أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و76 ألفا و940 فردا    لا تتجاوزوا حافلات النقل المدرسي حفاظاً على سلامة الطلاب    ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت إلى 67.79 دولار    أستراليا تعلن إدماج الذكاء الاصطناعي في البرامج الجامعية    فانس: روسيا قدمت "تنازلات كبيرة" لإنهاء الحرب    كأس العالم للرياضات الإلكترونية شاهد على ريادة المملكة والنهضة الشاملة فيها    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    نظام موحد لإدارة وصيانة الطرق    ارتفاع سوق الأسهم    رغم موافقة حماس على صفقة جزئية.. نتنياهو يصر على التصعيد العسكري    وهم الديموقراطية    12 قتيلاً في هجوم استهدف قائد ميليشيا في ليبيا    114 طفلاً قتلهم الجوع في غزة    إيداع مليار و42 مليون ريال في حسابات الدعم السكني    وزير الاستثمار يبدأ زيارة رسمية إلى بكين.. السعودية والصين تعززان الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية    تداعيات السوبر لم تهدأ.. الأهلي.. طلبوه فعاد بطلاً وكان صمته ذهباً    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس المصري    أزمة ايزاك تسيطر على مواجهة ليفربول ونيوكاسل    تسلما تقريرها السنوي.. أمير الشرقية ونائبه يثمنان إنجازات"مدن" الصناعية    وجه رسالة للطلاب مع انطلاقة العام الدراسي.. البنيان: منظومة التعليم تواصل تجديد التزامها بقيم الانتماء الوطني    فهد بن سعد: حملة «الدم» تجسد أسمى معاني التكافل والمسؤولية الاجتماعية    62 مليون ريال لنظافة أحياء بريدة    «الحرس»: إنقاذ مقيمين من «غدر» البحر    «النيابة» : نظام حماية الطفل يكفل صون جميع حقوقه    أمير الباحة: مستقبل الأوطان يُصنع بعقول أبنائها    وفد طلابي صيني يزور قرية جازان التراثية    المواهب الحرة بين الحلم والواقع    «بلد سوشل» ينطلق في «جدة التاريخية»    ناهد السباعي بين «هيروشيما» و«السادة الأفاضل»    المسافر سفير غير معلن لوطنه    نصح الطلاب باستثمار الوقت.. المفتي: التعليم أمانة عظيمة.. كونوا قدوة صالحة    بريطاني.. لم ينم منذ عامين    عروس تصارع الموت بسبب حقنة تجميل    أول علاج من نوعه يتم اعتماده..«الغذاء والدواء»: تسجيل«تيزيلد» لتأخير مرض السكري من النوع الأول    غدًا.. ختام المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    الأنظمة التصحيحية تغلق 120 ألف منشأة    بلغ السيل الزبا!    ولي العهد يُتوّج "فالكونز" بلقب كأس العالم للرياضات الإلكترونية للمرة الثانية    روسيا تتهم أوكرانيا: مسيراتكم استهدفت محطة نووية    هجمات إسرائيل تلاحق الجوعى    موسم العمرة يشهد تدفقًا متزايدًا للمعتمرين والقاصدين للمدينة المنورة    منسوبو إمارة جازان يشاركون في الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم    جيسوس يريح لاعبيه    تعليم جازان يستقبل أكثر من 351 ألف طالب وطالبة مع بداية العام الدراسي 1447ه    توثيق أكثر من 84 ألف طائر و 1200 كائن بحري في المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    نجاح عملية تحويل مسار نوعية لمريضة بسرطان متقدم في تخصصي بريدة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تترجم 24 قصة للأطفال إلى 3 لغات عالمية    الصندوق العقاري يودع مليارا و42 مليون ريال في حسابات مستفيدي برنامج الدعم السكني لشهر أغسطس    تجربة طبية في ملبورن تقلّص أورام الدماغ منخفضة الدرجة بنسبة 90%    برعاية وزير الداخلية.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 208 متدربين من الدورات التأهيلية    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    وزارة الشؤون الإسلامية واثقة الخطوات    محمد أسد بين النسخة الأوروبية والتجديد الإسلامي    6808 قضايا نفقة خلال شهرين.. المحاكم تنصف المطلقات وتحمي الأبناء    نائب أمير الشرقية يعزي الشيخ عبدالرحمن الدوسري في وفاة شقيقه    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعالوا إلى كلمة سواء... شيعة وسنة
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2013

