تقول الخاطرة: «لا أعرف كيف يبدأ قلمي بالكتابة، على رغم بعدي واغترابي أحبك أبي، وأحلم بالعودة إلى ظل حنانك ودفء حضنك.. فمتى يا ترى تكون العودة أبي؟ لتشرق شموسنا ولأنفض عن جبيني بقايا الألم الدفين ولأقبِّل يديك الكريمتين اللتين جادتا عليّ بكل جميل حتى أصبحت أبي كل شيء في حياتي، فلم نفارق بعضنا منذ نشأت وترعرعت في كنفك ووضعت قدماي لأسير في شموخ وصمود، ولكنها الأقدار، قدّر الله - سبحانه وتعالى - أن أمكث طوال هذه السنوات بعيدة عنك وعن حنانك وحبك، لكن ثقتي بالله جعلت عندي أمل العودة إليك، فأنا مشتاقة لرؤيتك، وأرجو ألا يطول انتظاري، وأن يكتب الله لنا اللقاء في القريب العاجل، لكي نبدأ من جديد رحلة الحياة بجانبك وألا نفترق مرة أخرى. أبي، صدقني، بعدُك نار ونار ونار، ولكن أمل العودة إليك يخفف عني حرارة هذه النيران». هذه الخاطرة بعنوان: «أمل العودة» سطرتها أنامل النزيلة (ع. س) من سجن النساء في الرياض ونشرت في كتيب جميل، وعنوانه أجمل: «بوح السجناء.. مجموعة قصاصات لمكنونات النزلاء» نشرته إدارة الشؤون العامة في المديرية العامة للسجون، وتسلمته ضمن ملف تم توزيعه بمناسبة «أسبوع النزيل الخليجي الموحد الثاني» الذي كان قبل أسبوعين. الملف ضم كتيب «قصة نجاح وحكايات إصلاح» الذي تضمن حوارات إنسانية عميقة في مغزاها، على رغم بساطة لغتها، فهي تأتي من أغوار ظلام المكان، بنور يشع في أرواح نزلائه. هكذا أعتبرها، وهكذا يستهل مدير إدارة الشؤون العامة العقيد الدكتور أيوب بن حجاب بن نحيت الكتيب، إذ يقول: « قد يكون هو المكان الأكثر غموضاً، أو ربما الوحيد الذي يستثيرك للتأمل في أحوال قاطنيه، وكيف أن هذه الحياة مليئة بالخبايا والمتناقضات». سجنت الأجساد، تكفر عن خطايا أصحابها، ولم تسجن بعض الأرواح، هذا هو انطباعي، ولاسيما وأنا أطالع الكتيب الثالث ضمن الملف، الكتيب الذي يحكي قصص الأرواح، فلقد سمعت أن من ينظر إلى المرآة يبحث عن صورة وجهه، ومن ينظر للوحة فنية يحاول اكتشاف روحه. الكتيب عنوانه: «أنامل الندم.. تصنع الأمل»، وأستميح ناشريه عذراً لأسميه «أنامل الأمل». في هذا الكتيب أعمال فنية حقيقية، لوحات، ومجسمات، وخزفيات، وتراثيات، ومشغولات، تحمل ملامح هؤلاء البشر، وتؤكد أن بعضهم فيه بذرة خير نمت عندما انفرد بنفسه وابتعد عما احاط به وذهب به إلى خلف القضبان. إنها كتيبات تخترق الأسوار، وتقطع القضبان لتطلعنا على إنسانية يجب ألا نصادرها لمجرد أن أصحابها أخطأوا، فها هم وعبر الحرف والحرفة، وعبر الريشة والألوان يقدمون انفسهم كأناس يحولون وضعهم السلبي إلى منتج فني يعكس طاقة إيجابية، يجب أن تنتشر بدورها في المجتمع ليعيد بعض أفراده النظر إليهم بعين إنسانية ترى فيهم الجوانب الجميلة التي أخفتها أخطاؤهم، وتوارت موقتاً بإذن الله خلف القضبان. [email protected] mohamdalyami@