مدرب القادسية يتحدث عن طموحاته    بعد رحيله عن النصر.. بيولي إلى فيورنتينا    الاتفاق يستهل تدريباته بقياسات بدنية    إعلان نتائج التخصصات ذات الشروط الخاصة عبر منصة قبول    جامعة جازان تنمّي قدرات الطلبة الموهوبين في الذكاء الاصطناعي ضمن برنامج إثرائي وطني    ضبط (21058) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأرصاد: عوالق ترابية في جازان والرؤية الأفقية تتدنى إلى 1 كم    اكتشاف أربعة أنواع فرعية من التوحد مرتبطة بمتغيرات جينية وسمات متقاربة    توقيع مذكرة تفاهم بين شركة نوفو نورديسك وجمعية القلب السعودية لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية في المملكة العربية السعودية    تايلاند تسجّل 40 إصابة بجدري القرود    البديوي يبحث مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط العلاقات الخليجية الأوروبية    رياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق وأمطار رعدية على جازان وعسير والباحة    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي شققًا وخيامًا للنازحين في قطاع غزة    وزيرا خارجية أستراليا والصين يبحثان العلاقات الثنائية    دعوة مليون مواطن ومواطنة للتسجيل في برنامج متخصص لتعليم الذكاء الاصطناعي    "سدايا" تتسلّم شهادات عن مشاريعها المتميزة في الابتكار من القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف    بيرغوين: أستمتع بوقتي في السعودية وأريد الاستمرار مع الاتحاد    المملكة تؤكد ريادتها الرقمية ودعمها المستمر للتنمية المستدامة العالمية    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    باريديس يعود إلى فريق بداياته بوكا جونيورز    كريستال بالاس ينافس في دوري المؤتمر وليون بالدوري الأوروبي    أخضر السلة يكسب نظيره العماني في البطولة الخليجية تحت 16 عامًا    مشاري بن جلاله عريساً    «سلمان للإغاثة» يوزع (1.000) سلة غذائية و(1.000) حقيبة إيوائية في عدة قرى بريف اللاذقية    السعودية تتخذ خطوات تعزز أمن الطاقة العالمي وتدعم استقرار الأسواق    خطيب المسجد النبوي: الإخلاص لله واتباع سنة نبيه أصلان لا يصح الإيمان إلا بهما    خطيب المسجد الحرام: التوبة والرحمة بالمذنبين من كمال الإيمان والغلو في الإنكار مزلق خطير    نسك من الحجوزات إلى الخدمات والخصومات للحجاج والمعتمرين    الذكاء الاصطناعي هل يمكن استخدامه لاختيار شريك الحياة؟    من قلب أفريقيا إلى السعودية: الغبار الأفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    معالجة الهدر والاحتيال وسوء استخدام التأمين الصحي    48 ألف عينة بيولوجية في مختبرات وقاية    القلاع والبيوت الحجرية في جازان مقصدًا للسياحة محليًا وعالميًا    مازن حيدر: المُواطَنة تبدأ بالتعرّف على التاريخ    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالأحساء ينظم ورشة عمل نوعية بعنوان: "القيادة الإعلامية"    رسمياً .. الفرنسي"ثيو هيرنانديز"هلالياً    خمسة كتب توصي سوسن الأبطح بقراءتها    السينما وعي    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة بزه بنت سعود    جمعية الذوق العام تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    أكد على تعزيز فرص التعاون مع روسيا..الخريف: السعودية تقود تحولاً صناعياً نوعياً وشاملاً    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    أكبر مصنع لأغشية التناضح العكسي    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات تعبر بين الحب والجنون
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 2013

على حافة اليأس والجنون يتشكل الفضاء السردي لرواية «الحجرات» للروائية المصرية الشابة إيمان عبد الرحيم (الكتب خان- القاهرة)، متماسة في عنوانها الدال مع النص: «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون»، والذي تحيل إليه الكاتبة في مقطع من روايتها، حين يأتيها صوت الشيخ من المذياع أثناء صحبتها لعمرو - حبيبها وأزمتها في آن- داخل السيارة. غير أنّ حجرات إيمان عبد الرحيم تطرح أفقها الدلالي الخاص، وتشير من خلاله إلى تلك العوالم المخفية التي قد تشكل جانباً من جوانب حياتنا من دون أن ندري، لا سيّما في ما يتعلق بعالمي اللاوعي والباراسيكولوجي. في «الحجرات»، يجد القارئ نفسه إزاء رواية توقف متلقيها على حافة التساؤل، ولا تتعاطى معه بوصفه قارئاً سلبياً للنص، ولكن بوصفه شريكاً فاعلاً في إنتاج الدلالة الكلية للنص الأدبي. فلا عوالم جاهزة هنا، ولا رؤى محددة سلفاً، إنما تنويعات سردية تتجادل في ما بينها لتشكل أفقها الخاص والمتكئ على تواشج دالّ ما بين الفانتازيا والحقيقة، وتجادل ما بين الحلم، والواقع.
«أمان» هي الشخصية المركزية في الرواية ولها عالمان رئيسان: أحدهما واقعي صرف تتشكل عبره علاقتها بزوجها «عمرو» وأخيه «أمجد»، فضلاً عن أمها، وأختها «إيمان». وفي هذا الواقع المتعين، ثمة شبكة من العلاقات الاجتماعية المرتبكة، والمعبرة عن تناقض اجتماعي فادح يمور في بنية المجتمع المصري. إنه عالم يتداعى بامتياز، ينبئ في ظاهره عن سقوط للمقولات الكبرى، تلك التي يعاد إنتاجها في النص الجديد عبر عناصر ذاتية، وهامشية، ومن ثم تقف الذات في مواجهة العالم، وفي جدل دائم معه أيضاً.
