اللافت في القضية «صُلْب المَقَال» أنها الحادثة الثانية في عامين بسيناريو مشابه وبالمدينة الساحرة ذاتها ليتناثر معها أكثر من جسد بمسببات طائشة، ذهبت إلى الحل الطائش البالغ لمستوى «كارثة»، ولأنها المرة الثانية التي يوضع فيها العقل جانباً بشكل هستيري ليحل محله التهور المجنون ويخرق الثوب الاجتماعي ليبدأ في تشويه الملامح، ذهبت - بمعية ما يلفت - للبحث عن السر عبر قراءة سطحية للمكان، وإذ به لا يختلف إلا بالاسم عن أمكنة مجاورة وبعيدة تداخلت واختلطت بها الوجوه واللهجات والقبائل متشكلة كنسيج اجتماعي واحد، ذهبت إلى العمق في قراءة عابرة أخرى من على بعد مئات الكيلو مترات لأعرف أن التشابه يتطابق أيضاً مع الأمكنة المجاورة، لم أجد سبباً مقنعاً للبعد الجغرافي أولاً ولضعف الاطلاع على معدل الخطأ والجريمة هناك، إنما الخوف ينطلق من أن تتكرر الحادثة ويتعامل معها كحدث عادي لتطفو على السطح تدريجياً بلا تحرك فعال يزيل لمحة الخوف الحاضرة مع كل مشهد دموي مشابه، الحادثة هي جزء قوي من تشكيلة العنف الآخذة في النمو ببطء وذهب ضحيتها أبرياء كان قَدَرُهم أن تواجدوا لحظة الانفعال والتهور وغياب العقل. مخجل أن نتواجه مع القضية كحدث طارئ دون دراسة اجتماعية جادة وبحث عن خيوط الجنون المبكرة تلك التي أحضرت المكان ككارثة، وزاوية الرؤية لا بد أن تذهب للجريمة على اعتبار أنها اعتداء على أمن وأمان مجتمع بأكمله لا مجرد حادثة فردية واعتداء على شخص بعينه، ليلزم أن نكشف السر المجهول وراء الفعل لكونه الانطلاقة الحقيقية لكل تصرف دموي مماثل، وقد نجرؤ على كشفه، وثانية نقترب منه ونغادر، وأحياناً نشاهده وجهاً لوجه ونتعامى عنه، لأنه لا يعنينا بشكل مباشر في المقام الأول، وبجمع أصوات المتقاطعين مع الجريمتين مضموماً لها «صوتي» اختلفت المبررات والمسببات إلا أنها لم تخرج عن كونها تتمركز في عامل خجول من رباعي: الجهل، ضعف الوازع الديني، العصبية القبلية، وإخفاء العقوبة أو تمييعها حد تهميش الجرم، وهي العوامل ذاتها التي تتوزع على الخريطة الاجتماعية المحلية حين حدوث خطأ، أو خلل يستعصي على التجاهل والرمي خلف الظهر مع فارق النسبة وتباين عناصر التشجيع والتحفيز لكل عامل على حدة. القلق الكبير من تكرار الجريمة طالما كانت تأتي هكذا بالدموية والتلبس الكامل نفسهما للشيطان دون أدنى معاينة للأسباب ومناقشتها ودراستها جدياً، وإشراك كل الأطياف الاجتماعية في خطوات الحل قبل أن نستيقظ يوماً ما على معركة قادمة بطرف مجنون وآخر مظلوم، ما يقلص من واجهة الحلول ويزيد ربما فوضى الأخطاء أنها لا تزال تأخذ حلولاً فردية بحتة تشبه المسكنات الموقتة، فيحضر فيها الوجه الاجتماعي بكل بريقه ووجاهته، ومئات الألوف التي تتضاعف بشكل تلقائي، والمطالبات التي لا تتوقف دون نظرة ثاقبة وبعد رؤية يستخرجان السبب لطاولة العلاج قبل المعالجة الوقتية للنتيجة، فربما كانت هذه المعالجة شرارة خطأ أكبر لكون العلاج جائراً، أو لم يعط كل ذي حق حقه، لست متشائماً لكن كشف سبب الجريمة الموقظ للفتنة أهم من احتواء سريع متوقع لجريمة حالية، حتى لا تتحول جرائم على عدد أصابع اليد الواحدة لخطر يدق ناقوسه شيئاً فشيئاً بخاصرة المجتمع. [email protected]