حتى الآن لا يزال جوهر التدخل الأميركي في الملف الإسرائيلي - الفلسطيني غير واضح بما فيه الكفاية. وإلى أن يتضح أكثر فأكثر بامكاننا أن نشير إلى ما يأتي: - يبدي الكثير من المحللين السياسيين الإسرائيليين استغرابهم من قيام الإدارة الأميركية بالتركيز على موضوع الاستيطان فقط، على حساب قضايا أهم بكثير. ومن هؤلاء، ولن يكون آخرهم بالتأكيد، الجنرال في الاحتياط داني روتشيلد، رئيس «المجلس الإسرائيلي من أجل السلام والأمن»، الذي يضم في عضويته كبار ضباط الاحتياط في مختلف أذرع الجيش الإسرائيلي، إذ كتب يقول: «إن الانطباع الذي تكوّن لدي، في الآونة الأخيرة، هو أن الأميركيين ينوون، في إطار خطة السلام الإقليمية التي سيطرحها الرئيس باراك أوباما، أن يركزوا على الموضوعات الحقيقية المدرجة في جدول الأعمال، ولذا فإنني أستغرب حجم الطاقة الهائلة التي تصرفها الإدارة الأميركية في موضوع النمو الطبيعي وتفكيك بضع بؤر استيطانية غير قانونية» («يديعوت أحرونوت»، 17/8/2009). - هناك قسم آخر من هؤلاء المحللين بدأ يشك في أن تؤدي إدارة الرئيس أوباما المهمة المطلوبة منها. ونذكر منهم الصحافي من «هآرتس» غدعون ليفي، الذي استهل مقالة نشرها في 14 آب بالتنويه إلى أن هذه الإدارة تسلمت منصبها وسط عاصفة كبيرة، وكان خطاب الرئيس نفسه في جامعة القاهرة محط اهتمام نصف العالم، وأثار جعل موضوع المستوطنات في رأس سلم الأولويات أملاً عظيماً بأن يكون وصل إلى البيت الأبيض، أخيراً، زعيم سياسي يدرك أن الاحتلال الإسرائيلي هو أصل البلاء كله، وأن المستوطنات هي أصل بلاء الاحتلال. لكن فجأة أصبح تجميد الاستيطان فقط هو الموضوع الرئيسي. ويبدو لي أن إسرائيل نجحت، من خلال ذلك، في أن تلوي ذراع واشنطن وإعادتنا إلى نقطة البداية، أي إلى الاهتمام بالأمور الهامشية التي لا يمكن تحقيق قفزة كبرى إلى الأمام بالانطلاق منها. وأضاف: «لقد توقعنا أن يقوم أوباما بما هو أكثر من هذا. وعندما يصبح موضوع تجميد الاستيطان هو الموضوع الرئيسي فإن العاصفة التي رافقت تسلمه مهمات منصبه تخبو، وتبدأ عملية متثاقلة الخطى تؤدي إلى فقدان الزخم المطلوب. وعلى ما يبدو فإن المسؤولين في إسرائيل لم يعودوا يحسبون حساباً لأوباما. فقد خفّ وزير الدفاع إيهود باراك إلى الإعلان أنه لا يوجد شريك فلسطيني، حتى بعد أن انتخبت حركة «فتح» قيادة تعتبر الأكثر اعتدالاً في تاريخ فلسطين كله، وفي ما بعد قام بإدخال كتاب توراة إلى كنيس يهودي في قلب الحي الإسلامي في القدس القديمة. كما سارع نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية، إيلي يشاي، ورئيس الكنيست، رؤوبين ريفلين، إلى زيارة مستوطنة معاليه أدوميم من أجل الإعلان أن إسرائيل لن توقف البناء في المنطقة الواقعة بينها وبين القدس. ويستمر المستوطنون في الاستيلاء على المزيد من البيوت الفلسطينية في القدسالشرقية. ويلتزم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، الصمت إزاء هذا كله. ويمكن القول إنه لم يبق شيء يذكر من خطابي الرئيس الأميركي في جامعة القاهرة ورئيس الحكومة الإسرائيلية في جامعة بار إيلان. ويبدو أن إسرائيل عادت إلى سياستها الهوجاء حالما شعرت أن هناك عدم إصرار من جانب الإدارة الأميركية، وراحت تكرّر ذرائعها المعروفة، مثل «لا يوجد شريك» و «محمود عباس ضعيف» و «حماس قوية»، وتطالب الاعتراف بها دولة يهودية، ومنحها الحق في الطيران في الأجواء السعودية، والهدف من ذلك كله هو ألا تقدم على فعل شيء». ويعتقد ليفي أن الولاياتالمتحدة التي لا تضغط على إسرائيل لن تجلب السلام. ومع أنه من غير المنطقي أن نتوقع من الرئيس الأميركي أن يكون راغباً في السلام أكثر من الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم، إلا أنه يبقى الشخص المسؤول عن العالم، وقد كان أملنا الوحيد، وربما الأخير، بتحقيق السلام. ولكن حتى لو أعاد أوباما إحياء الأمل في نفوس أمثال هذا الصحافي المؤيدين لتسوية الصراع، فمن الصعب رؤية الحكومة الحالية تتخطى غاية إدارة الصراع في الفترة المقبلة.