نائب أمير الشرقية يستقبل وكيل وزارة الطاقة لشؤون الكهرباء ورئيس جامعة الملك فيصل    "جنات العقارية" تطرح مخطط "الدمام سكوير" بالدمام للبيع في مزاد علني الثلاثاء المقبل    وزير الخارجية يلتقي نظيره العراقي    الاتحاد يدخل سباق سيبايوس    أمين الشرقية يشارك في الحملة الوطنية للتبرع بالدم التي أطلقها ولي العهد    أمير حائل يفتتح جامع برزان بعد ترميمه    بين الحقيقة و التظاهر    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيذ مبادراتها لمكافحة التسول    قصيدة "حبيبتي نجد" للأستاذة نوال الزهراني    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    مجمع إرادة بالرياض يؤكد أن للتبرع بالدم فوائد نفسية كبيرة    الأمير فهد بن جلوي يرأس اجتماع اللجنة التنسيقية لدورة ألعاب التضامن الإسلامي السادسة    بحملة معرفية..سدايا تعزّز استعداد الطلاب والطالبات لمنهج الذكاء الاصطناعي    نمو الصادرات غير البترولية بنسبة 22.1% في يونيو    مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بمحافظة القنفذة    الأطباء يقاطعون مرضاهم بعد 11 ثانية فقط رغم أن مدة الموعد نصف ساعة    أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأميركا بسبب اتهامات بمعاداة السامية    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    لا تتجاوزوا حافلات النقل المدرسي حفاظاً على سلامة الطلاب    ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت إلى 67.79 دولار    فانس: روسيا قدمت "تنازلات كبيرة" لإنهاء الحرب    كأس العالم للرياضات الإلكترونية شاهد على ريادة المملكة والنهضة الشاملة فيها    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس المصري    أزمة ايزاك تسيطر على مواجهة ليفربول ونيوكاسل    وهم الديموقراطية    12 قتيلاً في هجوم استهدف قائد ميليشيا في ليبيا    114 طفلاً قتلهم الجوع في غزة    ارتفاع سوق الأسهم    وجه رسالة للطلاب مع انطلاقة العام الدراسي.. البنيان: منظومة التعليم تواصل تجديد التزامها بقيم الانتماء الوطني    62 مليون ريال لنظافة أحياء بريدة    «الحرس»: إنقاذ مقيمين من «غدر» البحر    «النيابة» : نظام حماية الطفل يكفل صون جميع حقوقه    «البلديات والإسكان»: تطوير نظام موحد لصيانة الطرق    80 % نمو صادرات القطاع ..المديفر: 180 مليار ريال استثمارات تعدينية جديدة في المملكة    وفد طلابي صيني يزور قرية جازان التراثية    المواهب الحرة بين الحلم والواقع    «بلد سوشل» ينطلق في «جدة التاريخية»    ناهد السباعي بين «هيروشيما» و«السادة الأفاضل»    رغم موافقة حماس على صفقة جزئية.. نتنياهو يصر على التصعيد العسكري    المسافر سفير غير معلن لوطنه    نصح الطلاب باستثمار الوقت.. المفتي: التعليم أمانة عظيمة.. كونوا قدوة صالحة    وزير الاستثمار يبدأ زيارة رسمية إلى بكين.. السعودية والصين تعززان الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية    تداعيات السوبر لم تهدأ.. الأهلي.. طلبوه فعاد بطلاً وكان صمته ذهباً    بريطاني.. لم ينم منذ عامين    عروس تصارع الموت بسبب حقنة تجميل    أول علاج من نوعه يتم اعتماده..«الغذاء والدواء»: تسجيل«تيزيلد» لتأخير مرض السكري من النوع الأول    غدًا.. ختام المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    هجمات إسرائيل تلاحق الجوعى    موسم العمرة يشهد تدفقًا متزايدًا للمعتمرين والقاصدين للمدينة المنورة    توثيق أكثر من 84 ألف طائر و 1200 كائن بحري في المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تترجم 24 قصة للأطفال إلى 3 لغات عالمية    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    وزارة الشؤون الإسلامية واثقة الخطوات    نائب أمير الشرقية يعزي الشيخ عبدالرحمن الدوسري في وفاة شقيقه    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنسية «الدينية»
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2012

تتهادى مركبة الوطن فوق أمواج الكراهية، التي تحركها رياح الطائفية الهوجاء، وتمزق أشرعتها لتزيدها تيهاً على تيه، ومتاهات محيطات الواقع المضطرب، كما لم يحدث في وطننا يوماً... الطائفية التي إذا دخلت دياراً أفسدتها وجعلت عاليها سافلها، وكذلك تفعل حيث اللاعقل. ذاك أن من يحمل ألويتها أبأس القوم وعياً وعقلاً وعلماً... يشهد الواقع الممض تفوق دعاة الطائفية جماهيرياً وتأثيرياً على حساب دعاة الوحدة الوطنية والعقلاء، فلا صوت يعلو فوق صوت الطائفيين والغلاة.
لم تكن الطائفية بهذا الظهور والاستبانة والجرأة حتى في عصر الصحوة الإسلامية التالد في الثمانينات، كما هي اليوم مع «الصحوة الجديدة» التي تخلقت مع الثورات، كانت الطائفية في الصحوة الأولى غير حاضرة ولا فاعلة كما الصحوة اليوم، ليس تعقلاً ووطنية حينها، بل لعدم وجود الإعلام الذي يقوم بحملان الفكر التحريضي الطائفي وتوزيعه ولعدم حاجة المنتفعين للتطبيف.
