بعدما قَبعَت لعقود في دهاليز متاحف بريطانية، أكملت رسائل من القرنين السابع والثامن عشر، طريقها، بفضل برنامج تلفزيوني، الى وجهاتها الأصلية. الرسائل التي بعثها هولنديون كانوا في رحلات حول العالم الى عائلاتهم في هولندا، لن يستلمها بالطبع أصحابها، فهؤلاء فارقوا الحياة، لكنّ الأحفاد في الإنتظار، وسيطّلعون للمرة الأولى على قصص أجدادهم ومِحنهم وأحلامهم، التي خُطَّت في رسائل طويلة، كُتِبَّت أحياناً بالدموع ودماء القلوب، كما يُقال. يُعَّد برنامج «رسائل فوق الماء»، والذي تعرضه القناة الهولندية الحكومية الأولى، الاكتشاف الثاني لهذه الرسائل التي يقترب عددها من 50 الف رسالة. فالإنكليز كانوا أول الذين عثروا عليها في سفن غارقة (كانت تنقل البريد بين أطراف العالم)، بعضها يعود لقراصنة حصلوا على الرسائل أثناء سرقتهم لمحتويات تلك السفن. الرسائل التي وصلت الى السلطات البريطانية، حُفظت في معظمها في مخازن خاصة، وعُرض بعضها في متاحف، من دون أن تلفت الانتباه الكبير، فهي في النهاية رسائل شخصية كُتبت بلغة لا يفهمها الإنكليز، وتتضمن كثيراً من التفاصيل العائلية التي لا تَهّم المؤرخ. من بين هذا الكم الكبير، يختار البرنامج الهولندي مجموعة قليلة فقط ليركز عليها الانتباه. ولا شك في أن الاختيار له علاقة بقدرة البرنامج على إنتاج قصته التلفزيونية الخاصة لمحتوى تلك الرسائل، فاختار مثلاً رسائل لهولنديين ما زالت بيوتهم الأصلية التي سكنوها قبل أكثر من 400 عام قائمة لليوم، ما يُمكن من الحصول على مادة مصوّرة كافية. ولا يكتفي البرنامج فقط بلقاءات مع أحفاد أصحاب الرسائل، بل يختار قصصاً مؤثرة، بعضها يكشف عن روح ذلك الزمان وقسوته ومثله الأخلاقية، كما يهتم في تقديم معلومات تاريخية مُفصلة عن تلك الحقبات، مستعيناً بشهادات خبراء، ليتحول، أي البرنامج، الى ما يشبه الدراسة الإجتماعية والتاريخية عن الماضي. وفي محاولة لفهم أوسع للمحيط الإجتماعي للقرنين السابع والثامن عشر، سيجري البرنامج ببحثه الخاص، وبفضل الأرشيف الهولندي الذي سلم من تدمير الحرب العالمية الثانية، سيُفسر كثيراً من تفاصيل الرسائل، كما إنه، سيتتبع مصائر الشخصيات التي يَرد ذكرها في الرسائل، بخاصة كُتابها، والذين كان معظمهم في رحلات تجارية حول العالم، او في سنوات هجرتهم الأولى للعالم الجديد، إذ يُقدم العام الذي مات فيه كُتاب تلك الرسائل، كما يقدم تفاصيل أخرى عن عائلاتهم. تختلف أجواء الحلقات باختلاف القصص التي تُحقق فيها. فقصة الهولندي، الذي كتب الى زوجته من سجنه في البرتغال، ستصل الى خاتمة سعيدة، عندما يكتشف البرنامج إن محنة ذلك الهولندي الشاب ستنتهي في سنوات قليلة، وسيعود الى أهله وسينجب أبناءً آخرين، ويعيش حياة طويلة، وسيموت بين أبنائه وزوجته في دفء بيته الريفي في شمال هولندا. هذا المصير لن يكون من نصيب الشابة الهولندية التي هاجرت مع زوجها الى جزيرة سورينام، والتي كتبت منها رسالة فيها كثير من العتب لوالدها التاجر المعروف في هولندا. فالشابة ستموت بعد أعوام قليلة فقط من هجرتها بسبب وباء اجتاح الجزيرة، ولن تتصالح أبداً مع والدها الذي مات مفلساً وبقلب مكسور من الحزن، كما تنقل شهادات الذين كانوا حوله في ذلك الزمان.