«هل تحل مشكلات العالم بالسيف أم بالقانون؟ في الالتجاء إلى القوة أو المبدأ؟». تساؤلات نسج منها توفيق الحكيم مسرحيته «السلطان الحائر» مسقطاً فكرته على الواقع المصري في ظل غياب الديموقراطية وحرية الرأي إذ كان الحكم للسيف لا القانون - بحسب رأيه - بعد قيام ثورة يوليو 1952. وعلى رغم كتابة الحكيم للمسرحية عام 1959، تعتبر فكرتها قائمة في كل العصور والأمكنة، إذ يعيد تجسيدها على مسرح ميامي في القاهرة الفنانون محمد رياض وحنان مطاوع ومفيد عاشور بادارة المخرج عصام نجاتي. وتُمثل «السلطان الحائر» عودة موفقة للنصوص التراثية إلى المسارح في خضم العروض التجارية والاستعراضية التي تعج بها المسارح المصرية. وتدور الأحداث في العصر المملوكي تحت حكم سلطان عادل تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يشكك أحدهم في دستورية توليه الحكم لأنه كان عبداً مملوكاً لسيده الذي مات قبل أن يعتقه، ليقع السلطان في فخ الصراع بين تطبيق القانون، أو استخدام سياسة القمع لتكميم الأفواه. لكن السلطان يختار القانون، فيعرض للبيع في مزاد علني أمام شعبه، وتشتريه غانية توقع على صك عتقه إذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر. وتستضيف الغانية السلطان في بيتها، وأثناء الحوار بينهما يكتشف حبها للأدب والفن بينما تنجذب هي لدماثة خلقه ومبادئه، ثم يؤذن لصلاة الفجر قبل حلول الوقت إذ تحايل القاضي على القانون، وزعم أن العتق يتم إذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر سواء كان الآذان في موعده أم لا. لكن السلطان يفضل البقاء حتى الموعد الحقيقي لتقع الغانية في إشكالية التنازل عن حقوقها أو التمسك بها. لكنها تقرر أن تعتقه قبل الموعد المحدد مودة له. واستطاع الحوار أن يُبرز الفكرة في صورة حيّة من خلال طرح مجموعة من الأسئلة توحد المشاهد مع شخصيات العرض الحائرة بين فرضيات واختيارات عدة تمس جوانب مختلفة في مجتمعها. عالج المخرج نص الحكيم بشكل عصري إلى حد ما مستخدماً بعض المفردات العامية فضلاً عن افتتاح العرض باستعراض يفتقد الانسجام مع الأحداث. كما حول المخرج المسرحية إلى حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة من خلال شاشة عرض سينمائية، بدأ العرض المسرحي بها وانتهى، تحكي من خلالها شهرزاد للملك شهريار حكاية «السلطان الحائر». وعلى رغم أن أحداث المسرحية تدور في عصر المماليك، وضع المخرج في أحد المشاهد رجلاً يرتدي بدلة عصرية ويستخدم الخليوي ويريد شراء السلطان في المزاد لكن رمزية الشخصية ومدلولاتها يصعب تحديدها في شكل قاطع. وأقحم المخرج في المسرحية خمسة استعراضات وبعض الأغاني التي جاءت على حساب النص الأصلي، وطوال أحداث المسرحية لم يظهر العرض إلا بديكور واحد عبّر من خلاله عن عصر المماليك باستثناء المشهد الأخير الذي قضاه الملك في منزل الغانية. اتسمت الأحداث في مشاهد عدة بالرتابة، إلا أن ظهور الغانية «حنان مطاوع» أعاد التشويق إلى الأحداث. قدّم المخرج عصام نجاتي لوحة مسرحية بسيطة بعيدة من الغموض والتعقيد التمثيلي خصوصاً أن أداء محمد رياض وحنان مطاوع ومطاوع عاشور اتسم بالحرفية والهدوء مع تعايش كامل للأحداث. إلا أن نص الحكيم ظل أعلى من معالجة المخرج له. يذكر أن المسرحية قدمت عام 1963 على المسرح القومي، وأدى العمل سميحة أيوب ومحمد الدفراوي وفاخر فاخر، واخرجها فتوح نشاطي.