بدأ العام الجامعي 2013-2014، وكما هو متوقع في بداية كل عام، لا يمر يوم من دون أن يكون هناك تصريح أو خبر وربما أكثر، يتعلق بالجامعات. لكن هذا العام جاءت التصريحات واصطبغت الأخبار بنكهة «منزوعة التعليم» و «خالية من التدريس» لا علاقة لها بفصول العلم. أخبار بداية السنة الدراسية تحمل رائحة المشهد السياسي الحالي وتبث رسائل الواقع الاجتماعي الصعب التي تطل بوجهها القبيح في داخل الحرم الجامعي المصري. «هدوء حذر في جامعة الزقازيق بعد فض اشتباكات بين طلاب إخوان وطلاب مستقلين استخدمت فيها الأسلحة البيضاء والطوب والحجارة والشماريخ»، «فشل تظاهرة لطلاب الإخوان في جامعة المنوفية بعدما تصدى لهم الطلاب الغاضبون لترديدهم عبارات مسيئة للجيش والشرطة وملوحة بمحاولة تعطيل الدراسة لنصرة الدكتور محمد مرسي»، «أثار طلاب الإخوان في كلية الهندسة جامعة عين شمس الذعر في حرم الجامعة لدى إشعالهم الشماريخ أثناء مسيرة نظموها في الحرم الجامعي»، «أمن جامعة القاهرة ينجح في فض الاشتباكات بين الإخوان والطلاب»، «اشتباكات عنيفة بين موظفي جامعة حلوان وطلاب من الإخوان»، «اشتباكات بين قوات الشرطة التي تؤمن جامعة بني سويف من الخارج وطلاب إخوان»، «اشتباكات بين موظفي جامعة المنصورة وعدد من طلاب الإخوان الذين نظموا مسيرة لكسر الانقلاب بعدما رسموا رسوماً وكتابات مسيئة للجيش والشرطة على الجدران». تأتي هذه الأخبار اليومية من داخل الجامعات المصرية في وقت تأكد فيه الجميع من أن الطريق الوحيد لإنقاذ مصر هو إنقاذ نظام التعليم فيها، فبعدما اتضح جلياً أن المعضلة الرئيسية تكمن في انهيار منظومة التعليم، وبعدما أيقن كل من لسعته رياح الربيع العربي التي أسفرت عن نظام ديني قائم على أصول التجارة والاستغلال، أن التعليم القائم على زرع بذور التطرف والتشدد لا يؤدي إلا إلى مزيد من الاهتراء، انطلق عام دراسي جديد عقب ثورتين ورئيسين وسلسلة حكومات متعاقبة، في انطلاقة تراوحت بين صفحات الحوادث ومانشيتات أخبار السياسة وعدّاد وزارة الصحة الذي يحصي الإصابات الناجمة عن الاشتباكات في حرم الجامعات. وإذا كانت وزارة الصحة -بفعل ضلوع سيارات الإسعاف التابعة لها- قادرة على رصد الاشتباكات بالأيدي وبالأسلحة البيض في حرم الجامعات، فإن الاشتباكات الفكرية والخلافات السياسية ومشاعر الانتقام المتبادلة التي لا تحصى عددياً، تمثل سمة استهلال العام الدراسي الجديد وتؤكد أنه عام ساخن جداً. سخونة «غرافيتي» الجدران المؤدية إلى جامعة عين شمس تعكس جانباً مما يدور في طرقاتها، فعلى رغم أنه لم يعد «غرافيتي» بالمعنى المعروف بعدما اختفت الرسوم التعبيرية والرموز الثورية وسيطرت الشتائم، تمكنت عبارات السب والتخوين والاتهام بالعمالة والإرهاب من المشهد، وتجاذب الطرفان المتصارعان من الطلاب عبارة واحدة، يكتبها هذا فيمحوها ذاك، يعيد أحدهم كتابتها فيأتي من يشطب كلمة ويكتب محلها أخرى. «سيسي