تعالوا معي لحظات مع رجواي ونجواي، لقارئي أن ينخرط في مقالتي من دون ضمنيات عقائدية راسخة رسوخ اللاهوتيات، ومن دون توجس أو تحسس، خوفاً على بدهياته أن أختطفها أو أن يتوهم أنني قد ألقي عليه شبهة قد تلتصق في لا وعيه العميق، كما يسوق المبشرون العقائديون تحت وهم التحصين الذهني للعقائد، مع يقيني أو ظني بسطوة حُجّاب رأس المال الديني الذين احتكروا تسيير شؤون المقدس كما تسيير العقل بالتوافق والتواطء مع السياسي، ترسيخاً لمفاهيم عقائدية غير مستمدة من صميم الدين المقدس، وإنما تم استمدادها من غلاة المذاهب عبر القرون المتطاولة، خدمةً لمعبد السياسي، أتفهم أن ثمة مؤمنين تقليديين من شيعة أو سنة سيفهمون مقالتي هذه كما السابقة بحسب مسلماتهم العتيقة، كما سأتفهم هجائي وتحميلي خلاف ما كنت أنويه من خيرية وصدقية ومشيئة حيادية وموضوعية، مع يقيني أن الموضوعية شيء من عالم المثال الأفلاطوني، لكن حسبي محاولة الموضوعية ومغازلة الحياد، إنني حينما كتبت مقالتي السابقة: «شيء عن المفارقة السنية الشيعية» أو حتى مقالتي هذه لست عفوياً لمرحلة أن أنسى أو أهمل حساسية قرع مواضيع كتلك، لكن أجدني أدرج لمثل هذا الطرح، مع أنه من المواضيع «الوَحَشْ»، ولسببين أعود لتناول موضوع مقالتي السابقة، وأستعيد استكمالها،
الأول: في أن أبين أنني لست عقائدياً حينما طرحت موضوع المفارقة السنية الشيعية، ولست أقرأ إشكاليات المذهبين من منظور شرعي لاهوتي كما حال المراجع الدينية التقليدية التي تكرس المكرس والكراهيات، وإنما أتناول المفارقة من ناحية نقدية عقلانية من العقل للعقل من دون استدعاء النصوص والنقول المذهبية المحاكاتية، وأخص بخطابي من يعدون العلية المثقفين والمؤمنين التقليديين المسيرين من دون اختيار عقلاني.
الثاني: لأن المذهبية هوية ضيقة تحفر في الهوية العظمى «الوطن»، كان من المحتم أن نتجاوز أفران الدعاة العقائديين الذين يقدمون المذهب على الوطن على حساب تفكيك اللحمة والبنية الوطنية التي تتجاوز المذهب، وتشتمله بحميميتها لو كان ثمة عقل ووعي وطني وإنساني وديني طهراني؟ ولعل التجارب علّمتنا أثر الغلاة البئيس على الهويات الكبرى والأوطان.
ثمة مقولتان
المقولة الأولى للسني، قال أحد أعظم أئمة أهل السنة وأولهم اهتماماً بتدوين المأثور النبوي الإمام مالك بن أنس رحمه الله: «كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» ويعني النبي عليه الصلاة والسلام حتى الصحابة، عنى وتقصد الإمام مالك، فعلام عقولنا لا تحتمل نقد عالم من العلماء، وأعني ابن تيمية الذي ليس له فضل سوى تقادمه الزمني عن زمننا؟ ولم نحفر فتقاً بين النقد والهجاء، ونعجز عن الفصل بين النقد التطهيري والهجاء التدنيسي، وإن كان العلماء كتبوا عن مغبة التطاول على الصحابة مثلاً وأكدوا على أهمية الكف عما شجر بينهم، فإنما كانوا يخشون على جناب الصحابة العظيم من المماحكة والتبخيس، وليس لأجل التعظيم والتقديس، ولنتذكر أن الله عاتب النبي «عبس وتولى»، «ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك»، وإذا كان الله عاتب صحابياً بقوله سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ»، واصفاً الصحابي بالفسق، فكيف نستنكف نقد عالم من العلماء ليس له من المآثر كما الصحابة العظماء وقبلهم النبي؟ لِمَ نحن نتجزع من نقد عالم، ونخلع عليه القداسة، ونرفعه فوق النقد، كما لو كان في علياء العصمة؟ هل المناكفة المذهبية أوصلتنا إلى التمويه والشنئآن المحرم؟ إذاً نحن نكرر ما نحرمه ونرفضه في الآخر، إذاً نحن لا نثق بمنهجنا، وذلك ما يجعلنا مأزومين، ونتحاشى النقد، ذلك أن الواثق لا يزيده النقد إلا رسوخاً بخلاف غير الواثق.
المقولة الثانية للشيعي، أن أدعوه إلى أن ينفصل عن بداهاته على سبيل الجدل «وجادلهم بالتي أحسن»، جادلني وأجادلك بالتي هي أحسن، بعيداً عن مزاحمة رجل الدين، والجدل بالتي هي أحسن يكون عبر البحث عن الحقيقة، لا تأكيد المؤكدات، وتمكين العقل من دون النقل الظني، وتقديم الخيار الذاتي على الوعي الجمعي واستكناه الطارئ الثقافي، وتعليق المسلمات العتيقة واجتراح الشجاعة في استقراء الثابتات وافتراض أننا حوّلنا المتحول إلى ثابت مقدس، إن عامة المقدسات بشرية الصنع، وليست لاهوتيات حتمية وظنّ في عقيدتك النقص والضلال، كما تظنها في العقديات المختلفة، لنظن في رجل الدين النسبية الطهرانية كما النسبية النفعية ونحو ذلك من مبادئ الجدل العقلاني لا الآيدلوجي التقليدي الذي ينحاز لتكريس المكرس، أقول أولاً للمثقف الشيعي: إنك المسؤول عن إشراع إضبارات الحقيقة وفتح الأفق في تمكين الوعي الحواري العقلاني.