لتعالي وتيرة وترة التكاره الطائفي تحولت المذهبية إلى جنسية، إذ المذهب عند أرهاط هو الجنسية الحقيقية، والفيصل في المحبة والكراهية، لا الهوية الوطنية التي تتردى تحت رماح المذهبية البغيضة، إذ الولاء تحدده الهوية المذهبية لا الهوية الوطنية، وما عاد هؤلاء يتفهمون ويستوعبون أن الوطن كيان يتجاوز حدود الفرعيات الضيقة. ما اللغة التي يتعاطاها رموز الكراهية الطائفية سوى إيماءات لكم التشرذم الوطني، الذي ينتظر فرصته كي ينتقل من مرحلة أقوال الكراهية الطائفية إلى مرحلة الأفعال، نقرأ كثيراً في خطابات هؤلاء تكاثرهم لجنسية المختلف معهم، كأن البلد قدره الأبدي أن يكون لفئة ومذهب معين، مستوهمين قدسية المذهب وقدسية المكان. هؤلاء لا تغنيهم الآيات والنذر، ولا يسترشدون مما يحدث في دول تداعت جراء الطائفية وتحول الانتباذ فيها، لا على الخطيئة الوطنية، بل على الهوية التي تحولت لجنسية.
بظني أن من يحمل أوصاب وأوشاب العنصرية الدينية لا يستدعون فهمهم لماهية الدولة والمجتمع «الوطنية» من روح وتعاليم الدين العظيم الذي جسده النبي «عليه الصلاة والسلام»، ثم صحابته من بعده، وإنما يستدعونها من لدن تجارب قديمة تم تدشينها من شخصيات تاريخية مغالية في تبخيس المختلف واستعدائه «نموذجاً»، رجل الحنبلية الأهم «ابن تيمية»، الذي يعد شيخ الإسلام عند أهل السنة، إذ تحولت مقولاته وغيره من التالدين اليوم كما مفردات لا تقبل المساس والمراجعة، ولأن ابن تيمية الأهم والأكثر حضوراً وهيمنة، كان من المهم استشفاف قصته الظرفية التي تحولت إلهاماً وعقيدةً لا تزال عبر القرون تنتدب على غور الوعي وتسيره، خصوصاً في ناحية التعاطي مع المغاير عقائدياً، تكمن مشكلة من يستدعون هذه الشخصية الحادة في عزلهم لها عن سياقها التاريخي، الذي جعلها شخصية ومتوترة، وهذا بزعمي اقتصاص منقوص لتلك الشخصية، ذلك فابن تيمية وجد في لحظات غيرعادية، إذ كانت ولادته سنة «661»، بُعيد سقوط الدولة العباسية بخمسة أعوام، وكان هو ذاته من ضحايا الغزو المغولي، إذ فرت أسرته من حران إلى دمشق خوفاً من البطش في الزمان ذاته، الذي بدأت تطل فيه الغزوات الصليبية، يُضاف إلى ذلك انخراط بعض الحكام المسلمين في خيانات من خلال سكهم لعلاقات مع الغزاة على حساب الدولة الإسلامية. كل ذلك حدث في زمن «ابن تيمية»، وكل ذلك صنع عنده انطباعاً حاداً في رؤيته للمختلف، ما أوجد عنده المنهج الاعتراكي غير المهادن، وتمظهر هذا الموقف في فتاواه وكتبه، التي كتب لها القدر ألا تنطمر وأن تعاود التأثير.
ما عنيته في قصة ابن تيمية إبانة تأثير نموذجه وأضرابه من الشخصيات التاريخية في إيديولوجيات الراهن الدينية، التي تأبى ألا ترى العصر، بما فيه الدولة الحديثة، وفكرة الوطن والمواطنة، إلا من خلال استدعاء تلك الشخصيات للفصل في مشاهدة وتقويم الواقع، بما فيه التعايش بين الطوائف المتباينة، لتتحول تلك الشخصيات التاريخية هي المحكمة والمتحكمة.
حينما أحكي عن الجنسية الدينية فأنا لا أحكي انطباعاً بل أحكي واقعاً متربصاً ممضاً لا يخفى وميضه إن لم يستبن في بؤرة، فهو يستبين في بؤر وذلك ما يحدث وسيحدث من حيث استوعب غلاة المذاهب أم لا، هذه هي الحقيقة التي تحكم الوعي العقائدي الإقصائي الضيق، الذي يعتبر التعايش غير ممكن لضيق عطنها الديني، ولتوهم كل مذهب أنه الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل المزاحمة، وأن المذاهب الأخرى ضلال وكفر.
«الحصاد» ما لم ننخرط في مزاحمة دعاة الكراهية والقطيعة المذهبية في سبيل استعادة الوئام على أساس العطاء الوطني، فإن بلدنا يتجه نحو متاهات المجهول الغيهب، ثمة شعور عند أرهاط أنهم في معمعة حرب مع المختلف عقائدياً، ويتجلى ذلك من خلال تجييشهم المنهجي ضد الآخر، ما يشعرك باصطفافات تعبوية تنتظر الاندلاع.
* كاتب سعودي.
[email protected]
@abdlahneghemshy


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.