أما العالم الثاني، الذي يشكل مساراً سردياً مختلفاً داخل الرواية، فهو عالم أسطوري تهيمن عليه تقنية الحلم، وتستدعي فيه الكاتبة أنماطاً سلوكية ونفسية تنبئ عن حال من الاضطراب لشخوصها، من قبيل الهلاوس، مثلاً: «يتحدث فيأتي الصوت من كل مكان، لا تعرف على وجه التحديد مصدر الصوت. تخمن أن رأس الذئب هذا مجرد قناع، حيث أن نظرة عينيه زجاجية، ثابتة وميتة، هذا علاوة على أن فمه مغلق على وضع ثابت حتى وهو يحادثها. سيخبرها أشياء كثيرة، وستستمع له بمنتهى التركيز. ستنسى كل ما قاله سوى: إنها الآن تبيض جنينها، وأن عليها أن تظل هكذا وحيدة، لأنه إذا ما تواجد شخص معها، فإن جسدها سيذوب حتى يختفي تماماً، وسيحل كيانها في ذلك الشخص، أي أنه ببساطة سيسرق طفلها، وروحها. سيختفي الرجل في رمشة عين، كما ظهر» (ص 33).
ويبقى مناط الجدارة في الرواية ممثلاً في قدرة الكاتبة على مزج الحلم بالواقع، وتضفيرهما معاً في بنية النص السردي، لنصبح من ثم أمام عمل أدبي يخلق منطقه الجمالي الخاص، ويشق مساراته التي تخصه، بعيداً من تلك الأنماط الجاهزة. ولهذا تعد حركة الشخوص هنا تعبيراً دقيقاً عن المنطق الديموقراطي للسرد، فلا هيمنة من الراوي الرئيس Main Narrator على حركة الشخوص أو لغاتهم الاجتماعية داخل الرواية. لذلك نجد تنويعات سردية ولغوية محققة في الرواية، فتارة نصبح أمام مقاطع إروتيكية خالصة، وبما يستدعيه ذلك من مباشرة في استخدام الألفاظ العامية في التعبير عن الموقف السردي (ص 39)، وتارة نصبح أمام لغة جزلة، بل وماضوية أحياناً، مثل استعمالها «بؤبؤ عينيها»، والأهم أنّ ثمة إيقاعات لغوية متفاوتة تتواءم مع مقاطع السرد المتعددة بطبيعتها، مثلما نرى في الصفحة 45.
يسكن في «الحجرات» شخوص تائهون وممزقون يعبرون عن رؤية مأسوية للعالم، تتعاطى معه بصفته نموذجاً على القسوة الفادحة، ومن ثم فلا مكان هنا لتصورات نمطية عن الشخوص، أو نظرة أحادية للعالم ترى الناس إما ملائكة وإما شياطين: «أنا أعرف جيداً أننا مجرد شخصيات مرسومة في فيلم كارتون. الكادر خاوٍ، لا يوجد فيه شيء سوى اللون الأسود. نحن مجرد خطوط بيضاء دقيقة، تحد حيزاً ما من ذلك السواد العظيم. نعم. هكذا حين نكون مفرغين، ولا نحوي إلا الخواء، سنشعر بأقل قدر ممكن من الألم»... وربما كان المقطع السابق مقطعاً مركزياً في الرواية، حيث تكرر في أكثر من موضع داخلها، وبما يحيل إليه من إحساس عارم بالتشيؤ والاغتراب والعدمية أيضاً. ف «الحجرات» تقدم عالماً شبحياً بامتياز. ابن الفقد، والوحشة، والمعاني المتكسرة العصية على الاكتمال.
وتتعدد التقنيات في الروية بدءاً من توظيف أسماء الشخوص، وما تحويه من دلالات ضدية، ف «أمان» على سبيل المثل شخصية مغتربة عن واقعها، تعاني خوفاً عارماً من العالم، الذي يصبح الأمان فيه غائباً لها ومحض هراء. ثمّة أيضاً استعمال لآلية اللعب الزمني، وتوظيف دال لتقنيتي الاسترجاع، والاستباق، بل مراوحة في الحكي عما كان وعمّا هو قائم، واستخداماً جيداً للمفارقة الزمنية، واللعب على مساحات التداخل بين الماضي والحاضر، فضلاً عن استخدام المرموزات الدالة في النص، مثل «الفجوة/ رأس الذئب»، وما تحويه من إحالات تعمق حالة الانكسار الداخلي لدى الشخصية المركزية في الرواية «أمان».
وتبقى إشكاليتان أساسيتان في الرواية، تتعلق الأولى بتلك الارتباكات اللغوية في بعض المواضع، وعدم الوعي أحياناً بآليات التشكيل الكتابي على فضاء الصفحة، أما الثانية فتتعلق بالغرق أحياناً في تفصيلات مجانية زائدة. وبعد، في «الحجرات» الرواية التي صدرت ومعها قصص أخرى: لا «الأختان/ قبل الرحيل/ مرآة/ المسخ،..»، وغيرها، تمثل تنويعاً للعالم الشبحي ذاته المتمترس في النص، تبدو الكاتبة الشابة إيمان عبد الرحيم منحازة إلى عوالمها الداخلية، مشغولة بتداعي الروح في ظل عالم مسكون بالغربة، والوحشة، والكثير من الألم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.