كما أقول ذلك للمثقف السني: إن المثقف هو من يُرتجى منه الدفع بالوعي «لا أرهاط» من رجال الدين التقليديين السيكولاستيكيين المدرسيين الذين يتعبدون بإضرام نار الفرقة والكراهية، ولعل الثورات، للأسف المفرط، كشفت خلاف ذلك، كشفت عن أن المثقفين إنحاز كثير منهم تجاه إيدلوجته العقائدية والسياسية، منكفئاً عن قيمه النظرية القديمة التي كان يشرعن لها «قيم التعايش والمحبة»، وهنا أنعطف ناحية الشيعي العادي لأقول له لا تكن رقماً مكرراً في استعادة وممارسة الانشغال مع المختلف عنك مذهبياً، وإن كنت ترى أنك على الصراط المستقيم فغيرك يتوهم ذلك، اسأل قلبك اسأل روحك كما تقول كوكب الشرق: متى اخترت أن تكون شيعياً؟ وكيف اخترت أن تكون شيعياً؟
والسؤال ذاته للسني ثم اسأل ذاتك: ما قيمة أن تتعبد بهجاء السابقين؟ وهل الهجاء جزء من العبادة؟ وهل الهجاء يتسق مع الإنسانية المتساوقة أخلاقياً؟ وثمة سؤال مهم بعد أن نقرأ هذه الآية: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي.. الآية، ألا تدل هذه الآية على استكمال الدين على يد محمد عليه السلام؟ وهل الدين بحاجة إلى إضافات من لدن ورثة؟ وهل الرسالة التي تنزلت على النبي تحتاج إلى استكمال أم أن الرسالة اكتملت بموت النبي؟ وألا تظن معي أن ملاحقة الغيبيات تجدف بالعقل، وتجعله يتوهم بأن الدين رهين بشخصيات خلاصية ميتافيزيقية خرافية، وثمة سؤال آخر، ماذا تستفيد من أن تتبع أخطاء ومزالق المذاهب الأخرى، وتدع مراجعة مذهبك والسؤال ذاته للسني؟
من الحصاد: من نعمة الله أن إسلامنا يكتمل من دون أن نلهو في متلازمة التفضيل بين الصحابة، ثم ماذا يعنينا في إيماننا وحياتنا العملية والروحية أن نفاضل بين شخصيات ليست مقدسة، شخصيات أعزها الدين والدين عزيز بها أو بغيرها، قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه».
ثم لنحمد الله مرة أخرى، أن إيماننا يكتمل من دون أن نلهو بالكراهيات المذهبية، وما الكراهية الدينية إلا صنيع سياسي ولعبة نفعية، لتفكيك الهويات ولامتطاء المذاهب، وجعلها رؤوس حربة تدميرية، غلاة الشيعة والسنة يتبادلون الهجاء المذهبي أكثر من هجائهم لإسرائيل، ماذا يعني ذلك غير الانحطاط الفكري والديني والقومي، أليس ظلماً للمريد الديني أن يكون تحت رحمة رجال الدين الغلاة من دون أية محاولة من العقلاء من المثقفين وغيرهم المشاركة في توجيه الوعي المذهبي؟ أليس الفعل أقسى من القول أيها السني؟ أليست مواجهة الصحابة لبعضهم في معركتي الجمل وصفين، وقتل بعضهم لبعض أقسى من نقد ابن تيمية لعلي؟ إذاً لم نتوتر من نقد ابن تيمية، وهو لم يفعل كما فعل الصحابة بعضهم ببعض.
يتم إشغال المؤمنين التقليديين بالكراهية تجاه الآخر، كما لو كانت الكراهية جزء من العبادة، والأخطر هو توريط المؤمن التقليدي بالغيبيات والأساطير التي تباعد بين الإنسان والله والدين السهل الميسر، كما لو أن الله جعل الدين دينين، دين للخاصة، ودين للعامة، ويتجلى ذلك في المذهب الشيعي من خلال خلع القداسة والهالة اللاهوتية على فئة من المراجع الحاضرة أو الغائبة المنتظرة، كما يسوّق ذلك للعامة من الشيعة، طبعاً ليس ذلك عاماً حتى لا أقع في مفازة التعميم أو المذهبية، أخيراً أنا أنطلق من خلفية عقلانية لا مذهبية، «أقدم الهوية الوطنية على الهوية الدينية».
* كاتب سعودي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.