سمو وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (37) من طلبة كلية الملك فهد البحرية    إعلان نتائج أرامكو غدا.. ترقب من سوق الأسهم وتوصيات المحللين    التخصصات الصحية: التقديم على برنامج مساعد طبيب أسنان    «البلسم» تجري 48 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية في أول يومين من الحملة الطبية باليمن    أمير تبوك يقلد مدير الجوازات بالمنطقة رتبته الجديدة    أمير المنطقة الشرقية يفتتح يوم المهنة ال39 بجامعة الملك فهد    القدية تطلق أكواريبيا.. أكبر متنزه ترفيهي مائي في المنطقة    أمير تبوك يستقبل الأمين العام لمجلس منطقة جازان    السعودية وبريطانيا تبرمان اتفاقية لإنقاذ جوعى الصومال    فيصل بن بندر يرعى حفل التميز لخريجي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .. غدا    لماذا شرعت روسيا في إجراء تدريبات نووية؟    وزير العدل يفتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي في الرياض    بسبب الهلال..عقوبات من لجنة الانضباط ضد الاتحاد وحمدالله    الرئاسة الفلسطينية تحذر: إسرائيل تخطط ل«أكبر جريمة إبادة جماعية» في رفح    أغسطس «2020».. آخر فوز للراقي    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    "آلات" تطلق وحدتَي أعمال للتحول الكهربائي والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي    تعليم الطائف ينظم اللقاء السنوي الأول لملاك ومالكات المدارس الأهلية والعالمية    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    انطلاق "مهرجان الرياض للموهوبين 2024".. غداً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا    ارتفاع أسعار الذهب    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    «التعليم»: أولوية النقل للمعلمين لنوع ومرحلة المؤهل العلمي    السعودية.. الجُرأة السياسية    «كلاسيكو» تأكيد الانتصار أم رد الاعتبار ؟    5 مشروبات تكبح الرغبة في تناول السكَّر    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الاول للورد والنباتات العطرية    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    المجرشي يودع حياة العزوبية    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    بدر بن عبد المحسن المبدع الساعي للخلود الأدبي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    مهرجان الحريد    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    تقدير دعم المملكة ل "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    عزل المجلس المؤقت    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الف وجه لألف عام - «جان - دارك» لمارك توين: عمل عميق الإيمان من سيد الأدب الساخر
نشر في الحياة يوم 11 - 04 - 2009

«ذكريات شخصية حول جان - دارك، بقلم السيد لويس دي كونتي (وصيفها وسكرتيرها) مترجمة ترجمة حرة من الفرنسية القديمة الى الانكليزية المعاصرة، انطلاقاً من مخطوط غير منشور موجود في المحفوظات القومية الفرنسية»... كل هذه الكلمات تشكل العنوان الأصلي، في الانكليزية، الذي وضعه مارك توين لكتاب يبدو شبه منسي اليوم، كرّسه لرواية حياة جان - دارك، وكتب معظم فصوله فيما كان ينتقل بين المدن الأوروبية (فلورنسا، باريس وأترتات في الغرب الفرنسي) خلال عام 1894، لينجزه عند بدايات العام التالي وينشره في حلقات أسبوعية في «هاربر ماغازين» قبل أن يجمعه عام 1896 في كتاب. واللافت ان توين نشر الحلقات لصحيفة باسم مستعار، أما اسمه المعروف - وهو بدوره اسم مستعار على أية حال -، فقد وضعه على غلاف الطبعة الأولى للكتاب. والحقيقة أن القراء الذين يعرفون أعمال مارك توين الروائية والقصصية في شكل عام قد يستغربون أن يكون صاحب «توم سوير» و «هاكلبري فن» قد ألف رواية حول بطلة فرنسا القومية. أما قراء توين الذين اطلعوا جيداً على مواقفه السياسية التي أعلنها طوال حياته، وعمودها الفقري العداء للإمبريالية بحسب تسميته نفسها - فإنهم لن يستغربوا ذلك، حيث من المعروف أن جان - دارك تعتبر من أول الأبطال المقاومين للإمبريالية في العصور الغابرة. ونعرف طبعاً أن توين حين عاد الى أميركا قادماً من جولاته الأوروبية عام 1901، أسس منظمة قوية أطلق عليها، تحديداً، اسم «الرابطة الأميركية المناهضة للإمبريالية»... وهو اعتاد أن يهدي نسخاً من كتابه حول جان - دارك للأعضاء الجدد من الشبان الذين كانوا يريدون، من خلال الرابطة، مناهضة الإمبريالية.