قاتل والانقلاب هو الإرهاب»! كتبها طالب في الصباح الباكر وذيّلها بأصابع «رابعة» الأردوغانية، فسارعت مجموعة طلابية من معارضي الجماعة وطمست العبارة برذاذ أسود قاتم. رد الطالب في اليوم التالي بإعادة كتابة العبارة مجدداً ولكن هذه المرة بخط أكبر وأصابع أردوغانية تسد عين الشمس، وهو ما تحول بعد لحظات إلى شطب ل «سيسي» وكتابة «مرسي»، ومحو «الانقلاب» وإبداله ب «المرشد»، لتتحول «مرسي قاتل والمرشد هو الإرهاب». لكن الإرهاب أنواع، والترهيب درجات، واستغلال الطلاب لتحقيق الأهداف وحماية القيادات سمة إضافية من سمات العام الجديد. القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان هو أحدث القيادات التي ظهرت في مقطع مصور على قناة «الجزيرة» لتوجيه كلمة إلى «شعب الإخوان». هذه المرة، وفي مناسبة العام الدراسي الجديد، كانت الكلمة موجهة لطلاب الجامعات الذين طالبهم العريان بتكثيف التظاهرات، مؤكداً على أن تعطيل الدراسة في الجامعات جزء لا يتجزأ من نضال «رابعة». العريان –كعادة قادة الجماعة- عمد إلى تأجيج حماسة قواعد الإخوان الطلابية وإشعال حماستهم الثورية الهادفة إلى تمكين الجماعة من الإطباق على رقبة البلاد، ف «دماء الشهداء الأبرار الذين نالتهم رصاصات الانقلابيين تسيطر على بدء عام دراسي جديد في ظل استمرار الحملات الوحشية والبوليسية والتي تهدد مستقبل طلاب وطالبات مصر بكافة المستويات التعليمية». العريان، الذي وصف متظاهري قصر الاتحادية قبل عام بأنهم «الثورة المضادة» و «الذين يريدون الانقلاب على الشرعية» و «الفوضويون الهادفون إلى البلطجة السياسية»، وذهب إلى حد مطالبة الشعب غير مرة بالتوجه «بعشرات الألوف ليقبض على هؤلاء ويقدمهم للنائب العام»، هو نفسه الذي يرى في طلاب الجامعات من الداعمين للإخوان طوق النجاة الأخير لجماعة الإخوان المسلمين، مسمّياً إياهم ب «طلبة الجامعات... أمل الشعب المصري في مواجهة انقلاب 3 يوليو». طلاب الإخوان لا يسعهم في العام الدراسي 2013 – 2014 إلا السمع والطاعة لمن تبقى خارج السجون من قادة الجماعة، أما غير المنتمين لتيارات الإسلام السياسي، فيجدون أنفسهم وربما للمرة الأولى في تاريخ العمل الطلابي والحركة الطلابية المصرية، غير قادرين على النظر إلى زملائهم الإخوانيين باعتبارهم مجرد زملاء دراسة، فهم وإن اختلفوا فكرياً وثقافياً وسياسياً، يشكلون اليوم معهم كتلة طلابية واحدة تشعل حماستها قضايا واحدة هي الفساد والظلم والطغيان، ويؤجج غضبها هجمات واحدة هي تلك التي «يشنها الصهاينة على الأراضي الفلسطينية والمقدسات العربية»، ولكن بات كل طرف ينظر إلى الآخر باعتباره أساس الفساد والظلم والطغيان، وممثلاً محلياً للهجوم على المقدسات، سواء كانت «إسلامية» في نظر طلاب الإخوان، أو «مصرية» محض في نظر الآخرين. إنه العام الأكاديمي 2013-2014، عام جني ثمار سنتين من الاستقطاب الديني والسياسي في داخل الحرم الجامعي.