يمثل دخول نجم سهيل مرحلة مهمة لدى كثير من الدول الخليجية والعربية، لا لكونه أحد أبرز العلامات الفلكية التي تشير إلى انتهاء فصل الصيف الحارق، وبدء ميلان الأجواء إلى الاعتدال والبرودة في بعض المناطق، بل لأنه يمثل ظاهرة فلكية تلقى اهتمام الكثيرين ومنهم الفلكيون والمزارعون، والمهتمون بتغير الطقس. ما إن يدخل هذا النجم، وتبدأ رياح الشرقية في الهبوب، حتى يطوي كبار السن في الأحساء مراتب نومهم، ويحولونها من الغرف المكيفة المغلقة، إلى سطوح المنازل، في عادة شعبية لم يتناساها جيل كامل من الأحسائيين، وباتت علامة للهروب إلى أحضان الطبيعة، دون اللجوء للتكنولوجيا وأضرارها على الجسم. لم يخرج النجم العملاق مبكراً هذا العام في سماء الأحساء والمنطقة الشرقية، على رغم خروجه ليلة أمس السبت في البحرين، ويمكن رؤيته بحسب فلكيين عند الساعة الخامسة صباحاً من فجر يوم أمس، على ارتفاع ثلاث درجات من الأفق في اتجاه 24 درجة من شرق الجنوب، وفي الكويت شوهد النجم في يوم 16 أغسطس، وهو من النجوم التي تلقى اهتماماً كبيراً لكونه الأكثر لمعاناً وحجماً ويظهر واضحاً في الأفق. تعرف العادة المرتبطة بهذا التغير المناخي الذي يعلن بدايته نجم سهيل في الأحساء ب»نومة السطح»، إذ يهجر الكثيرون النوم في أحضان أجهزة التكييف، ويبدلونها بنسمات الهواء الطبيعية فوق أسطح المنازل المكشوفة، والحاج كاظم المريس (في العقد السابع)، واحد ممن لا يزالون يحيون هذه العادة الشعبية، بل يجدها «ضرورة صحية يجب الالتزام بها». يقول المريس: «كل ما يعانيه أبناء هذا الجيل من ضعف والآم في الجسم سببها الرئيس ابتعادهم عن كل ما هو صحي، وجلوسهم طوال اليوم تحت نفحات أجهزة التكييف الباردة، والتي تؤثر بشكل سلبي على الجسم»، مضيفاً «النوم في السطح كما كنا نفعل في السابق يمنحنا الحيوية والنشاط، ويبعدنا عن الأمراض، فأنا في العقد السابع من عمري وصحتي تعادل صحة شاب في منتصف الثلاثينات لأنني أحرص على الابتعاد عن كل ما هو غير صحي ومضر». وعن هذه العادة الشعبية، يقول «يفضل كبار السن في الأحساء النوم في الهواء الطلق فوق سطوح المنازل، والشعبية منها صممت أسطحها لهذا الغرض، والبعض يفضل النوم في المزارع لكنهم أصبحوا قليلين جداً، ففي السابق كان المزارع ينام في مزرعته ثم يصحو مبكراً ليقوم بعمله». ويوضح المريس أن «نجم سهيل مرتبط بدخول طالع الطرف، وهما نجمان مضيئان جداً في برج الأسد، لذلك سمي الطالع بسهيل، وكنا في السابق نردد عبارة: (إذا طلعت الطرفة، بكرت الخرفة، وكثرت الطرفة، وهانت للضيف الكلفة)، وكلها أمور إيجابية وتدعو للتفاؤل». ولا تمثل أجواء هذا النجم، أي عنصر من عناصر الجذب، فمع مرور السنوات العشر الأخيرة طغت الحرارة والرطوبة العالية على الطقس ما يجعل إمكانية النوم في العراء أمراً شبه مستحيل بالنسبة لجيل أجهزة التكييف، ولذا يعتمد أصحاب «نومة السطح» على ارتداء الملابس الخفيفة، فيما لا يضع البعض سوى قطعة واحدة وهي الإيزار أو ما يعرف محلياً ب «الوزار». ويعمد البعض لبناء عشة صغيرة ليحفظ في داخلها فرشة النوم والأغطية، وتكون في الغالب ذات سقف فط من دون تغطيتها بالكامل، وتستخدم الأغطية الخفيفة الباردة، تعرف محلياً ب «الشرشف» أو «البشار»، وفي بداية أيام النوم فوق السطح لا ضير من استخدام مروحة صغيرة لتلطيف الأجواء الحارة حتى يعتدل الجو. يقول عمار الحويل (في العقد الخامس)، «لهذه العادة الشعبية فوائد كثيرة، فهي إلى جانب كونها هروباً من صخب الحياة والتكنولوجيا إلى أحضان الطبيعة النقية، إلا أنها تحمل فوائد أكثر، فهي عادة ليست للكسالى، فمن يقرر أن ينام يجب أن يعلم أنه سيستيقظ مع ضوء الفجر ولا يسمح له بأن يكمل نومه أبداً، وإن سمح له ببضع دقائق فالشمس ستكون قاسية عليه». ويوضح «أعتقد أنها عادة لن تدوم طويلاً وستنقرض مع الأسف مع رحيل الجيل المتمسك بها، وبقايا الأجيال الشعبية السابقة ممن لم يغوصوا في رفاهية الحياة الجديدة، لذا عمرها مرتبط بهؤلاء»، مضيفاً «كنا في الماضي نشعر بدفء العائلة ونحن ننام في وقت واحد ونصحو في الوقت نفسه ونتشارك المكان نفسه، ونحن نراقب النجوم ولمعانها، ولا نسمع غير أصوات أنفاسنا، وكانت الكهرباء تُطفأ مع دخولنا في النوم، شعور لا يمكن أن يعرف مدى جماله سوى من جربه».