ومع هذا، حين خطرت في بال توين، وكان يعيش في فلورنسا شمال ايطاليا في ذلك الحين، فكرة وضع رواية عن جان - دارك، لم يكن الأمر صدفة، ولا لدوافع أدبية. كان الأمر أشبه باعتذار وإزالة سوء تفاهم. ففي كتاب سابق لمارك توين عنوانه «يانكي من كونكتيكت في بلاط الملك آرثر» وردت عبارات استشعر قراء فرنسيون للكتاب انها تمس بالسوء بطلة فرنسا الصبية المناضلة، فاحتجوا على ذلك. ومن هنا شرع توين يكتب الرواية، مستنداً طبعاً الى الأحداث التاريخية ولكن مرصودة من وجهة نظر مختلفة كما سنرى، ومستنداً أيضاً الى اعجابه الدائم والمعلن منذ صباه بجان - دارك، علماً أنه أعطاها في الرواية سمات ابنته سوزي كليمنص، حين كانت هذه في السابعة عشرة.
وكما أشرنا، إذاً، على رغم الطابع الروائي للعمل التاريخي، تركه مارك توين حين نشره أولاً، من دون توقيع، على اعتبار أنه، وكما يشير عنوانه الكامل - قبل أن يصبح العنوان في نهاية الأمر «جان - دارك» لا أكثر ولا أقل - صورة قلمية للبطلة الفرنسية كتبها لويس دي كونتي، الذي كان في الوقت نفسه وصيف جان وسكرتيرها، ورفيق عمرها، حيث اننا - حتى في الرواية - نراه حاضراً بقوة خلال ثلاث مراحل أساسية من حياة البطلة: أولاً في طفولتها حيث كان يقوم بالسهر عليها، ثم بعد ذلك، خلال معاركها حيث كان فارساً أوّل بين فرسانها يلازمها، سلماً وقتالاً، كظلها، ثم أخيراً في المحكمة حيث كان يتولى الدفاع عنها بنفسه. والواقع أن هذا الحضور الثلاثي لحياة لويس دي كونتي في حياة جان - دارك ونضالها، يتماشى مع تقسيم توين الرواية الى ثلاثة أقسام، عنوان الأول «دومريمي» والثاني «في البلاط وفي المعسكرات» والثالث «المحاكمة والموت» وثمة كثر على أية حال، بين النقاد ومؤرخي الأدب يعتبرون ان الجزء الثالث أفضل الأجزاء، بل لعله الأفضل بين كل نتاجات توين الأدبية، علماً أن هذه الرواية كلها هي واحدة من آخر أعمال هذا الكاتب الأميركي الكبرى. وفي العادة يميل كثر من الباحثين الى تصديق مارك توين حين يقول ان «جان - دارك» قد استغرقته من سنوات العمل ما لم تستغرقه أي رواية أخرى كتبها، شارحاً أنه احتاج الى 12 سنة من التحضير والى قراءات مجلدات عدة كتبها ميشليه وغيره من كبار مدوني التاريخ الفرنسي قبل أن يجرؤ على الشروع بكتابة أول فصول الرواية.
ولئن بدا لوهلة أن ثمة تناقضاً بين هذا التأكيد، وبين ما هو معروف من أن توين كتب «جان - دارك» كرد فعل على الاحتجاج الذي جوبهت به روايته «في بلاط الملك آرثر» بادئاً تدوينها حين كان في فلورنسا، ما من شأنه أن يلغي فكرة العمل 12 سنة... فإن ما يمكن افتراضه هو أن مارك توين كان دائماً يتوق الى كتابة رواية عن البتول الفرنسية. ولعل هذا ما جعله، في آخر سنوات حياته يقول «انني أحب كتابي عن «جان - دارك» بأفضل مما أحب أي كتاب آخر من كتبي. وهو أفضل هذه الكتب على أية حال... وهذا أمر أعرفه حق المعرفة. وإضافة الى هذا، يوفر هذا الكتاب من اللذة لقارئه، سبعة أضعاف ما يوفره أي كتاب آخر. لقد استغرقني 12 عاماً من الإعداد، وعامين من الكتابة. أما كتبي الأخرى، فإن إعدادها لم يستغرقني أي وقت. وكذلك حال كتابتها». فما هو الجديد في هذا الكتاب؟
ليس ثمة فيه من الجديد، في الحقيقة، سوى القليل. فهو، بالاستناد الى الوثائق والتفسيرات التاريخية والشهادات، روى حكاية البطلة الفرنسية التي قاومت الاحتلال الانكليزي لبلادها، ثم تواطؤ الكنيسة مع هذا الاحتلال، بدءاً بولادة جان - دارك، حتى إرسالها الى المحرقة. وكل هذا فصول معروفة في التاريخ الفرنسي، وصارت من المسلّمات، حتى وإن كان يحلو للانكليز أن ينكروها بل أن يسخروا منها بين الحين والآخر. وكان من بينهم طبعاً، جورج برنارد شو، الذي حين كتب، في مسرحية شهيرة له، رؤيته الخاصة الى جان - دارك، لم يفته، في المقدمة التي كتبها للمسرحية، أن يسخر من زميله الأميركي متهماً اياه بتضخيم الأسطورة، وتصديق الأضاليل، وتعظيم حكايات الرجم بالغيب، الى مستوى لا يليق به ككاتب واقعي.
