حذّر العاهل المغربي الملك محمد السادس من «الوضع الصعب» الذي تجتازه قضية الصحراء، وقال في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة أول من أمس، إن الأمور لم تحسم بعد «ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف». ومن غير تسمية هؤلاء الخصوم، دعا العاهل المغربي إلى «التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحرك الفعال» على الصعيدين الداخلي والخارجي. وانتقد محمد السادس ما وصفه ب «الأساليب غير الشرعية» التي يتخذها خصوم بلاده، مؤكداً أن مصدر قوة المغرب يكمن في إجماع مكونات الشعب المغربي كافة حول مقدساته. وقال إن قضية الصحراء «ليست فقط مسؤولية ملك البلاد وإنما قضية الجميع»، بما في ذلك «مؤسسات الدولة والبرلمان والمجالس المنتخبة والفاعليات السياسية والاقتصادية والنقابية وهيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمواطنين كافة». ودعا إلى اعتماد منهجية الهجوم بدل الاكتفاء بالدفاع، موضحاً أن كافة الفاعليات «لا تتحرك بقوة إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية، وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك». وعرض العاهل المغربي إلى المواجهات التي عرفها الملف الصحراوي خلال العام الجاري، واصفاً ذلك ب «تحديات كبيرة» استطاعت بلاده ربح رهانها «بفضل قوة موقفنا وعدالة قضيتنا»، في إشارة إلى محاولات هدفت إلى توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» الدولية لتشمل رقابة أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم، من غير أن يذكرها بالاسم. ورأى أنه «لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة والإفراط في التفاؤل». وحضّ البرلمان والمجالس المحلية، سيما في الصحراء، على إقرار خطة متكاملة في هذا السياق. إلى ذلك، نوّه العاهل المغربي بالمؤسسة التشريعية كونها الوحيدة المخولة إقرار القوانين، مشيراً إلى أن «الممارسة البرلمانية التعددية ليست وليدة الأمس، بل هي خيار استراتيجي يمتد على مدى نصف قرن من الزمن، نابع من الإيمان العميق للمغرب وقواه الحية، بالمبادئ الديموقراطية»، مؤكداً أن ذلك ما «يجعل النموذج البرلماني المغربي رائداً في محيطه الجهوي والقاري». وعبّر عن الأسف ل «جهل الكثيرين الذين لا يعرفون ما طبع تطور مؤسساتنا من حكمة وبُعد نظر، ضمن مسار تدريجي، وبإرادة قوية وخاصة، من دون أن يفرضه علينا أحد». ودعا النواب إلى الابتعاد عن السجال غير المجدي الذي يحوّل قبة البرلمان إلى «حلبة للمصارعة السياسوية»، وطالبهم بتحمل مسؤولياتهم في سن القوانين و «اعتماد الحوار البنّاء والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلطات، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة». ووجه العاهل المغربي انتقادات حادة إلى عمل المجالس المنتخبة خصوصاً في مدينة الدار البيضاء التي تُعتبر القلب النابض للمغرب والعاصمة الاقتصادية والتي «أطلقت منها المفهوم الجديد للسلطة»، معتبراً أن «الوزير ليس مسؤولاً عن توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة، وجودة الطرق بها، بل إن المنتخبين الجماعيين هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية، في نطاق دوائرهم الانتخابية أمام السكان الذين صوّتوا لهم». وقال الملك محمد السادس إن الواقع يشي بتناقضات مهولة «فالدار البيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلاً عن النفايات والأوساخ التي تلوّث بياضها وتشوّه سمعتها». وحمّل المسؤولية في تدهور الخدمات إلى ضعف الحكامة (الحكم الرشيد)، على رغم أن موازنة المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوافر عليها مدن مثل فاس أو مراكش. واعتبر العاهل المغربي أن هذا الوضع المعقّد «يتطلب تشخيصاً عاجلاً يحدد أسباب الداء وسبل الدواء»، ذلك أن تقدم المدن «لا يُقاس فقط بعلو أبراجها وفساحة شوارعها، وإنما يكمن بالأساس، في توفير بنيتها التحتية، ومرافقها العمومية، وجودة نمط العيش فيها». كما دعا العاهل المغربي الأحزاب السياسية إلى العمل على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، خاصة في ظل ما يخوّله الدستور للجماعات الترابية من اختصاصات واسعة، وما تفتحه الجهوية المتقدمة من آفاق، وما تحمله من تحديات.