أن يصهر بفكره الخلاق كافة الاتجاهات الإبداعية في مجال الشعر والنثر وأن يدخل بفكره وقلمه في نقاش كافة القضايا المطروحة على الساحة الوطنية والقومية. فها هو يدعو إلى تجديد الموروث الثقافي التقليدي، ويدعو إلى تحرر المرأة وتنوير المجتمع بالقضايا الحساسة والمصيرية ويسعى إلى التجديد في مجال الأدب.
وهكذا كان عطاؤه مبكراً فقد نظم الشعر وهو لم يزل طفلا، كما بدأ كتاباته الأدبية وهو في الثامنة عشرة وخرج له أول ديوان شعري وهو في التاسعة عشرة وذلك في المجلد الأول من كتاب« الأدب التونسي في القرن الرابع عشر ه «الموافق لسنة 1927م. وفي السنة التالية صدر له كتاب «الخيال الشعري عند العرب» بعد أن ألقى محاضرة في الموضوع ذاته أمام قدماء المدرسة الصادقية وقد تسببت له الآراء التي نشرها في هذا الكتاب في حملة صحفية شعواء شنت ضده، وصمد في وجهها صمود الطود أمام الطوفان وليخرج منها أكثر صلابة وأنضج رؤى.
غير أن الموت المفاجئ لوالده وانكشافه أمام مصاعب الحياة، وإصابته بداء تضخم القلب، كلها أمور قد أصابت الشاعر في المقتل وإن كان من أثرها مضاعفته لإنتاجه الأدبي مصدقا بذلك مقولة المسعدي الشهيرة: «الأدب مأساة أو لا يكون».
فهو رغم اعتكافه في توزر نتيجة المرض، فقد واصل نشر قصائده الرومانسية في المشرق بمجلة« أبو لو» المصرية وقدم لديوان صديقه أحمد زكي أبو شادي «الينبوع» مقدمته الرائعة وقام بكتابة ديوانه الشهير «أغاني الحياة» الذي اختطفته يد المنون قبل أن يقوم بطباعته ونشره.
ولقد كانت لأبي القاسم الشابي طباع إنسانية غاية في الرقة والوداعة واللطف مثلما كانت له ملكة شاعرية وأدبية غاية في الرهافة والإبداع. ولذا فإن المتصفح لقصائده سيجد فيها روعة المعاني ورقة التصوير وسلاسة الألفاظ وبساطة اللغة وحسن التعبير عن المقصود على نحو قل أن يجتمع في شعر شاعر أو إبداع مبدع، ولذا جاءت قصائده معبرة عن شخصه الولهان المعاني وعن رغبة شديدة في العيش وعن تشبث متين بالحياة. ونزوع لصف الثورة والتحرر من القيود. كما جاءت مملوءة بصنوف الحكمة والأوصاف البليغة المعبرة عن عبقرية إبداعية نادرة. ولعل القارئ الكريم ممن لم يقرؤوا للشابي لن يأخذ علينا ما أطرينا به هذا الأخير من أوصاف ونعوت.
فمن يقرأ قصيدته الشهيرة في هيكل الحب وما تشع به من إبداع في كافة اتجاهات الإبداع الشعري وصفاً ومعنى ولغة وعروضا سيغفر لنا إطالتنا في إطراء إنتاج الرجل بل قد يأخذ علينا تقصيرنا فيما أوردناه عنه من نعوت.
يقول الشابي في قصيدته المذكورة:
عذبة أنت كالطفولة
كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك كالليلة
القمراء كالورد، كابتسام الوليد
هكذا هو الشابي في شعره سواء كان في هيكل الحب أم انصرف إلى التشبث بالطبيعة كمخلص أول دليل على إدارة الحياة.
فمن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
وفوق الجبال وتحت الشجر
وقالت لي الأرض لما سألت
أيا أم هل تكرهني البشر
أبارك في الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
ويقنع بالعيش عيش الحفر
والشابي هو هو أيضاً عندما يناجي الشعر ويتماهى معه وجدانا وماهية ويتبناه سليلا مستنسخا منه.
أنت يا شعر فلذة من فؤادي
تتغنى وقطعة من وجودي
فيك مافي جوانحي من حنين
أبدي إلى صميم الوجود
فيك ما في خواطري من بكاء
فيك مافي عواطفي من نشيد
فيك مافي مشاعري من وجوم
لايغني ومن سرور عهيد
هكذا إذا نرى أن الشابي لا يريد الانفصال عن ماهية الشعر وكينونته، فكل شعر جميل بديع هو تعبير عن الشابي وإن لم يكن قائله فغدا لذلك الشعر مطلقا كائنا محسوسا يعبر بالقوة والفعل عن شخص الشابي الشاعر المحصور في الزمان والمكان على نحو من فلسفة التمثل الماقبلي لكل ماهو إبداع شعري خالد وإن تعددت رسائله أفراحا وأتراحا. ومن هنا استطاع الشابي أن يخلد ذاته الشعرية ويعجلها دائمة التنسك في معبد الإبداع. وتقديرا من تونس لهذا المبدع ينتظم مهرجان سنوي تخليدا لذكراه، واعتبرت قصيدته الشهيرة «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» نشيدا وطنيا لها.. فالشابي إذن لم يزل حيا في تونس وذاكرتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.