ولقد أشار شو في مقدمته الى ان توين تبنى كل الخرافات التي أحاط بها الفرنسيون أسطورة جان - دارك، بما في ذلك الزعم بأن الانكليز رتبوا محاكمة جان - دارك، لإحراقها، انطلاقاً من تلفيق تهمة السحر بها... معتبرينها مهرطقة لا بطلة قومية. يومها، أمام هذا الاتهام الساخر الذي وجهه شو الى توين، قال كثر من الذين أرادوا أن يدافعوا عن مارك توين، انه لا يبدو - في نهاية الأمر وكأديب - متبنياً، شخصياً وجهة نظر أنصار جان - دارك، لا سيما انه جعل الأحداث - وكل ما يصحبها من تفاصيل وغيبيات - تروى من وجهة نظر لويس دي كونتي. وكان هذا البعد الأخير شديد الأهمية، لا زينة عرضية في هذا العمل الأدبي. صحيح، قال أنصار توين، ان الكاتب الأميركي، لم يستنكر كل الخرافات التي يرويها على لسان دي كونتي، لكنه في الوقت نفسه لا يجب اعتباره مسؤولاً عنها. ومهما يكن من أمر هنا، يجب أن نذكر ان البحوث العلمية التي طاولت حكاية جان - دارك طوال القرن العشرين، وبغض النظر عن موقف توين أو موقف شو، توصلت دائماً - وعلى الأقل في مجال اتهام الانكليز - الى نتائج تبدو أقرب الى «تخريف» مارك توين، منها «واقعية» جورج برنارد شو. غير أن هذا لا يعفي توين من انتقادات عدة أخذت عليه تبنيه، من دون اعتراض، حكاية الأصوات التي كانت جان - دارك تقول انها كانت تسمعها ليلاً، وكانت - أي هذه الأصوات - تملي عليها مواقفها.
لقد أشرنا في بداية هذا الكلام، الى صعوبة ان يصدق قارئ رواية «جان - دارك» هذه انها يمكن، حقاً، أن تكون من تأليف مارك توين. إذ انها تخلو من العنصرين الأساسيين والأهم اللذين طبعا دائماً، ليس فقط أدبه الروائي، بل كل نصوصه في شكل عام. وحسبنا، نحن أن نقرأ، مثلاً، كتابه في أدب الرحلات «رحلة الأبرياء»، الذي وصف فيه مرافقته رحلة بحرية لعدد من الحجاج الأميركيين من الموانئ الأميركية حتى ميناءي بيروت وحيفا، حتى نستلقي من الضحك لمهارته الطريفة في وصف الحجاج وتنقلهم وبساطتهم في كل مكان ينزلون فيه. ومارك توين، واسمه الأصلي صامويل كليمنص، عرف ككاتب أميركي، ومن أبرز كتّاب أميركا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. بل ان ويليام فوكنر يصفه بأنه «الأب الشرعي للرواية الأميركية»، وإذا كان توين (1835 - 1910) قد نشر عدداً كبيراً من الكتب في حياته، فإن روايتيه - للفتيان مبدئياً - «توم سوير» و «هاكلبري فن» - وهما متكاملتان، تعتبران من أفضل ما كتب... بل تعتبر ثانيتهما أهم رواية كتبت في أميركا، قبل القرن العشرين.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.