عرفت الدكتورة بثينة شعبان أستاذة جامعية وديبلوماسية ووزيرة ومستشارة للرئيس السوري، إلا أنها قبل هذا وذاك صديقة عزيزة أعتبرها منظمة من عضو واحد لنصرة المرأة العربية، مع أن شهرتها السياسية تطغى على كل نشاط آخر لها. كنت في بيروت خلال فترة الأعياد واخترت أن أقضي يوماً في دمشق لرؤية أختنا بثينة (وبعدها الدكتور رمضان شلّح والأخ خالد مشعل)، ورأيت في آخر أيام الإقامة في بيروت صديقة عزيزة أخرى وشريكة مؤتمرات فكر وعلوم هي السيدة بهية الحريري. للدكتورة بثينة شعبان معرفة أكاديمية موسوعية بالنشاط الفكري للمرأة العربية قديماً وحديثاً، وهي أهدتني كتابين من تأليفها هما «باليمين واليسار: النساء العربيات يتحدثن عن أنفسهن» و «أصوات مكتشفة: روائيات عربيات بين 1898 و2000». والكتابان يعكسان كذلك بعداً ثقافياً غربياً، فقد تعلَّمت المؤلفة وعملت في أرقى الجامعات الأميركية. كذلك فهي عندما تتحدث عن مي زيادة تقارنها بالكاتبة الإنكليزية فرجينيا وولف وترى أن الأولى كانت ضحية الوعي لحقوق المرأة العربية والى أن اتهمت بالجنون، والثانية كانت ضحية وعي مماثل لحقوق المرأة الغربية حتى انتحرت. والأولى كان لها صالون أدبي والثانية برزت مع مجموعة بلومزبري. وعندما تتحدث عن رواية زينب محمد «أسرار وصيفة مصرية» تقارنها برواية صموئيل ريتشاردسون «باميلا وكلاريسا»، مع الفارق أن القارئ يعرف عن فكرية، بطلة رواية زينب محمد، من كلام عشيقها وصفي مع صديقه خيري، أما في الرواية بالإنكليزية فالكاتب رجل يتحدث عن أخلاق صبايا زمانه. وسرني شخصياً أن أقرأ مراجعة بثينة شعبان لرواية «الجامحة» من تأليف الكاتبة والصحافية المصرية أمينة السعيد، فقد كانت من أركان «دار الهلال» ورأست تحرير «المصور»، وقرأت لها وللدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) ما حبّب إليّ القراءة مراهقاً. لا مجال لمناقشة اختنا بثينة في معلوماتها فهي موثقة، وقد وقعت على محاضرة لها سنة 2006 عن دور المرأة العربية في هذا العصر ألقتها في جامعة دمشق، ذكرت فيها أنه قبل الحرب العالمية الأولى كان هناك 25 مجلة عربية تهتم بتحرير المرأة، وأن النشطة اللبنانية زينب فواز العاملية كتبت الى نساء أميركا معترضة على قرار مؤتمر نسائي لهن يقول إن مكان المرأة البيت وتربية أولادها. إذا اختصرت الزمان حتى اليوم أقول إن أفضل إنجاز عربي في الجيلين الأخيرين كان تعليم المرأة، خصوصاً في الخليج، حتى رأينا نساء يرأسن جامعات الكويت وقطر والبحرين وجامعة الخليج ما لم نرَ في مصر أو لبنان أو سورية. ولكن رغم هذا التعليم، وتفوّق الإناث باستمرار في الامتحانات على الذكور، ورغم قوة حجة أختنا بثينة أجد أن المرأة العربية لا تزال منقوصة الحقوق، بعيدة عن المساواة، وأن الرجل العربي، في كثير من بلادنا لا فيها كلها، لا «يستقوي» أو يشتد إلا على المرأة العربية بعد أن فشل أمام رجال العالم الآخرين. إذا كان من شيء واحد يجمع بين بثينة شعبان وبهية الحريري، فهو الالتزام الوطني العربي، وكنت عرفت اختنا بهية عن طريق أخيها رفيق، رحمه الله، وتوثقت العلاقة بيننا عبر مؤسسة الفكر العربي فهي من أمنائها، وفي مجلس الإدارة مثلي. وقد شاركنا في مؤتمرات من المغرب الى الخليج، مروراً بالقاهرة وبيروت. السيدة بهية الحريري تلعب دوراً رئيساً في مؤسسة الحريري للتنمية البشرية، وتركز على التعليم، كما إنها وراء منتدى الطائف وهو حواري ثقافي وسياسي. وعندما زرتها في مكتبها المطل على ساحة رياض الصلح وجدت أنها تخطط لمشروع جديد جمعت له فريق عمل من أعلى مستوى، إلا أنني لن أكشف أي تفاصيل بانتظار إعلانها رسمياً. كل ما سبق لا يحول دون اهتمامها بمدينتها صيدا، فهي تمثلها في البرلمان، وعندما تزوج ابنها أحمد مصطفى الحريري في الخريف الماضي، كانت هناك أيضاً حفلة زفاف جماعية في ملعب رفيق الحريري (حوالى 60 زفافاً)، لشباب وشابات من المنطقة، بينهم فلسطينيون. بهية الحريري قالت في خطاب لها أمام ضريح رفيق الحريري في 14 آذار (مارس) 2005 والجرح دامٍ: لن نقول وداعاً سورية، أو شكراً سورية، بل الى اللقاء مع الشقيقة سورية، لأن الأشقاء لا يتباعدون ولا يتحاسبون، بل الأشقاء يكبرون معاً وينهضون ويتساعدون... وسوف نكون الى جانب سورية كما كنت دائماً الى جانبها، وسوف نقف معاً حتى تحرير أرضها واستعادة سيادتها على الجولان المحتل. السوريون والعرب جميعاً لا يزالون يذكرون لبهية الحريري هذه الكلمات، وهي في الفقرة السابقة لها تحدثت عن قضية العرب الأولى قضية شعب فلسطين وحق هذا الشعب في العودة وبناء دولته وعاصمتها القدس الشريف، ووعدت بأن يبقى اللبنانيون مع هذا الشعب الشقيق الذي امتزجت دماؤهم بدمائه حتى يحقق النصر. وأنا فخور بإنجازات بثينة شعبان وبهية الحريري وبأنهما بين أصدقائي. [email protected]